يحتفل «دار ــ المجمّع الإبداعي» بعيده السابع في أيلول (سبتمبر) المقبل بعد عام حافل قدّم فيه كتباً عديدة كناية عن روايات ومجموعاتٍ قصصية. شهد هذا العام أيضاً «مشاركة «دار» الرسمية الأولى في «معرض بيروت للكتاب» حيث حققنا مبيعات جيّدة؛ فضلاً عن استقبال جيلنا السادس واستعدادنا لاستقبال المجموعتين الثانية والثالثة منه» تخبرنا مديرة «دار» تهاني نصّار. هذه المبادرة الثقافية القائمة ــ حتى اللحظة كما يشير أصحابها ـــ على ورشة الكتابة الإبداعية التي استقبلت ستّة أجيال حتى اليوم، تسعى إلى تطوير نفسها لتصبح ركناً أساسياً في «صناعة الثقافة»، فـ «التجارب الثقافية الأولى التي بنت الثقافة في بلادنا، لا تختلف عن تجربة «دار». نسعى لبناء ثقافة حقيقية، وهذا يجعلنا نحارب بأيدينا وأسناننا يومياً» يقول الزميل عبد الرحمن جاسم، مدرّب الكتابة الرئيسي في «دار».

إذاً، كانت سنة مختلفة بالنسبة لهذا المشروع المقام في ضاحية بيروت الجنوبية، وتحديداً في «شارع السيد عباس الموسوي». تقول تهاني نصّار المحاضرة الجامعية في مادة فنون التواصل: «لقد أنتجنا هذا العام «بريتيوم» (كلمة لاتينية تعني «الثمن») الرواية الأولى في العالم العربي التي أنجزها خمسة كتّاب أو رواة، دفعةً واحدة». بريتيوم روايةٌ تقع في 500 صفحةٍ (من القطع المتوسط) كتبها: حسين شكر، بشرى زهوة، نور يونس، محمد الصغير، وجيهان حمّود. وهي «درّة التاج» في «دار»، إذ يقول جاسم إنّ الرواية باعت في «معرض بيروت للكتاب» قرابة 145 نسخة، وهذا رقمٌ كبيرٌ نسبياً لرواية هي العمل الروائي الأول لكتّابها. ويوضح: ««إنها قصة thriller حيث الجميع «أشرار» و«طيبون» في آن. مزجٌ حقيقي بين الخير والشر حيث يقع القارئ أمام مشكلة كبيرة، فهل يغفر للأبطال الخمسة خطاياهم أم يحاكمهم، وبالتالي يحاكم نفسه؟». لكن هل هناك تأثر بالمسلسل الكوري الجنوبي الشهير squid game الذي اجتاح العالم بأسره؛ خصوصاً أن القصتان فيهما شيءٌ من التشابه؟ تجيبنا نصّار بابتسامة: «للحقيقة، لقد ظلمنا بهذا التشبيه لكنه يفيد في الوقت نفسه. لقد كُتبت روايتنا قبل عام من إطلاق المسلسل الكوري، ولدينا إثبات على ذلك، وقد كنا فعلياً في المراحل الأخيرة من «التصحيحات» حين عرُض المسلسل. صحيح أنّ هناك تشابهاً في بعض التفاصيل، وإذا أحب أحدٌ من الكتّاب أو القرّاء أو حتى النقّاد مقارنة العملين، فهذا لا يضايقنا. لكن أحب أن أخبرك بنظرية فنية وثقافية جميلة هي: «الطريق إلى المنزل أجمل من المنزل». طريقة كتّاب بريتيوم الخاصة ببيئتنا، تجعلها مميّزة للغاية ولا يمكن أن تتشابه مع أي عمل فني آخر».
