«إذا لم تكتب التاريخ، سيكتبه آخرون». ليس المنتصرون وحدهم من يكتبون التاريخ كما يُشاع. وسط كل التزوير والتحريف، هناك من يكتب رواية الهزيمة كما يشاء. أُنفقت أموال طائلة، ولا تزال، لخلق سرديات كما تشتهي سياسات أصحاب القرار. لا تنحصر قضية التأريخ في الأدب والفنّ والسياسة والتربية ووسائل الإعلام التقليدي والجديد، بل بالتوثيق على كلّ أشكاله، الذي يجعل من الواقع تاريخاً لا يمكن إنكاره. دأبت المقاومة الإسلامية، حديثاً، في الاهتمام بتوثيق ذاكرتها على مختلف الصعد. ولهذا أعدّت العدّة لتنفيذ منهجية تواكب انتصاراتها، وتحفظ شيئاً من الحقبات والشخصيات والأحداث المختلفة التي مرّت بها. وقد عملت قيادة «حزب الله»، طيلة أشهر، على تفريغ هذه الذاكرة من الأشخاص أنفسهم، وجمع الأرشيف الصحافي والإعلامي، لتتجلّى في قوالب على شكل وثائقيات وإصدارات مطبوعة وأفلام وألبومات ومسرحيات وأشكال فنيّة أخرى تحاكي أربعين عاماً من مسيرة المقاومة.  في مناسبة «الأربعون ربيعاً»، أطلق حزب الله أخيراً ورشة كبرى في مؤسّساته لتدوين تجربته وجمع الذاكرة الشفوية، والوثائق والمستندات، والمواد المصوّرة، والبصمات الصوتيّة. وكانت المناسبة دافعاً إضافياً لإحياء أمجاد المقاومة عبر فنون تعبّر عن ثقافة وتاريخ مجتمع، بناسه، وليس فقط بقياديّيه أو شهدائه أو جرحاه أو أسراه. وتولّت وحدة الأنشطة الإعلامية في «حزب الله» ـــ واحدة من مهامّها في هذا المجال ــــ إعداد الهويات البصريّة والتخطيط الإعلامي للأنشطة والترويج لها. يراوح عدد الأنشطة، التي تستمر شهرين، بين ستين نشاطاً أساسيّاً، ويصل عددها إلى 250 مع الأنشطة الفرعية في المناطق. أنشطة متنوعة من أنماط عدة، تُقيمها الجهات المعنية في الحزب بعد تحديدها وفقاً لـ«لجنة المناسبات»، التي شُكّلت لهذا الغرض، والمؤلّفة من ممثلين عن كل المؤسسات المعنية بإحياء هذه المناسبات.
أما في دلالات شعار الأربعين البصريّة، المؤلّف من رقم 40 مخطّطاً على شكل راية، فهي راية ممتدة من الرقم أربعة إلى ما لا نهاية، كخط زمني مستمر، وللإشارة إلى راية المقاومة المرتفعة عالياً، كتعبير عن استمرارية هذا الارتفاع. استُخدم اللون الأخضر في الخلفية للدلالة على التجدّد والقوّة والسعي، وأُشير إلى الانتماء باللون الأصفر، لون شعار حزب الله. إلى جانب الشعار، استخدم الحزب أيقونة المقاوم الذي رفع راية المقاومة على موقع الدبشة كبصرية معتمدة مع الشعار.


جدّدت قيادة الحزب طريقة إحياء الأنشطة، باختيار محاور برمزيات الحدث نفسه، بعيداً عن الرتابة والكلاسيكية والتكرار، وحملت في طيّاتها رسائل معنوية وإعلامية وسياسية في كل نشاط، كلّ بحسبه. ضمن الفعاليات، استذكر أهالي البقاع صلاة المقاومين في مسجد الإمام علي، بإمامة الشيخ محمد يزبك (24/6/2022)، لإعادة مشهدية المقاومين من المجموعات الأولى حيث كانوا يجتمعون للصلاة ويردّدون لطمية في بدايات انطلاقة المقاومة، بوجود يزبك نفسه. افتتح الحزب مسارات «السياحة الجهادية» الأربعة في أقضية صور وبنت جبيل ومرجعيون (26/6/2022)، وهي مسارات عدة في أماكن مختلفة، عاش فيها المقاومون خلال فترات الصراع المحتدمة. تتضمّن المسارات رمز (QR code) لمساعدة المشاركين وإرشادهم في المسارات مع شرح نقطوي.
