كثيرة هي الأعمال الفنية التي تتناول الظلم المجتمعي، وخصوصاً الظلم التي تواجهه المرأة في مجتمعنا العربي، بدءاً من الأحكام المسبقة، والأعراف والتقاليد التي تضعها في قالب يوافق معايير المجتمع القديمة. لكن كثرة هذه الأعمال الفنية قد تنتج معها صناعة غير جيدة، ستؤثر على جدية الموضوع، وعلى آلية الوعي المفترض أن تنتجه هذه الأعمال. الأسبوع الماضي، عُرضت مسرحية «انطفت» (كتابة نور رجب ــ إخراج رين صعب) التي تتناول الظلم المجتمعي الموجّه ضد المرأة بعد وفاة زوجها، من خلال حكاية «المكينسيانة» صلاح، التي تواجه اتهامات بأنها قتلت زوجها.

المسرحية التي قُدِّمت على خشبة «دوار الشمس»، تبدأ بمشهد العزاء، حين نكتشف أن الزوج يوسف قضى خلال احتراق غرفة النوم، وزوجته صلاح نجت بأعجوبة. نتعرف من خلال مشهد العزاء على باقي الشخصيات: سعاد، ابنة يوسف وصلاح الغبية، وهارون محدث النعمة في الحي، ونهلة فتاة الليل، والراهب الذي يتحوّل إلى قاض مع تطور الأحداث.
تبدأ العقدة عندما يبدأ الراهب بتقريع صلاح لأنه لا يبدو عليها الحزن والقهر، لننتقل بعدها فوراً إلى مشهد المحكمة التي تحدث في المنزل، ويتحوّل الراهب إلى قاض، ويبدأ بتوجيه اتهامات لصلاح بقتل زوجها. ضمن تطور الأحداث الكوميدي، توكل صلاح جاريها هارون ونهلة للدفاع عنها. يبدأ بعدها مشهد طويل للمحاكمة، يظهر من خلاله ماضي صلاح الفقير، إذ كانت تعمل «كمكنسيانة» (حسب تعبيرها)، وتسرد كيف وقعت في حب يوسف. يتبين لنا أيضاً أنّ يوسف كان يحتال مع صلاح على أهالي الحي من خلال «تمثال القديسة شيلا» وصندوق التبرعات الذي كانت تذهب كل عائداته إليهما. تتزايد التهم الموجهة ضدّ صلاح بعد كشف هذه الحقائق، وخصوصاً حقيقة خيانة يوسف لصلاح مع الجارة نهلة. لكنّ صلاح تنهض للدفاع عن نفسها، بمنطق أن الفقر هو ما دفعها لخلق أسطورة شيلا، التي تم تصديقها لأن الناس يحبون الوهم. كما أثبتت أنها تحب زوجها ولا يمكن لها أن تقتله، ليقتنع القاضي ويبرّئها، ولكنها تعترف في النهاية وهي وحدها على المسرح بأنها هي التي قتلته وأحرقته، لأنه كان يخونها، وهو من أحرقها نفسياً قبل أن تحرقه هي. تتنوع مواضيع المسرحية، من نقد القضاء والطبقة الحاكمة، والمجتمع الطبقي، وأحكام المجتمع على المرأة، إذ يؤطّر مفاهيم الخير والشر والإيمان والكفر، حسب مصلحته الشخصية.
كوميديا مبتذلة والمشاهد الجادة غير صادقة


ولكن نص المسرحية كان خالياً من المنطق، يسعى إلى الرمز بشكل مباشر، عبر زج مشهد المحكمة، لكن بدون خلق منطق لعالم المسرحية أو لظروف علاقة الشخصيات ببعضها، وعلاقتها بالحدث، ما خلق إرباكاً كبيراً في تلقّي الأحداث، كما كانت الحوارات مبنية على كيفية إظهار النكتة أكثر من توضيح الفكرة أو خلق منطق خاص بعالم المسرحية. وهذا ما سبّب نمطية في طرح الشخصيات ومبالغة غير مبررة في الأداء، وهوّة كبيرة في الانتقال من المشاهد الكوميدية إلى المشاهد التراجيدية. وجاء الإخراج ليزيد الأمور إرباكاً، فقد سقط إيقاع العرض في منتصفه تقريباً، ووقع في فخ التطويل، ما جعل الكوميديا مبتذلة والمشاهد الجادة غير صادقة.
لكن الأهم من ذلك هو فكرة المسرحية، فقد تم طرح شخصية صلاح على أنها مظلومة، عاشت قسوة كبيرة في الحياة، وخصوصاً من شريكها الذي كان يخونها، لكن هل هذا يبرر القتل؟ طرح مظلومية الشخصية عبر مفاهيم كبيرة مثل الأحكام المسبقة والظلم الوجودي والمجتمعي وحتى الشخصي، هل يبرّر القتل؟
يُعاني العرض من إشكالية فنية وإشكالية مفاهيمية لها علاقة بشرعية القتل، وماذا قد يفعل الظلم أو الخيانة، وما مساحة تبرير الأفعال الشريرة مثل السرقة والاحتيال والقتل في ظروف الفقر والظلم والعنف النفسي التي تتعرض لها المرأة اليوم، وهذه الإشكاليات تسبّب إرباكاً سلبياً في تلقّي العرض، وموضوعه الحسّاس أساساً في مجتمعنا.