تصورات حول الاعتداء الجنسي
التصور الضيق والنمطي عن «الاغتصاب» تتحكّم به الصورة النمطية التي يمكن اختصارها في ظهور رجل غريب في مجال المرأة وإجبارها على ممارسة الجنس تحت التهديد بالسلاح أو التعدي عليها بالضرب. لكن ما يحدث على أرض الواقع، غير ذلك، إذ إنّ الغالبية العظمى من حالات الاغتصاب، يرتكبها رجل أو رجال معروفون للضحية: الأقارب، الأصدقاء، الرؤساء، الأزواج، الجيران وزملاء العمل، وأكثر من ذلك.


(باكو باكا ــ المكسيك)

(لهذا السبب، ومرة ​​أخرى، خلافاً للصورة النمطية، فإن غالبية حالات الاغتصاب تكون داخلية). في تقرير نشره «المعهد الوطني للعدالة «NIJ» بعنوان «التقرير الكامل عن انتشار العنف ضد المرأة ووقوعه وعواقبه: نتائج المسح الوطني للعنف ضد المرأة على أكثر من 16000 أميركي»، تبيّن أنّه تمّ اغتصاب 51.1% من الضحايا من قبل شريك حميم، و 40.8% من قبل أحد معارفه. في حالة فاطمة فؤاد، فقد تعرّضت للاعتداء من رجل وامرأة تناوبا على ذلك، بعدما وضعت المرأة في فم فاطمة حبّة مخدّرة بعد الكثير من التملق والمداعبة في وضع كانت فيه الضحية تحت تأثير الخمر.

مفاهيم قانونية واجتماعية
تستند المفاهيم الاجتماعية والقانونية للاغتصاب، نوعاً ما، إلى مفهوم الرضى. هناك افتراض دائم بأن لا أحد يستطيع الوصول إلى جسد الآخر، طالما لم يسمح له بذلك. مع ذلك، في معظم حالات الاغتصاب، تؤوَّل حالة ارتباك الضحية على أنّها «موافقة». في حالة فاطمة فؤاد، فقد رفضت تحرشات «الرابر»، ورفضت بوضوح دعوة المغنية للذهاب بصحبة المغني بعد انتهاء الحفلة. لكن بعدما أثّرت حبة المخدّر بها، لم تمانع من ممارسة الجنس معهما، حتى إنّها طلبت ذلك في سياق ضاغط كي ينتهي الأمر بسرعة. السؤال الآن: هل فعل فاطمة يعتبر موافقةً؟ أو ما الذي يعتبر موافقةً؟ تمّ فهم الموافقة الجنسية للمرأة في كثير من الحالات، على أنها مجرد غياب للرفض أو المقاومة. انتقد النسويون هذا النهج لأنه دائماً ما يكون السياق ضاغطاً وغير متوقّع. الجاني يعتبر أن مظهر المرأة، أو لباسها، أو وضعها، أو موقعها، أو تاريخها الجنسي السابق، أو حتى إن كانت في حالة إغماء، كلّها بمثابة بدائل للموافقة أو أنّ موافقتها في هذا الوضع غير مهمة.
قد يبدو هذا بديهياً الآن، لكن مع ذلك، ما زال يحدث أن يتعدّى شخص على آخر جنسياً فقط لأنه لم يقاوم بما فيه الكفاية، أو أنّ له تاريخاً جنسياً حافلاً أو أنّه مثل فاطمة، كان يرقص ويحتسي الخمر ووافق على تقبيل فتاة. يمكن فهم الموافقة بشكل عام على أنها إما سلوكية أو أدائية. ترى حسابات المواقف، الموافقة على أنها حالة ذهنية من التأكيد أو الرغبة، بينما تعتبرها الحسابات الأدائية نوعاً معيناً من الفعل أو الكلام (على سبيل المثال، قول «نعم» أو الإيماء)، لأن أنواع السلوكيات المذكورة أعلاه (مثل ارتداء ملابس كاشفة، أو الذهاب إلى مكان ما بمفردك مع رجل، أو الانخراط في مداعبة ثقيلة) كثيراً ما ادعى الجناة أنها تشكل دليلاً على أنّ المرأة كانت في حالة نفسية من الرغبة في ممارسة الجنس. وهذا يُعتبر أحد أعمدة الآراء الأبوية التقليدية، التي غالباً ما افترضت أنّه ما لم تقاوم المرأة جسدياً مرة أخرى، حتى «آخر نفس»، فإنها توافق (أو على الأقل كان للجاني ما يبرره في الاستمرار).

