«كلن يعني كلن». شعار خرج من أفواه متظاهري «17 تشرين» (2019)، وما فتئ يجول في الشاشات المهيمنة (الجديد، mtv وlbci)، قبل أن يُختزل بأحزاب محددة اصطُلح على تسميتها بقوى «8 آذار». منذ تفجير المرفأ (2020) ووقوع البلاد في أزمات اقتصادية خانقة، دأبت القنوات المذكورة على تحميل «حزب الله» و«التيار الوطني الحر»، المسؤولية عبر لعبة إعلامية انتقائية واستنسابية. في البرامج السياسية وحتى الترفيهية، ارتكزت السياسة الإعلامية على أبلسة هذين الفريقين في مقابل إعفاء باقي الأحزاب من مسؤوليتها في ما وصلت إليه البلاد من انهيار. استكملت هذه الماكينة عملها لغاية دخولنا زمن الانتخابات، وتحديداً مرحلة تسجيل المغتربين المنتشرين أسماءهم تحضيراً للاقتراع. في هذه المرحلة التي مضى عليها خمسة أشهر تقريباً، احتفت القنوات بالأرقام العالية للمسجّلين، عازيةً الحماسة إلى رغبة هؤلاء بـ«التغيير» والإسهام في إجراء «الإصلاح المأمول». بعدها، دشّنت مرحلة إطلاق مصطلحات «التغيير» وقوى «المعارضة» مقابل عزل بعض أحزاب السلطة ونعتها بـ«المنظومة»، أي الأطراف المسؤولة عن تجويع اللبنانيين. من هنا، بدأت مرحلة جديدة، صاغتها هذه القنوات، وعملت على النفخ في هذه الوجوه التي تعد نفسها منبثقةً من «17 تشرين»، وعلى عدم تفكيك مشروعها السياسي، بل إخفاء اختلاف رؤاها السياسية والاقتصادية تجاه البلاد، ووضعها في سلة واحدة، رغم جنوحها صوب حصد الأصوات الانتخابية وتصارعها وتشرذمها في هذا المجال.

هكذا، مع بدء العدّ العكسي للانتخابات النيابية، عادت هذه المشهدية الانتقائية إلى الشاشات، مع تفريخ البرامج الخاصة بالانتخابات، ودخول الإعلام المحلي رسمياً هذه المرحلة، التي يكثر فيها الظهور الإعلامي للمرشحين، والترويج لبرامجهم ولوائحهم الانتخابية. بحسبة بسيطة لغالبية هذه البرامج التي غزت القنوات، سيّما في الأسابيع الماضية، يتضح الخلل في التغطية وتكافؤ الفرص بين المرشحين. شرط ينص عليه قانون الإعلام الانتخابي في كل الأحوال. الناظر إلى المشهدية الإعلامية الحالية، يلحظ حتماً هذا الخلل الفاضح، وتغييب الأصوات الأخرى المرشحة للانتخابات. نتحدث هنا عن «التيار الوطني الحر»، و«حركة أمل»، و«المردة»، و«الحزب السوري القومي الاجتماعي»، وغيرها من الأحزاب التي تندرج ضمن ما عُرف سابقاً بقوى «8 آذار». تغييب هذه الأطراف، قابله ضخّ هائل في وجوه «التغييريين»، الذين انضمت اليهم أحزاب أخرى، اشتغل هذا الإعلام على تحييدهم عن قوى السلطة كـ «الكتائب»، و«القوات»، و«الاشتراكي». وجوه ما فتئت تملأ الشاشات، وحتى كررت ظهورها على القناة ذاتها في برامج مختلفة وفي أوقات متقاربة، مقابل تغييب باقي المرشحين وإخفات أصواتهم. مثلاً، فـ lbci التي هيمنت على المشهد الإعلامي الانتخابي، أطلقت سلسلة برامج انتخابية دفعةً واحدةً: Elections 2022، و«حوار المرحلة»، و«نص المزح جدّ»، و«راس براس»، و«ورطة»، مع استكمال «نهاركم سعيد» حلقاته وتخصيص معظمها للشق الانتخابي والترويجي، ومواكبة «عشرين 30» الانتخابات النيابية، بهدف «إبراز الخيارات السياسية الواضحة»، و«تمكين الديمقراطية والمحاسبة» على حد تعبير مقدّمه ألبير كوستانيان. «عجقة» برامج انتخابية على lbci، أفضت في النهاية إلى تكريس مشهدية منحازة إلى ما يسمى بـ «قوى التغيير»، مع خرق بسيط سجّله برنامج «سؤال انتخابي»، الذي استضاف النائب آلان عون في إحدى حلقاته، والنائب السابق إميل رحمة، من أصل 13حلقة عُرضت لغاية اليوم. الملاحظ أن lbci فتحت موقعها الإلكتروني للمشاهدة، بعدما كان ذلك مقروناً بالدفع المسبق.
خلل في التغطية وتكافؤ الفرص بين المرشّحين

هكذا، بات سهلاً على كل متصفّح دخول الموقع واختيار الحلقة التي تجرّه إلى يوتيوب، ومتابعة الحلقات مجاناً! على mtv، التي بدأت باكراً مواكبة الانتخابات، تظهّرت أكثر الهوّة بين المرشحين في برامجها الانتخابية التي سخّرتها للترويج، إلى جانب إقحام الشأن الانتخابي الدعائي في برامجها الفنية والترفيهية («حديث البلد» و«فورتي»). مع انطلاق «برنامجك» الذي يقوم على استضافة مرشحين اثنين وتخصيص مساحة للإعلان عن برامجهما الانتخابية، ووصول العدد اليوم إلى 58 ضيفاً، بدا جلياً تغييب أي وجه من باقي أحزاب «8 آذار»، لصالح وجوه تصنّف نفسها على أنها معارضة، ولا ضير هنا من إدخال مرشحين من «القوات»، و«الكتائب» وتقديمهم في الكادر عينه! تكرّ السبحة إلى باقي البرامج من ضمنها «بيروت اليوم» الذي يُبث في فترة الظهيرة. والملاحظ هنا، تكرار الوجوه على منبر هذا البرنامج، وعلى «برنامجك». مثلاً، ظهرت المرشحة ماغي عون على «بيروت اليوم»، بعدما حلّت قبلاً على «برنامجك». كذلك حلّ المرشح شادي فياض ضيفاً على «برنامجك»، وعلى «بيروت اليوم» بفارق أيام فصلت بين المقابلتين. أما «الجديد»، فقد دارت في فلك زميلاتها، وكرّست هذا الخلل في تكافؤ الفرص بين المرشحين. كان واضحاً في برامجها الخاصة بالانتخابات («ع البرنامج)» أو السياسية («وهلق شو؟») وحتى الفنية («فتنا بالحيط»)، تغييب شرائح سياسية وازنة، لصالح الترويج لوجوه «المجتمع المدني»، وقوى «17 تشرين»، وإطلاق «النفس» المعارض للسلطة. باختصار، لم تعد مُربحة لعبة السلطة بالنسبة إلى هذه القنوات، التي لطالما ارتمت في أحضانها (وما زالت)، خصوصاً مع كمّ المقابلات المدفوعة التي تتصدّر الشاشات، وقد وصلت دقيقتها إلى ما يناهز 1000 دولار وفق التقرير الأخير لمؤسسة «مهارات» و«اليونيسكو». تغطية انتخابية اتسمت بالانحياز ومحاولة التأثير في الناخب، بدل تقديم خيارات متنوّعة ووجوه لها الحق في الظهور الإعلامي والمشاركة والتعبير.