ماذا عن إنتاجاتكم الأخرى؟ أليس التركيز على عملٍ واحد يخفف الضوء عن غيره من الأعمال؟ «إنها بالتأكيد فخرنا لهذا العام، لكن هذا لا يعني أنّنا أقل فخراً ببقية إنتاجاتنا؛ ثم إنّ متدربينا يعرفون أهمّية «بريتيوم» بالنسبة لنا ولهم، فنجاحها ــ وإن لم يشاركوا في كتابتها ـــ هو نجاحٌ لهم. هذا العام، لدينا مثلاً «بيروت اكس أو» التي نعيد من خلالها رسم المدينة، ونطرح فيها أسئلتنا حول الانتماء لهذه المدينة التي تجرحنا ونحبها». «بيروت أكس أو» هي العمل الروائي المشترك لخريجتَي الجيل الثالث من ورشة الكتابة الإبداعية وسام رحّال وفاطمة شاهين، اللتين قدّمتا شخصيتي بطلتَين تصارعان للاندماج في بيروت بطريقةٍ خاصة بهما. «ينبغي كذلك الحديث عن تجربة الخماسيات «خمسة وثلاثون صباحاً وأنتظر». فالخماسيات فنٌ قصصي قديم، أعاد «دار» تقديمها من جديد عبر خريجتَي الجيل الثالث: مريم علي وآلاء شمس الدين. والفكرة أن كل خمس قصص تحمل ثيمة أو فكرة معينة. بذلت آلاء ومريم الكثير في هذه المجموعة. لقد قدمتا لنا أحلامنا وأوجاعنا على طبقٍ من ذهب. لقد كان العمل شاقاً في هاتين المجموعتين. أخرجت الكاتبتان الكثير من داخلهما في خماسيات تشابه حياتنا اليومية، وهذا ما يجعل هذه القصص كأنها القارئ في تفاصيله اليومية» تعلّق نصّار. ماذا عن أكثر عنوانٍ ملفت بخلاف «بريتيوم»؟ لدى المجمّع الإبداعي هذا العام مجموعة قصصية بعنوان «اختلاج». يقول جاسم: «الاختلاج هو الاضطراب والانقباض الذي يعتري مشاعرنا الداخلية وتفاصيلنا الخاصة قبل أي شعور. من هنا كانت هذه التسمية لعملٍ شعرنا بأنّه هكذا. إنه اختلاج مشاعرٍ قبل أي شيء». كتبت هذا العمل سارة حمزة، هلا ضاهر، غدير تقي، ودانيا نجّار، وجميعهن من الجيل الثالث في الورشة. هذا العمل القصصي يخفي في طياته جوهرة: الرواية القصيرة «لاءات حبيبة» التي كتبتها سارة حمزة. «لقد كتب الأديب الياباني ياسوناري كواباتا روايته «الجميلات النائمات» بهذه الطريقة، وكتب إحسان عبد القدوس عدداً من رواياته بهذا الشكل مثل رواية «أبي فوق الشجرة» التي تحوّلت فيلماً بعد ذلك. هذا الفن موجود، فأحببنا إعادته إلى الواجهة، وقد وفقنا هذا العام مع سارة» يقول جاسم. ماذا عن القصص القصيرة «الكلاسيكية، خصوصاً أنَّ «دار-المجمع الإبداعي» يشتهر بهذا النوع من النصوص وكان سبق قد قدّمها في السنوات السابقة مع كتابي: «أنا أسكن ضاحية بيروت الجنوبية» و«دافنشي لا يجيد الكتابة»؟ يجيبنا جاسم: «بالتأكيد، سيكون هناك دوماً متسعٌ للقصص القصيرة لخريجي ورشة الكتابة. لدينا هذا العام كتابَان يقدمان قصصاً «كلاسيكية» قصيرة إذا أحببتَ أن تسميها هكذا: «قلوب من ورق» لكتّابه: علي نجم، زهراء سويدان، فاطمة الزهراء عمّار، سُهى شحادي، ألكسندرا الخطيب، منى داوود، أليسار حمدان، رجاء وهبي، آلاء السبلاني، فاطمة حيدر، و«ذاكرة ملّونة» لكتّابه: زينب رضا، راغدة حمية، مايا نور الدين، فاديه لوباني، نجوى دعجة، فرح رمّال، نسرين الرجب، سارة الشامي وهبة الحسيني. الكتابان عبارة عن مجموعتَين قصصيتَين كتبتهما مجموعات من خرّيجي الجيل الرابع في الدار».
