كأنّ القدر يتآمر على الدراما السورية في سنواتها العجاف. فضلاً عن الحصار الفضائي والحرب الطاحنة التي تحيط بها من كل الجهات، فهي تخسر بركتها برحيل كبارها وحفنة من نجومها الصاعدين. حالما هدأت موجة رثاء الممثلة الشابة سوزان سلمان، عادت النغمة ذاتها على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية حين أُعلن نبأ وفاة الفنان السوري المخضرم أدهم الملا (1932 ــ 2014) والد المخرجين بسام ومؤمن الملا.
الممثل الذي حضر في الأعمال الشامية، كنوع من التقليد التراثي، عاصر حقبات هامة من تاريخ الشام، وعايش المراحل التي يغوص فيها ولداه لإخراج حكايات شعبية تمتع الجمهور. أبو محمود كما عهده الجمهور في سلسلة «باب الحارة» (إخراج بسام الملا) لن يطلق صدى صوته وهو يكرّر كلمته الشهيرة «قرّبت»، ولن يظهر في حلقة أخيرة ليحمل معه الحقيقة التي غابت عن أهل «حارة الضبع». لقد ترك الشام جريحة كما لم يعهدها في صفحات حياته، وأغلق الدفّة الأخيرة ورحل أمس في أحد مستشفيات دمشق بعد اشتداد أمراض الشيخوخة. لكن ستظلّ صوره أمام طبق الأدوية معلّقة على معظم صيدليات دمشق في أظرف إعلان فوتوغرافي عرفته مدينة الياسمين قبل سنوات.
وحال انتشار الخبر، غادر ولداه مؤمن وبسام مطار دبي، أمس، باتجاه الشام، على أن يصلّى على جثمان والديهما اليوم بعد صلاة الظهر في «جامع ملا قاسم» في منطقة «ركن الدين»، ثم يوارى في ثرى «مقبرة السبيل» في ساحة شمدين. ما لا يعرفه كثيرون عن الممثل الراحل أفادنا به صديقه النجم عبد الهادي الصباغ في اتصال مع «الأخبار». قال «خسارة كبيرة هذا الرجل. قليلون هم من كانوا يعرفون أنه شاهد حقيقي على العصر، ويمتلك ثقافة ومعرفة واسعة في السياسة والدين وغيرهما، فضلاً عن ملكة خفّة الظلّ وبديهة النكتة الحاضرة دائماً». يشرح الصباغ مضيفاً «هي حال الدنيا. قلبي مع عائلته وولديه بسام ومؤمن». الممثل الذي بدأ موظفاً في التلفزيون السوري منذ تأسيسه في دائرة المالية عام 1960، سرعان ما أوجد لنفسه مساحة تحت الضوء ولعب أدواراً تلفزيونية مع المخرجين المؤسسين للدراما السورية علاء الدين كوكش وغسان جبري. ثم انتقل للعمل في فرقة الراحل طلحت حمدي، ومن أهم أعماله «سيرة بني هلال» و«غابة الذئاب» و«مرايا 84» و«أيام شامية»، و«ليالي الصالحية» و«صلاح الدين الأيوبي»، وأخيراً «باب الحارة».




خفّة الظلّ

عُرف عن أدهم الملا خفّة ظلّه. هذه الجملة وسمت معظم نعوات الفنانين على صفحاتهم الافتراضية لزميلهم الراحل. أما المخرج المخضرم علاء الدين كوكش فيسرد في اتصاله لـ«الأخبار» ذكرياته الطويلة مع الراحل. يقول «هذا الصباح استرجعت وأنا أستمع إلى الخبر تاريخاً طويلاً جمعني بأدهم الملا، فقد كان حاضراً في عدد من مسلسلاتي، لكن أهمها كان «سيرة بني هلال» (كتابة عبد العزيز هلال). ويضيف «نحن اليوم في طور الفقدان المتلاحق. خسارة جيل كامل من الممثلين هي كبيرة جداً. ففي الفترة الماضية، فقدنا عدداً كبيراً من الممثلين الكبار، لكن ما يميز هذا الجيل عن غيره أنّه كان مبدعاً بصمت».