«أنا اسمي محمد أبو خضير، اليوم اختطفت وأحرقت من قبل المستوطنين، لن تسمعوا هذا الخبر في الصحف الأجنبية، والسبب أنّني فلسطيني». عبارة مقرونة بصورة الشهيد محمد أبو خضير (16 عاماً)، ما لبثت أن احتلت مواقع التواصل الاجتماعي وانتشرت على حسابات الناشطين. بالتأكيد، ما دوِّن في هذه العبارة محق، لكن كان على كاتبها أن يضيف اليها عبارة «الإعلام العربي».
في قضية الشاب أبو خضير الذي خُطف وعذِّب وقتل فجر الأربعاء الفائت بعيد خروجه من منزله، قاصداً المسجد لأداء صلاة الفجر، تكاملت المنابر العربية مع زميلاتها الغربية، بل في بعض الأحيان زايدت عليها في تعمية الحقائق وتبرئة الجاني.
طبعاً، الأمر ليس جديداً على هذه القنوات والصحف في ما يخص ممارسات الاحتلال الإسرائيلي على أرض فلسطين. هي أضحت أبواقاً تبرر فعلة الصهاينة من خلال تغطياتها الميدانية والخبرية للحادثة، عبر نقل تصريحات المسؤولين هناك، وتنصّلهم من هذه الجريمة، أو عبر تبريرها بربطها بخطف المستوطنين الثلاثة في 12 حزيران (يونيو) ومقتلهم بعد 18 يوماً على الخطف.
التغطية الأكثر فقاعةً تولتها قناة «bbc عربي» أول من أمس. ربطت المحطة بين مقتل المستوطنين الثلاثة واستشهاد أبو خضير، موردةً عبارة «وقد ندّد القادة الإسرائيليون والفلسطينيون، كلاهما، بمقتل أبو خضير ذي 17 عاماً» في محاولة لأنسنة العدو وإيهام الرأي العام بأنه يتصرف مثله مثل أهل الفقيد والشعب الفلسطيني. وفي بقية التقرير تكرار لما قاله المسؤولون الصهاينة عن هجومهم على قطاع غزة. لكن اللافت هنا هو ابتداع عبارة جديدة تنضم الى قاموس الإعلام المثيل: فقد أطلقت القناة البريطانية على فصائل المقاومة التي تطلق الصواريخ على المستوطنات الصهيونية تسمية «المتشددين الفلسطينيين»، في إشارة تذكرنا بعبارة «المستوطنين المتشددين» التي تستخدم للتخفيف من وطأة الاحتلال وتبرر أفعال الصهاينة. استكملت هذه التغطية بتحليل من مراسل القناة في القدس كيفين كونولي الذي كان بوقاً بامتياز للاحتلال من حيث التشديد على أن الغارات الصهيونية قصفت «أهدافاً عسكرية» من منشآت ومواقع تدريب تعود الى «حماس» و«الجهاد الإسلامي». وبرر بسذاجة «اضطرار» المحتلين الصهاينة إلى الرد على الفلسطينيين لأنّهم «رُشقوا بالحجارة»، فكان الردّ «بإطلاق قنابل صوتية وقنابل غاز مسيّل للدموع ورصاص مطاطي»!


شدّدت قناة
«bbc عربي» على استنكار القادة الإسرائيليين للجريمة
قناة «العربية» لم تكن تغطيتها أشفى حالاً يوم الأربعاء الماضي، أي يوم الإعلان عن استشهاد الفتى الفلسطيني. كررت ما نطقت به ألسنة المسؤولين الصهاينة من إدانة «لعملية القتل وضرورة الكشف عن الملابسات» وأن «إسرائيل دولة قانون ومؤسسات»، مع تبرير الجريمة عبر القول بأنّ عملية تصفية أبو خضير جاءت على خلفية «قومية جنائية».
من بين القلة القلائل، كانت «الميادين» بالمرصاد عبر تغطيتها المستمرة للعدوان الصهيوني على قطاع غزة وانتفاضة الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية. دأبت القناة على استخدام مصطلح «المقاومة» بدل إيراد أسماء الفصائل الفلسطينية. وحرصت أيضاً على ربط ما قام به الصهاينة منذ يومين من حملات عنصرية وكراهية إلكترونية تدعو الى قتل العرب بالقول إنّه انعكاس لخطاب التحريض الذي تمارسه الطبقة السياسية الصهيونية، بالاستناد الى ما قاله رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو في حديثه إلى «هآرتس» بأنّ «هوة عميقة أخلاقية تفصل بيننا (الإسرائيليين) وبين أعدائنا (العرب) هم يقدسون الموت ونحن نقدس الحياة». وانتهى تقرير القناة أول من أمس بتعليق ساخر لمعدته منال اسماعيل قالت إنّ مقتل أبو خضير يظهر فعلاً كيف أن «الإسرائيليين يحبون الحياة»!
وكما أشعل استشهاد العديد من الفتيان الفلسطينيين أمثال محمد الدرّة وفارس عودة الرأي العام وأضحوا أيقونات، هكذا حدث مع أبو خضير الذي لقب «بشهيد الفجر» و«فتى القدس». سريعاً انتشرت صورته البريئة على جدران بلدته شعفاط وعلى جدران مواقع التواصل الاجتماعي. بات شعلة القدس وفلسطين، فاتخذته صفحة «الميادين» الفايسبوكية غلافاً. وأنشئت الصفحات الداعمة لانتفاضة فلسطينية جديدة وشاجبة للعدوان الصهيوني على فايسبوك عبر التغطية الفورية لما يحدث هناك مع تسجيل تفاعل معها بشكل كبير.
وأمس، زخر تويتر لدى وصول جثمان أبو خضير الى مسقط رأسه (شعفاط) بالأعلام الفلسطينية وبصور التشييع وبلقطات مؤثرة لوالدته المفجوعة التي استلقت جانباً وعيناها تنهمران بالدموع، تتنظر ابنها الشهيد. لكن التشديد الأساسي الذي بدأ منذ لحظة استشهاد «فتى القدس» هو شحذ العزيمة دائماً كي لا يُنسى هذا الفتى وتطوى معه صفحة الجريمة المرّوعة.




الصحف الغربية تكشّر عن أنيابها

الصحف الغربية التي ما انفكت تتعامل بإنسانية وتعاطف مع خطف المستوطنين الثلاثة في 12 حزيران (يونيو)، ما لبثت أن كشّرت عن أنيابها بعيد استشهاد محمد أبو خضير. فقد أوردت الـ«أندبندنت» البريطانية «العين بالعين: شبان يهود يقتلون مراهقاً فلسطينياً في هجوم انتقامي». من جهتها، جهّلت «نيويورك تايمز» الفاعل عبر قولها: «موت صبي عربي يصعّد الاصطدام في قضية المخطوفين». أما «دايلي مايل» البريطانية، فقد غطت على النحو الآتي: «إسرائيل تشّن غارات على غزة بعد إصابة منازل مستوطنين بصواريخ (...) في وقت يستعد فيه الفلسطينيون لجنازة مراهق قُتل انتقاماً لجريمة قتل ثلاثة مستوطنين إسرائيليين».