معايير نسوية
يتمثل أحد عوائق الحساب الأدائي للموافقة، في أنه لا يأخذ في الحسبان السياق الذي يحدث فيه السلوك أو الكلام ذو الصلة. على سبيل المثال، إذا قالت امرأة «نعم» أو حتى تظاهرت بالحماس الجنسي من أجل منع المهاجم الذي يحمل سكيناً من أن يغضب ويؤذيها أو يقتلها أو كانت تحت تأثير مخدّر، فسيكون من السخف اعتبار سلوكها أو قولها أنه موافقة.
السؤال هنا: ما هي القيود والضغوط السياقية الأخرى التي قد تهدم أيضاً صحة موافقة المرأة التي يتصوّرها الجاني؟ يجب أن ندرك أنه في بعض الحالات، «نعم» تعني أيضاً «لا»، ذلك أنّ هناك أنواعاً عديدة من التهديدات الصريحة والضمنية التي تجعل موافقة المرأة على ممارسة الجنس غير حقيقية مثل أن تكون خائفة، أو أن تكون تحت تأثير المخدرات. للمنظّرين وجهات نظر مختلفة حول الظروف التي بموجبها يكون من المعقول للرجل أن يعتقد أنّ المرأة توافق على الجماع. يجادل أستاذ الفلسفة القانونية دوغلاس هوساك، بأن هناك أعرافاً لطقوس المغازلة تظهرها النساء، فتكون بمثابة إشارة بالترحيب أو الموافقة على ممارسة الجنس. لكنّ أستاذ الفلسفة الأخلاقية في «جامعة كوينز بلفاست» ديفيد ارشاد، يرفض بقوة هذا الرأي، موضحاً أنّ أي اتفاقيات من هذا القبيل يُحتمل أن تكون غامضة وغير مفهومة عالمياً (بخاصة أنّ الأبحاث تظهر أن الرجال يفسرون سلوك المرأة بشكل روتيني بمصطلحات جنسية أكثر مما تقصده النساء أو ينوين)، وأن يخاطر الرجل بإلحاق ضرر جسيم بالاعتماد على معتقداته في مثل هذه «الإشارات» رغم وجود بديل جاهز، وهو الاستفسار صراحة عن رضى الآخر أو عدمه. كل ذلك دفع بعض النسويات إلى المطالبة بتدشين «معيار نسائي» في قضايا التحرش والاعتداء الجسدي والاغتصاب، لاستحالة التوصل إلى معيار محايد يقبله الجنسان؛ نظراً إلى التباين الثقافي والسلطوي والاجتماعي بينهما.

قيود على التعاطف
غالباً ما لا يتم التعاطف داخل فئات عديدة من المجتمع حين يتبين لها أنّ الضحية قالت «نعم» حتى من دون السؤال عن السياق. لذلك، نجد أن المطالبة والجدال حول اعتبار الاغتصاب جريمة لأنّ أي جريمة لا تتطلّب القصد الجنائي. وفقاً لأستاذة القانون في جامعة ميشيغان كاثرين ماكينون، فإن مطلب النية الإجرامية في موقف مماثل يعني أنّ «تصورات الرجل لرغبات المرأة تحدد ما إذا كانت تُعتبر منتهكة» وإن اعتماد معيار «الاعتقاد المعقول» لا يساعد، لأن معيار «المعقولية» يتنكر كموضوعية، بينما يعتمد بشكل شبه حتمي على الافتراضات الأبوية التي تتحكم بالمجتمع. وهكذا فإنّ قياس الموافقة من وجهة نظر «المعقول» اجتماعياً، أي وجهة نظر الإنسان الموضوعية، يجعلنا نلفّ في الدائرة نفسها.
يركّز الرأي الأكثر شيوعاً على ما فعله الجاني، لا على كيفية ردّ الضحية