بدورها، أقامت جمعية كشافة الإمام المهدي تجمّعات كشفيّة حول المناسبة وأداء قسم للتأكيد على «الاستمرارية وتجديد العهد». وأصدرت في السياق قصصاً مصوّرة للأطفال تحاكي محطات من تاريخ المقاومة بطريقة فنيّة قابلة للتحريك. كذلك، ستتفتح مسرحية «يحيى» التي تحاكي سيرة أبناء الشهداء في 31 تموز (يوليو) في «قاعة نقابة التجار» في النبطية.
كان لموقع «العهد» بصمته الخاصة في إعداد ملف الأربعينية. وثّق الموقع يوميات حرب تموز وتفاصيلها، الوثيقة السياسية لحزب الله، حرب نسيان، سيرة القادة، مسار تطوّر القدرات الجويّة للمقاومة وغيرها. كذلك، عرض لمؤسسات الحزب ونشاطها عبر التاريخ من خلال إنفوغرافات، وأحيا على طريقته المناسبات المختلفة منذ أربعين عاماً بموادّ مكتوبة وبصريّة متنوعة. وسيُطلق الموقع ألبوماً من الصور المعدّة من أرشيفه يتضمن أجمل الصور وأهمها، التُقطت بعدسة الجريدة التي واكبت المقاومة منذ الانطلاقة، إضافة إلى صفحة جدول زمني تتضمن أهم محطات المقاومة الإسلامية بقالب فني جديد.
أقام حزب الله مراسم رفع راية المقاومة في محافظة النبطية (16/7/2022)، فوق الموقع الإسرائيلي المعروف سابقاً بـ«موقع الدبشة»، بمشاركة أربعة أجيال مختلفة من المقاومة، وعوائل المقاومين الذين شاركوا في عملية اقتحام الموقع واستُشهدوا في فترات لاحقة.
وافتتح الحزب جدارية «سنبقى – أيقونات خالدة من زمن المقاومة» على جدار العدو «جدار العبور» على الحدود مع فلسطين المحتلة (24/7/2022)، بطول 80 متراً، تتضمن عبارات خالدة، وأيقونات من عام الانطلاقة حتى اليوم، تنتهي بإصبع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ومسيّرة للمقاومة التي تُشير إلى آخر عملية رسمية لها. تتوسط الجدارية شجرة قضى لأجلها ثلاثة شهداء من الجيش اللبناني وآخر صحافي، وعدد من الجرحى، بعدما حاول العدو اقتلاعها خوفاً من ارتفاعها الذي تخطّى جدار الخوف. تحمل الجدارية عبارة «سنبقى ويفنى بناء العدا» المأخوذة من نشيد حزب الله الذي أُطلق عام 1988، وقد تمّت كتابته وتلحينه، في ليلة واحدة. وعندما تم إنشاده للمرة الأولى، طلب المستمعون إعادته ثلاث مرات، ومُذَّاك أصبح النشيد الرسمي للحزب.
إلى جانب الجدارية في كفركلا، شيّد الحزب جدارية من ثلاثة عشر استشهادياً في المقاومة، تعبّر عن أجيال مختلفة من الاستشهاديين، مع عبارات دُوّنت إلى جانب كل استشهادي أُخذت من وصاياهم الأخيرة. في السياق، افتتح حزب الله معرض «الموقف سلاح» في بلدة جبشيت، ويتضمن عرضاً مشهدياً لسيرة الشيخ راغب حرب (22/7/2022)، وتجسيداً لمشهدية المنبر، ومعرضاً سردياً بأسلوب جدول زمني «timeline» يروي سيرة المقاومة في لبنان، حيث تستمر فعالياته لغاية 29/7/2022، وسيتم لاحقاً إطلاق موسوعة الآثار الكاملة.
