بعد غياب ثلاث سنوات، يعود مهرجان «أيام بيروت السينمائية» (تنظيم «بيروت دي. سي») بدورته الـ 11 إلى عاصمة ما عاد أهلها يعرفونها: أزمات اقتصادية ومعيشية واجتماعية وسياسية، وتشظٍّ ثقافي وإبداعي. لعلّ التوقيت أكثر من صائب، فـ «عودة المهرجان اليوم، تحمل دلالات مرتبطة بمتابعة الفعل الثقافي، باحثاً عن خصوصية جدواه وسط الخراب السياسي والاقتصادي الذي تعيشه البلاد، كما هو مرتبط أكثر بالثيمات التي يطرحها» وفق ما تقول لنا ريهام عاصي، أحد أعضاء لجنة تنسيق المهرجان.عند سؤالها عن سبل تضمن استمرارية المهرجان، تجيب عاصي: «من الصعب ضمان الاستمرارية بشكل كامل ونحن نعيش في ظروف كهذه، لكن قد يكون الحل هو تعاونات طويلة الأمد مع مكوّنات ثقافية مستقلة أخرى، وهذا ما فعلته إدارة المهرجان، ما مكّن المهرجان من الخروج من مكان العرض الواحد، إذ ستُعرَض الأفلام في «سينما سيتي» و«دار النمر» في بيروت.

الافتتاح الليلة مع فيلم «فرحة» لدارين سلّام

كما سيُعاد عرضها في «اتجاهات» (مار مخايل)، و«إشبيلية» (صيدا)، والقبيات، وشبعا، والهرمل، وعربصاليم، والجيّة، وفي «مركز العمل للأمل» (بر الياس)». تؤكد لنا عاصي بأن الانتشار هدف أساسي من أهداف الدورة، وهذا دفعهم إلى إجراءات أخرى مثل الدخول المجاني، والبرمجة المتنوّعة ما بين العرض الحضوري وما بين منصة «أفلامنا» على الإنترنت (التابعة لـ «بيروت. دي سي) التي ستُعرض إلى 29 حزيران (يونيو)، الأفلام التالية: «لي قبور في هذه الأرض» لرين متري، و«بيني وبينك... بيروت» لديما الجندي، و«في هذا البيت» لأكرم زعتري، و«بِصِحَّة أمانينا» لربيع مروة، و«أبي ما زال شيوعياً» لأحمد غصين، و«زهر الليمون» لباميلا غنيمة، و«القطاع صفر» لنديم مشلاوي، و«تشويش» لفيروز سرحال، و«حروب صغيرة» و«حنين» للراحل مارون بغدادي.
أما العلاقة مع الأفلام الحضورية، فستحمل خصوصية ما بين موضوعَة الفيلم والمكان المعروض. تتميز برمجة المهرجان بحضور الكثير من الأفلام، هي الأولى في مسيرة مخرجيها، فيما تندرج عروض المهرجان ضمن ثلاث فئات: «فئة مدار بيروت DC»، وهي كناية عن أفلام تابعتها «بيروت. دي. سي» خلال مسيرة إنتاجها، إلى أن اكتملت وباتت تشارك في مهرجانات عالمية وتحصد جوائز. تضم هذه الفئة ثلاثة أفلام: «فرحة» للأردنية دارين ج. سلّام (راجع الصفحة المقابلة)، و«كابتن الزعتري» (16/6 ــ س:19:30 في «سينما سيتي») وهو الوثائقي الأول للمخرج المصري علي العربي عن مراهقيْن في مخيم الزعتري يحلمان أن يصبحا لاعبي كرة قدم محترفين. تنتهي هذه الفئة مع فيلم إيلي داغر «البحر أمامكم» (راجع الصفحة المقابلة).
الفئة الثانية تحمل اسم «أنا هويت» تضمّ أفلاماً تبحث في القضايا السياسية والاقتصادية المعاصرة في المنطقة العربية وانعكاساتها على ذات الإنسان العربي. تعرض هذه الفئة وثائقيّين: الأول لبناني فرنسي بعنوان «دردشة مع سيرو» للمخرجة ديمة الحرّ (17/6 ــ سينما سيتي)، يبحث في تاريخ لبنان وما يحمله من ملامح نسيان وتجليات موت، ولحظات سعيدة. الثاني هو الوثائقي السوري «حكايا بيتية» (12/6 ــ سينما سيتي) لنضال الدبس، الذي يسرد الرغبة الكبيرة بالعودة إلى البلاد عبر اكتشاف دار سينما في أحد شوارع القاهرة، فتكون المكان المناسب لسرد حكاية مليئة بالأمل واليأس والرغبة والموت وكل تجليات الحرب التي أجبرته على الخروج في البداية. تضم الفئة أيضاً ثلاثة أفلام روائية: «ريش» لعمر الزهيري و«الغريب» لأمير فخر الدين، و«النهر» لغسان سلهب (راجع الصفحة المقابلة).
الفئة الثالثة تحمل اسم «في هذا المكان» وتطرح ثيمة علاقة الأشخاص بالمكان، وكيفية التعامل مع الماضي من خلال البحث فيه عبر شرائط سينمائية، حتى الروائية منها تحولت إلى وثيقة عن المكان وعلاقتنا معه. وتتنوّع الأفلام القديمة والحديثة، والطويلة والقصيرة والمتوسطة والروائية والوثائقية والتجريبية. وعدا وثائقي «فلسطين الصغرى» لعبدالله الخطيب (راجع الكادر أدناه)، فإنّ كل الأفلام المشاركة لبنانية. تبدأ هذه الفئة مع فيلمَين للمخرج الراحل مارون بغدادي. أما الفيلم الجديد في هذه الفئة، فهو الوثائقي الخيالي «أخطبوط» (14/6 ـ س:19:30 ـ سينما سيتي) لكريم قاسم، الذي يصور انفجار مرفأ بيروت، لكن بطريقة ذاتية تجريبية، جعلته فيلماً صامتاً، حيث الكلام كله للمكان بمراحل تدميره وبؤسه وإعادة إعماره. كما يحضر الراحل برهان علوية من خلال «بيروت اللقاء» (1982). ومن الأفلام التجريبية المشاركة «يوم بلا غد» لمحمد سويد (راجع الصفحة المقابلة). وسيعاد عرض وثائقي «إعادة تدمير» (15/6 ـ س:19:30) لسيمون الهبر، الذي يصوّر بيروت التي استسلمت منذ نهاية الحرب الأهلية لسياسات إعادة تدمير لا إعادة إعمار.
أفلام تبحث في القضايا السياسية والاقتصادية المعاصرة وانعكاساتها على الإنسان العربي

