تحت عنوان «سمفونيات مضطربة»، تنظم جمعية «متروبوليس» عروضاً لأفلام غنائية في الهواء الطلق طوال أشهر الصيف في «ذا غارتن» في مجمع «بيال». «ذا دورز» (1991) للمخرج المعروف أوليفر ستون الذي سيعرض نهار السبت المقبل، يتناول سيرة جيم موريسون (1943 ـ 1971) المغني الرئيسي في فرقة «ذا دورز» الأميركية التي اشتهرت في الستينيات، ومات في سن الثامنة والعشرين إثر أزمة قلبية مفاجئة من المرجح أن تكون مرتبطة بجرعة زائدة من المخدرات.
في البورتريه الذي يرسمه ستون لموريسون الذي يؤدي دوره الممثل فال كيلمر، يصوّر لنا المخرج هذه الشخصية المتطرفة في حبها للحياة وهوسها بالموت في آن واحد ضمن إطار لا يخلو من النقد أو السخرية الضمنية، مبرزاً تناقضاتها، ما دفع أعضاء فرقة «ذا دورز» للاعتراض على الفيلم الذي يقدم بنظرهم موريسون ككاريكاتور للفنان والشاعر المجنون المنفصل تماماً عن الواقع. في الحقيقة، إنّ هذا الشريط الذي يعتمد في كل أحداثه على وقائع مسجلة من حياة موريسون ينجح عبر التفاصيل الملتبسة الذي ينسجها بعناية أن يمشي بحرفة وسلاسة حيثما يريد. يطرح التساؤلات من دون فرض وجهة نظره مباشرة كما خلال حادثة السيارة التي يرويها موريسون ويدعي فيها أنّه شاهد وهو طفل جثثاً لهنود من السكان الأصليين لأميركا، ملقاة على الطريق العام. هذا الأمر كان له الأثر العميق في تكوينه النفسي وفق ما يقول. الحادثة على كل حال، لا يؤكدها أهل موريسون، ويرون أن معظمها من نسج خياله. يعتمد ستون على هذه الحادثة ويجعلها مشهد البداية، ويؤسس انطلاقاً منها لصورة شبح الرجل الهندي الذي يلاحق موريسون عبر الفيلم ويجسد هوسه بالموت وافتتانه به. أكثر من ذلك، فاستناداً إلى مقابلة مفترضة أجراها موريسون روى فيها عن موت أهله المزعوم في حادث السير نفسه (الأمر المختلق طبعاً)، يستكشف ستون شعور موريسون بالعزلة وعدم الانتماء بسبب حب أهله المفقود، إلى درجة يعتبرهم موتى. هذا ما جعله ربما يخترع تلك الشخوص الوهمية التي يحاورها في رأسه، ويصنع روابط عاطفية معها كشبح الرجل الهندي. وقد يكون ذلك سبب هوسه بفكرة الموت أيضاً، نظراً إلى شعوره الضمني بالإلغاء من قبل أهله وأن لا حق له بالحياة. لا يمنع ذلك أنه بتصويره الكوميدي لمبالغات موريسون وأفكاره وشعاراته التي بات يعيدها ويكررها، إنما يصوّر ستون تحوله التدريجي إلى كليشيه حتى بالنسبة إلى نفسه وجمهوره الذي عاش أيضاً في وهم تلك الصورة مثله تحت تأثير الأسيد وغيرها من المخدرات. بحسب الشريط، إنّ المخدرات وحدها التي صنعت السحر الأسطوري لتلك الحقبة بكل حركات التحرر التي شهدتها ولا تتجسد فعلياً في الفيلم إلا عبر الجنس وعري النساء. لكن بعض هذه المبالغات التي يجسدها ستون على الشاشة أيضاً تقارب الكليشيه بتطرفها كما قنينة الكحول التي لا تفارق موريسون ولو للحظة واحدة في الشريط. لكن ما ينجح فيه ستون بشكل خاص هو مقاربته غير التقليدية لمفهوم الفيلم الغنائي. هو يؤسس لإيقاع موسيقي في المونتاج كما في التصوير يأخذنا فيه إلى عالم يشبه العيش في أغنية طويلة من فرقة «ذا دورز». يمزج الخيال بالواقع بطريقة يصعب التفريق بينهما، تماماً كما يتلامسان في شخصية موريسون ويشكلان عالماً واحداً، بل إنّ الوهم الذي يتجسد عبر صورة الموت التي تلاحقه وطيف الرجل الهندي، الشخصية الوحيدة التي يتفاعل معها بصدقية. لعل الوهم بالنسبة إليه هو الحقيقة الوحيدة التي عرفها. بالإضافة إلى «ذا دورز»، ستعرض «متروبوليس» أفلاماً غنائية أخرى ضمن برنامج «سمفونيات مضطربة» كـ«سيد ونانسي» (26/7) لأليكس كوكس الذي يروي سيرة سيد فيشيس العازف في فرقة «ذا سيكس بستولز»، و«برلين تنادي» (23/8) لهان ستوهر عن الـ«دي دجاي» مارتن كارو.



«ذا دورز»: 20:30 مساء السبت المقبل ـــ «ذا غارتن» (بيال) ـ للاستعلام: 01/332661