خلال الأسبوع الماضي، أُقيم احتفال في ذكرى مرور ثمانين عاماً على إنشاء المتحف الوطني اللبناني، تضمّن تكريماً من وزير الثقافة محمد وسام المرتضى لمنى الهراوي، تقديراً لـ «جهودها في إعادة ترميم المتحف المتضرّر من الحرب الأهلية (1975-1990)». وأعلنت المديرة العامة لمجلس إدارة المتاحف في لبنان، آن ماري عفيش أنّ «الثقافة تحظى بأقل قدر من الاهتمام والتمويل. لكن يجب ألّا ندع تراثنا يموت أو يتدهور، فالتراث هو العنصر الموحِّد للشعب»، مؤكدة أنّ «المتحف الوطني يستمرّ في أداء دوره في الوحدة الوطنية». كما وقّعت عفيش كتيّباً يعرض المراحل التي شهدها مبنى المتحف. بالعودة إلى تاريخ المتحف الوطنيّ، فإنّ جمع الآثار الأولى تمّ عام 1919، وعُرضت تلك الآثار في غرفة واسعة تابعة لمبنى الشمامسة الألمان، أي المبشرين البروتستانت في «شارع جورج بيكو» في بيروت. ولحفظ تلك الآثار في مكان ملائم، أُنشئت «لجنة أصدقاء المتحف» عام 1923 ضمّت شخصيات سياسيّة ورجال أعمال، بينهم بشارة الخوري، وعمر الداعوق، وعلي جنبلاط، وهنري فرعون، وألبير بسّول، وجان دبس، وألفريد سرسق وكميل إدّه. حددت اللجنة لنفسها بناء متحف مخصّص لحفظ التراث التاريخي للبنان وتعزيزه. قدّمت بلدية بيروت الأرض قرب ميدان سباق الخيل، وصمّم المهندسان المعماريّان اللبناني أنطوان سليم نحّاس والفرنسيّ بيار لوبرينس رينغيه، المبنى المهيب ذا الطراز المصري، من الحجر الجيريّ فوق مساحة ستة آلاف متر مربع.




بدأت أعمال البناء عام 1930 واكتملت عام 1937. لكنّ افتتاح المتحف تأجّل إلى 27 أيار (مايو) 1942 في عهد الرئيس ألفريد النقّاش. عمل كبير المنسّقين، الأمير موريس شهاب، على إثراء المتحف بمجموعة من حوالى 1500 قطعة أثريّة ازدادت عدداً مع الحفريات التي أنجزت في الستينيات والسبعينيات من القرن الفائت، خصوصاً في جبيل وصور وصيدا وبعلبك وكامد اللوز في البقاع. وكشفت تلك المواقع عن ثروات غير متوقعة. من خلال 2500 أثر تاريخيّ، يختزل المتحف اليوم 6000 سنة من الحضارات المتعاقبة من عصور ما قبل التاريخ إلى العصر العثماني.
تجدر الإشارة أيضاً إلى الحفريات الحضرية في بيروت، التي كشفت عن مئات الأطنان من القطع الأثرية. بحسب الصحافي الراحل غسان تويني الذي كان عضواً في لجنة المتحف الوطني، فإنّ المؤسسة تحوي كنوزاً مخبأة أكثر من تلك المعروضة. والقطع التي أنقذت من الدمار عام 2008 تقدّر بألوف القطع وهي مخزّنة في مستودعات آمنة في بيروت.
اندلعت الحرب الأهلية في 13 نيسان (أبريل) 1975. وبحكم وجود المتحف على خط تماس يفصل بين جزءَي بيروت المتحاربين، فقد تحوّل إلى ملجأ للمقاتلين الذين ما كانوا يدركون قيمة الكنوز القابعة تحت أقدامهم وأهميتها. علماً أنّ موريس شهاب وفريقه أخفوا الأعمال الأثمن، والأهمّ من تماثيل ونواميس وفسيفساء تحت الصناديق الخرسانية المسلّحة التي يصعب نقلها. كما أغلقوا المدخل المؤدّي إلى الطبقة السفلية حيث يرقد 31 ناموساً استثنائياً (بعضها اكتشف في المقابر الفينيقية في منطقة عين الحلوة في صيدا، مثل «دكرمان» و«مغارة أبلون»). وبهذه الطريقة، حفظت تلك المجموعة الأكبر في العالم. وفي أيلول (سبتمبر) 1975، طلب موريس شهاب إلى زوجته أولغا وإلى إيلي عبود، إزالة جميع الأشياء الثمينة والمجوهرات والتماثيل والقطع النقدية التي كانت محفوظة في النوافذ.
يختزل 6000 سنة من الحضارات المتعاقبة من عصور ما قبل التاريخ إلى العصر العثماني

ووجدت المجموعة المودعة في صناديق مختومة بالشمع الأحمر ملجأً في خزائن مصرف لبنان. وكانت مبادرة تستحق الثناء، فالأضرار التي لحقت بالمبنى من قذائف المليشيات والقصف الإسرائيلي صيف 1982 كانت جسيمة. فوق ذلك، فاض منسوب المياه الجوفيّة تحت المبنى متسبّباً أيضاً في أضرار كبيرة نتيجة الترسبّات في طبقة المتحف السفلية. توالت في تلك المرحلة الخدمات والتقديمات والرعايات من أشخاص غيارى على المتحف الوطني، بينهم على سبيل المثال لا الحصر، الأميرة خولة أرسلان، موريس شهاب، سركيس خوري، سوزي حكيميان، آن ماري عفيش، فضلاً عن الرئيس الراحل الياس الهراوي وزوجته منى.
في 15 تموز (يوليو) 1998، أغلق المتحف أبوابه موقتاً لتنفيذ المرحلة الثانية من العمل التي تضمنت تركيب مصاعد لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، وتكييف الهواء، وعازل للصوت، والعزل المائي، والتعزيزات الأمنية، وإنشاء متجر المتحف وتحديث الطبقة الأولى. في تشرين الأول (أكتوبر) 1999، أعيد افتتاح المتحف للجمهور، معيداً التواصل مع ماضيه، وعارضاً آثاره التي لم يرها اللبنانيون منذ عام 1975.



مقبرة صور
بين عامَي 2010 و2011، أسهمت المديرية العامة للتعاون الإنمائي في وزارة الخارجية الإيطالية في ترميم مقبرة صور وهي تحفة فنية جنائزية رومانية من القرن الثاني الميلادي محفوظة منذ عام 1940 في قبو المتحف. واكتُشفت لوحات الهيبوجيوم عام 1938 في منطقة البرج الشمالي بالقرب من صور، ثم نُقلت وأُودعت في المتحف الوطني في حالة تآكل متقدمة.