يعرض المهرجان كذلك وثائقيَّين قصيرَين لمهدي فليفل (راجع الكادر)، وفيلماً قصيراً بعنوان «بِصحَّة أمانينا» (17/6 ـ س:19:30 ـ سينما سيتي) لربيع مروة. وضمن فئة «في هذا المكان»، تقام مسابقة للأفلام القصيرة تحت ثيمة «تعامل الأشخاص مع الفضاء». وخارج إطار المسابقة، ينظم المهرجان ليلة الأفلام القصيرة التي تتنوع ثيماتها وموضوعاتها.
إلى جانب العروض، يقام معرضٌ «في هذا المكان - شرائط لوسط بيروت» (إعداد المخرج هادي زكاك) الذي يُفتتَح «مركز مينا للصورة» (المرفأ) في 11 حزيران (يونيو)، يحملنا عبر الفيديو والصور إلى وسط بيروت من عام 1935 وحتى عام 1975، أي فترة ما قبل الحرب الأهلية. مرحلة غائبة عن الذاكرة الجمعية، لعلها ضرورية في رحلة بحثنا عن ذواتنا وعلاقتنا بمكاننا للتعامل مع ماضينا. وأخيراً، يَختتم المهرجان بحفلة لريما خشيش التي ستقدّم مختارات من الأغنية المصرية الكلاسيكية، التي أدّتها في السابق ممثلات ومغنّيات، مثل ليلى مراد وهدى سلطان وصباح وشادية وسعاد حسني، في أفلام موسيقية عُرضت بين عامي 1935 و1972.
بجولة سريعة على المهرجان، نلاحظ وجود ثيمة الحرب وآثارها في الأفلام المشاركة، التي تعطي صورة عامة عن الواقع العربي، خصوصاً اللبناني. صورة تبحث في خصوصية كل بلد وكل موضوعَة، لكنها تصل إلى مصير مشترك بالخراب!

