المخيّم بمثابة تعبير عن قضيّة محورية في الغالب. لم يكن يوماً مجرّد مكان. لكنّ الأمر يبدو أكثر عمقاً في «مخيّم ضبية» (شمال بيروت). التجمّع الفلسطيني الذي يطلّ على البحر، يترك انطباعاً بأنه عبارة عن قرية سياحية ريفية بسيطة ووادعة، تتفرّد بنفسها بعيداً عن شكل المخيّمات المنكوب. هنا تتجسّد فعلاً مقولة محمود درويش: «عندما يبتسم المخيّم، تعبس المدن الكبيرة»! في هذا المكان الذي يترك في نفسك ألف سؤال وسؤال، تجمّع فلسطينيون بعد النكبة، فيما آمالهم متروكة في مهبّ رياح بلادهم الضائعة، لينسجم معظمهم مع المجتمع اللبناني. وهنا أيضاً تدور كاميرا المخرج السوري فادي وفائي لتصوير مسلسل «الحجرة» (14 حلقة ــــ كتابة زهير الملا وإيناس سعيد ــــ بطولة: محمد الأحمد، نور علي، عمار شلق، ريم خوري، حسان مراد... ـــ إنتاج «فالكون فيلمز»/ رائد سنّان). لكن هل يتقاطع المخيّم مع جوهر الحكاية الدرامية الذي يقدّمها؟ السؤال سيبقى معلّقاً لنجد إجابة شافية عليه من ضيوفنا. وُلد وفائي نجماً منذ أن جسّد سنة 1991 بطولة مسلسل الأطفال «المليونير الصغير» (كتابة عامر حسّون وإخراج مأمون البني ــــ تمثيل: خالد تاجا، رياض نحّاس، وفاء موصلي، أمانة والي وحسن عويتي، عبد الهادي الصبّاغ، يوسف حنّا، سليم كلّاس، وفاتن شاهين). ومن ثم تتالت عليه الأدوار في عشرات المسلسلات السورية، ليقف فجأة ويسأل نفسه: لماذا يجب أن يعرفني الناس في الشارع؟ المشروع كان في مطرح آخر، ذا علاقة بصناعة الضوء من دون التنعّم بسطوعه. هكذا، قرر العمل كمخرج منفّذ كانت تتسابق عليه شركات الإنتاج السورية، لأنه يعرف كيف يكون متقدماً خطوةً عن البقية. لو قلنا بأن الرجل سيتخطى غالبية المخرجين السوريين وسينافس كبار المخرجين العرب، لن نبالغ في ذلك. الأمر تراكمي ذو علاقة بسنوات طويلة من التروّي، والمثابرة، والاجتهاد، والمشاهدات والتعلّم، والقراءات، حتى أزفت لحظة اقتناص الفرصة. في موقع تصوير «الحجرة»، ليس هناك ألقاب أو تفرّد في القرار، بل سلوك يعبرّ بشكل مثالي عن قاعدة تُفيد بأن المشورة تُغني الفكرة.