وتعمل وحدة الأنشطة على إطلاق معرض صور في المناطق، على أن يكون المعرض المركزي في معلم مليتا. وهو معرض فني بانورامي بشكل جدول زمني حول المناسبة يتضمن أبرز المحطات. يروي الشق الأعلى من المعرض الخلفية السياسيّة والوضع الإقليمي والظروف المحيطة بالأحداث. ثم في الأسفل، عناوين المحطات الرئيسيّة وتواريخها، وأبرز مانشيت الصحف، والعبارات الأيقونة، مع تطبيق على الهواتف للتفاصيل الموسّعة.
ويقيم الحزب للمناسبة ندوات وأمسيات شعرية وزجلية، ومسرحيات أبرزها مسرحية «Timeline 40»، وتجمّعات لأداء تحية القسم، وأنشطة للهيئات النسائية. من جهته، أقام الدفاع المدني مناورات للدلالة على الجهوزية في مناطق مختلفة، حول الإسعافات الأولية، إخماد الحرائق، حوادث السير، انهيار أبنية وأسقف، إنقاذ من تحت الأنقاض، قطع حواجز للإنقاذ، وورشات توعوية للناس حول مواضيع مختلفة. إلى ذلك، تُنظّم التعبئة التربويّة احتفالية ضخمة في مجمع سيد الشهداء، تتضمن فعاليات شبابية تحاكي سردية المقاومة عموماً، والجوانب العلمية والتربوية والثقافية خصوصاً، بمشاركة آلاف الطلاب، إضافة إلى تكريم للمتفوّقين.
ندوات وأمسيات شعرية وزجلية وعروض مسرحية


ويُنظّم الحزب ضمن سلسلة الأنشطة نفسها خلال شهر آب (أغسطس) وقفة رمزية مع فاتح عهد الاستشهاديين الاستشهادي أحمد قصير، في مكان استشهاده في مدينة صور، مع إضاءة شموع، تليها وقفة تضامنية مع معتقلي الخيام، بمشاركة الأسرى المحرّرين من المعتقل. ويفتتح الحزب المسار الجهادي بين مليتا وصافي، باحتفالية يُقيمها في مقام صافي في إقليم التفاح.
وتُتابع وحدة الأنشطة الفعّاليات المناطقية والحملة الإعلامية على الطرقات ووسائل التواصل، بالإضافة إلى برمجة خاصة وإنتاجات إعلامية ووثائقية للمؤسسات الإعلامية، وإنتاج أناشيد جديدة وإنتاجات فنية لجمهور المقاومة الذي يتفاعل مع المناسبة وينشرها على الفضاء الافتراضي.
يختتم حزب الله فعاليات «الأربعون ربيعاً» باحتفال مركزي يُقيمه في باحة عاشوراء في الضاحية الجنوبية، ويتضمن كلمة للسيد نصرالله، وفقرة بانوراما هي الأولى من نوعها، تعتمد على مؤثّرات عدة بشكل رئيسي هي: البصمات الصوتية للقادة والأيقونات في تسجيل صوتي واحد، أناشيد قديمة للمقاومة، مع شاشة كبيرة لعرض مادة مصوّرة تحتوي على فيديوهات قديمة مواكبة لعمل المقاومة، ومدعمة بمواد متحرّكة. تُترجم المشهدية على المسرح بحوار وحركة مرتبطة بالملف الصوتي والعرض على الشاشة، يتخلّلها للمرة الأولى عرض «هولوغرام» و«3D mapping» لمجموعة من اللقطات ضمن السيناريو المعتمد.