* «أيام بيروت السينمائية»: بدءاً من اليوم حتى 19 حزيران (يونيو) ـــــ «سينما سيتي» (أسواق بيروت)، «دار النمر» (كليمنصو)، «مؤسسة اتجاهات – ثقافة مستقلة» (مار مخايل)، «مسرح وسينما إشبيلية» (صيدا)، والقبيات، وشبعا، والهرمل، وعربصاليم، والجيّة، و«مركز العمل للأمل» (بر الياس) beirutdc.org/ayam



معارض وندوات وعروض في «دار النمر»
بالشراكة مع «أيام بيروت»، تقدم «دار النمر» (كليمنصو) سلسلة عروض وحلقات النقاش ومعارض أبرزها معرض (11/6) يُضيء على المصوّر نبيل إسماعيل الذي مثّل أيضاً في فيلم «حروب صغيرة» للمخرج الراحل مارون بغدادي. يشمل المعرض صوراً التُقطت أثناء تصوير الفيلم (1981 و1982) وأخرى مأخوذة من أرشيف جريدة «السفير» تُغطي الحقبة نفسها، لتغطي مفترقات مفصلية في تاريخ بيروت ولبنان في بيروت.


وبالتوازي، يُعرض فيلم «حنين» لمارون بغدادي بشكل متواصل. وسيُتاح للجمهور مشاهدة فيلم الراحلة جوسلين صعب (الصورة) «رسالة إلى بيروت» (1978 ـــ 11/6 ــ س:19:30) الذي يُقدم مشهداً شاملاً للمجتمع اللبناني، ويُعيد النظر في تاريخ لبنان وعواقب الاحتلال، مظهراً يوميات الناس في زمن الحرب. يلي العَرض نقاشٌ مع الكاتب فواز طرابلسي والمخرج محمد سويد، اللذين يحلّلان عمل صعب التوثيقي خلال الحرب الأهلية. موعد آخر مع سينما الحرب عبر «بيروت اللقاء» (1982 ــــ 11/6 ـــ س:21:30) للراحل برهان علوية الذي صوّره أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، راسماً صورة حميمة للحياة اليومية في ظل الحرب من خلال قصة حبّ على شطرَي بيروت الشرقية والغربية. يُقام العرض بحضور كاتب السيناريو والباحث أحمد بيضون. أما يوم الاثنين 13 حزيران، فيشهد عرض فيلمَي مهدي فليفل القصيرين «عودة رجل» (2016) و«3 مخارج منطقية» (2020) بدءاً من السابعة والنصف مساء. فيلمان عن الحياة في مخيم عين الحلوة، وأفق العيش والحلم من خلال قصة رضا. يلي ذلك عودة إلى سينما الحرب اللبنانية من خلال «حروب صغيرة» (1982 ـــ س:21:30) لمارون بغدادي. يروي الفيلم حكاية الحرب اللبنانية عام 1975 من خلال ثلاث شخصيات. أما يوم الأربعاء 15 حزيران، فيُعرض «فلسطين الصغرى» (2021 ــ س:21:30) لعبد الله الخطيب عن مخيم اليرموك والحرب السورية. وأخيراً، تُختم الأنشطة في «دار النمر» بندوة تُقام يوم 18 حزيران بعنوان «كيف نمضي قدماً؟» (س:17:00). تهدف حلقة النقاش بحسب منظّميها إلى «الإضاءة على بعض المبادرات التي كان لها وقعٌ ملحوظٌ، ولكنّها عجزت عن الاستمرار بسبب عقبات مستعصية نجمت عن الغياب التامّ لأيّ شكل من أشكال المحاسبة الرسمية». يُشارك فيها كلٌّ من: المحامية نايلة جعجع، والمخرج غسان حلواني، والحقوقي غسان مخيبر، و«مفوضة الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين» قسراً جويس نصار.