يلعب النجم محمد الأحمد دوراً مختلفاً عن كل مسيرته المهنية

كلّ لقطة يمكن التباحث فيها سريعاً مع فريق الإخراج، ومدير الإضاءة، والتصوير قبل إنجازها. يقول فادي وفائي لنا بأنه «لا يمكن لفنّ أن يُصنع من وجهة نظر واحدة، طالما أن المشروع جماعي، فهو كذلك أيضاً على مستوى التعاون في المهام وتدوير الأفكار. أما عن الألقاب والرسميّات، فهي أبعد ما يجب أن تكون عن الحالة الحيوية والفنية الصادقة». وعن فكرة المسلسل، يقول: «عندما قررنا التعاون مع الشركة المنتجة في هذا النوع الدرامي النفسي إذا صحّ التعبير، ارتأينا أن نبدأ مع الكاتبَين والشغل على النص بمنطق الورشة منذ المشهد الأوّل حتى نهاية الحكاية، ووضع لمسة متفق عليها من قبل الجميع، سواء كاتبَي النص أو المخرج أو حتى الجهة الإنتاجية. لم نذهب باتجاه مسلسل مشترك إنما نقدّم عملاً لبنانياً تدور أحداثه هنا، ويلعب بطولته ممثل سوري. إن كان يحتاج ذلك إلى تبرير، فإنه سيصل إلى المشاهد من خلال تتالي الأحداث وتقديم المقترحات الحكائية المتعاقبة على العمل». وحول تخوّف كل من يعرف هذا المخرج السوري عن احتمال صعوبة تلقّف الفكرة ومجافاتها للحالة الشعبية المطلوبة في التلفزيون، يقول: «في كل الأحوال، العمل يُصنع لمنصة وسينتقيه جمهور معيّن، ولو غيّرت في منطق صناعة الكادر نوعاً ما بما يتفق مع خصوصية اللقطة وخدمتها للحالة الدرامية كوننا نتحدث عن شخصية معطوبة نفسياً. لكن أعتقد بأن الجمهور غير معني بالشقّ التقني، بقدر ما يهمه الانسجام مع الحكاية ومحاكاة شخصياتها. دعني أقول لك سراً إنني وضعت مجموعة أشخاص في ذهني وأنا أعمل بغية تحقيق رضاهم. في حال نال العمل إعجابهم، سيكون كافياً لأنه قطعاً ساعتها سيُعجب الجمهور».
المسلسل، الذي يعدّ دراما تشويقية حول فكرة الانتقام، يقدّم شخصيّة طبيب أسنان يتعرّض لملمّة كبيرة تجعله يلوذ بما كان يفعله، وهو صغير، غير مدرك بأنّ ذلك عبارة عن مرض خطير. يبدأ بتقصّي الحقائق لتنفرط سبحة أحداث خطيرة يكشفها بمنطق اللعب الذي يوازي فكرة الأداء التمثيلي. الممثل السوري يلعب بأدائه، والشخصية تلعب من دون أن تدرك ذلك في رحلة بحثها المحموم عن الأحداث المتوارية خلف شخصيات شريرة، أو أنها تورّطت من دون أن تقصد في فعل شرير.
يتألّف مسلسل «الحجرة» من 14 حلقة وسيعرض على إحدى المنصّات العربية


يلعب النجم محمد الأحمد دوراً مختلفاً عن كل مسيرته المهنية. ربما يكون قد حصد اختلافاً ملفتاً في تجاربه السينمائية. مع ذلك، يجد هنا نفسه أمام تحدٍّ صريح، ومغامرة لا تقبل القسمة على اثنين، خصوصاً أنه سيلعب شخصيتين بطريقة جديدة لم يسبق أن شاهدنا مثيلاً لها في الدراما العربية. كيف تشجَّع على العمل مع مخرج جديد في تجربة مماثلة؟ يجيبنا بالقول: «أولاً أعترض على تصنيف فادي وفائي كمخرج جديد، لأنه ابن مهنة التمثيل منذ أن ولد، وقد عمل مخرجاً منفذاً مع كبار المخرجين السوريين وفي أهم التجارب. لذا يمكن القول بأنّه نال فرصته على مهل بعدما اختمرت إمكاناته، وهذا يشجّعني شخصياً على العمل معه وتحت إدارته». ويضيف نجم «عروس بيروت»: «منذ أن قرأت النص، عقدت جلسات عمل مكثفة مع المخرج وسمعت منه شرحاً وافياً عن الطريقة التي يريد أن يشتغل بها. كان كلّ شيء واضحاً بالنسبة إليه على المستوى البصري والبنية الفكرية والصياغة الدرامية. لذا سلّمته نفسي بالمطلق ولم أعد أتدخّل. أتابع قليلاً النتائج وأشعر بتفاؤل صريح، وأنتظر بأمانة عرض التجربة بشغف عال، لأنها خاصة ومختلفة تملك مقومات عمل المنصّات». من جانب آخر، يعتقد النجم السوري بأن التجربة تطلّبت منه تعباً وجهداً كبيرين، خصوصاً لجهة الشغل الجواني واللعب على العمق النفسي والهدوء والاتزان وعدم الاتكاء على الأداء الخارجي. وغالباً ما ينتظر القائمون على العمل أن يبذل الجمهور جهداً ويركّز في الحلقة الأولى، ثم ينسجم مع اللعبة حتى نهايتها.