ماذا إذاً عن «العمل المجهول» الذي لا يعرفه معظم القرّاء؟ هنا تشرح نصّار: «طبعاً هذه التجربة كما مثيلاتها قد أخذت قرابة العامين من العمل الدؤوب أولاً من الكتّاب؛ وثانياً من «مجموعة نون» المسؤولة عن إعداد الكتب في «دار»». وعن مفهوم العمل على الرواية كي «تنضج»، تخبرنا مديرة «دار»: «نعم، الرواية –أو أي كتاب- يسلّمها صنّاعها بشكّلها الأوّلي بعد انتهائهم منها، ثم لاحقاً تتم قراءتها، ومراجعتها معهم سطراً سطراً، ثم يصار إلى التنبّه إلى النواقص وتفاصيلها، بعدها يعاد إرجاعها لكتّابها لكي يعيدوا قراءتها. لاحقاً يتم ارسال الكتاب/النص إلى مدقّق لغوي محترف، يصحّحه ويعيده إلينا، لنقرأه نحن والكتّاب أنفسهم، حتى نتأكّد أنّ النص قد صُحّح وأنّ فكرته الأصلية لم تُمَس. يتبع ذلك العمل التقني وهو يحتاج وقتاً هائلاً هو الآخر». تشرح نصّار أنَّ العمل التقني ينقسم أيضاً إلى قسمين رئيسيين: «العمل داخل الكتاب، أي المضمون ومتابعته حتى آخر لحظة واختيار عنوان مناسب وسواها، أما الخارجي، فبمعنى التنضيد (in design) وصناعة الغلاف واختيار نوع الورق وحجم الكتاب، فضلاً عن المتابعة مع المطبعة، وهذه الخطوات هي تقريباً حدثت في الكتب الستّة وليس في «بريتيوم» فحسب».
اللافت في الكتب الصادرة هذا العام هو الجهد الكبير المبذول في صناعة الأغلفة بحرفةٍ عالية من أستاذ الغرافيكس عصام خازم، «إنه فقيه خط، وليس مجرّد مصمم للأغلفة أو أستاذ غرافيكس. يكفي النظر إلى غلاف «بريتيوم» الذي اخترع خطاً خاصاً بنا لأجله، أو راقبوا عمله في «بيروت أكس أو»، التعقيد والبساطة في آن» يؤكد جاسم.
ماذا عن المستقبل؟ يخبرنا جاسم: «لدينا أكثر من 108 أشخاص سجّلوا في معرض الكتاب أنهم مهتمون بورشة الكتابة الإبداعية، وهذا يسعدنا. نحضّر أيضاً لإطلاق ستة كتب أخرى قبل نهاية العام، وهذا يعني ما محصلته 12 كتاباً في عامٍ واحد. نحن مكملون، فهذا الدرب مهما كان صعباً هو الطريق الذي اخترناه. إنه أسلوبنا في مقاومة الجهل والتخلّف والتسطيح السائد حولنا. لذلك لا حلّ أمامنا سوى المقاومة بهذه الطريقة».


No Ngo
حين نسألهما عن التمويل، يرفض الثنائي تهاني نصّار وعبد الرحمن جاسم بشكلٍ قاطع تحويل مشروعهما إلى NGO أو تمويله من قبل أي دولة، أو جهةٍ. «حين يأتي المموّل، تأتي معه الطلبات، ولو بعد حين» تقول نصّار. يضيف جاسم: «الـNGO’s أسوأ بكثير، لقد سميتها في أحد مقالاتي بـ «بيوت للشرّ». إنها تنفّذ أجندة خارجية دائماً، وفق رغبة الممول؛ فتصبح الموضوعات غب الطلب: إذا أرادها نسوية، تصبح جميع التوجهات نسوية وهكذا دواليك». تختم نصّار: «لن نسمح لأحد بأن يستغل مشاركينا ومتدربينا أو حتى التوجهات العامة التي نؤمن بها. صحيحٌ أن كتّابنا أحرارٌ في كتابة ما يريدون لكنها في النهاية جزءٌ من هذا المجتمع، ولا نسكن برجاً عاجياً، نعيش بين الناس ونتحدّث بلغتهم، وهذا هو الأدب وهذه هي الثقافة».