يختلف النسويون، مع ذلك، حول كيفية هيكلة قوانين الاغتصاب بشكل مثالي. ربما يكون الرأي الأكثر شيوعاً هو أنه يجب إلغاء مطلب القوة، وتعريف الاغتصاب ببساطة على أنه ممارسة جنسية غير توافقية، بدرجات متفاوتة من الشدة اعتماداً على ما إذا كان يتم استخدام القوة والعنف ومدى استخدامها. يركز هذا النهج على ما فعله الجاني، وليس على كيفية رد الضحية (أي ما إذا كان سلوكها يشكل موافقة الجاني أو يمكن أن ينظر إليه بشكل معقول على أنه يشكل الموافقة) وهو الأهم.

التضامن الذكوري مع المغتصبين
«علمت أخيراً أن الأستاذ المعروف بـ م. أ. ط.، مدير «معازف»، أصرّ على الفريق بالتوجه نحو لفلفة الموضوع وعدم نشر بيان يدين المغتصب ب. س، متجاهلاً شهادة عضوة في الفريق قد سبق أن اعتدى عليها ب. س. بالضرب خلال فحص الصوت في الحفلة نفسها، ومتغاضياً عن روايات عدة متداولة ومسموعة لناجياتٍ من مصر والأردن تعرضنَ لمضايقات واعتداءات من قبل ب. س.، بحجّة أنّه يعرفه جيداً، «ب. ما بيعمل هيك»، كان يكرّر على مسمع الموظفات/ ين. وما هي إلا بضعة أشهر حتى بات يفرض على فريق العمل مزاولة النشر عن ب. س». التآزر الذي يحدث من قبل الرجال مع الرجال المتهمين بالعنف الجنسي، أمر متكرر في حوادث الاغتصاب والتحرش والاعتداء جنسياً. ذلك أن بعض الرجال يرون أن مؤازرتهم لشخص من نفس جنسهم، أهم من أي شيء آخر، فهو لن يتخلى عن «رجولته» من أجل امرأة. وهو ما يفضح نظرة المتضامن مع المغتصب تجاه المرأة بشكل عام، أيضاً لأنه في حالة فاطمة كان الأكثر هيمنة وسلطة هو رجل، ويُعتبر المغتصب صديقه الذي دافع عن مدير «معازف» في حادثة أخرى وضرب من أجله، ما أشعر المدير بأنّ دوره قد حان ليردّ له الجميل على حساب فاطمة وأخريات. تحجّج مدير «معازف» -بحسب شهادة فاطمة- بأن المغتصب يعاني من مواجع طبقية ونفسية وتاريخية لأنّه فلسطيني. وصفت فاطمة هذا السلوك بأنه أبويّ، وهو كذلك بالفعل، فمواقف مماثلة تعطّل وتؤخر أولاً محاسبة الجاني وثانياً تعافي الضحية.

مصادر:
Archard, D., 1998, Sexual Consent, Boulder: Westview Press.

https://chicagounbound.uchicago.edu/cgi/viewcontent.cgi?referer=https://www.google.com/&httpsredir=1&article=12276&context=journal_articles

https://plato.stanford.edu/archives/fall2017/entries/feminism-rape/

https://nij.ojp.gov/library/publications/full-report-prevalence-incidence-and-consequences-violence-against-women