بعد شبه عزوف للفضائيات عن المسلسلات التاريخية في السنوات الأخيرة، أعلنت مع بدايات شهر رمضان عن «فتح الأندلس» للمخرج الكويتي محمد سامي العنزي على أنه عودة قوية لتلك النوعية إلى الشاشات، إذ تعرضه أكثر من ستّ محطات منها «الكويت» و«قطر» و«الظفرة». تم الترويج للمسلسل على أنّه يقدّم دروساً في الشجاعة والتضحية والإخلاص، وقيم التسامح والتعايش التي كانت ضمن أولويات الفتوحات الإسلامية. إلا أنّه أتى عكس ذلك، بل بدا ككتاب تاريخ للطلبة الصغار يُخبرهم بأمجاد المسلمين في مقابل التركيز على المؤامرات والدسائس التي كانت تتحكم ببلاط ملوك طليطلة. قبل عرضه، أثار المسلسل جدلاً واسعاً وحملات اعتراضية كبيرة، خاصة في دول المغرب العربي. اعتراضات تمحورت حول أصول هوية طارق بن زياد، وتصوير المغرب على أنه مجرد طريق جغرافية لجيوش المشرق الأموية، وتقديم الشخصيات المغربية بشكل مهين وساذج كأتباع لموسى بن نصير ومعاونيه من المشرق، وتصويرهم بأنهم لا يملكون إرادة في تقرير مصير البلاد إلا بتخطيط وأوامر من هؤلاء. حملات الدعوات لمقاطعة المسلسل تزداد يومياً، أكان عبر مواقع التواصل أو المحاكم. وآخرها الدعوى التي أجّلتها المحكمة الابتدائية في الرباط حول المطالبة بإيقاف بث المسلسل عبر القناة المغربية الأولى بسبب وجود «مغالطات تاريخية من شأن الاستمرار في نشرها التشويش على قناعات المغاربة تجاه تاريخهم، ومنها أنّ الشعب المغربي يعتبر سبتة مدينة مغربية، في حين أن المسلسل يسوّق معطيات تاريخية خاطئة حول هذه النقطة من خلال تحريف هوية وانتماء حاكم هذه المدينة، عبر جعل جنسيته قوطية إسبانية».


بعيداً عن الجدالات التاريخية، يمكن وصف «فتح الأندلس» بالنكبة على الأعمال التاريخية العربية. ما شاهدناه مع انقضاء الثلث الأول من المسلسل، ليس بدراما ولا توثيق. هذا مسلسل «مهلهل» من النواحي كافة، يعاني من برودة مطلقة في الحدث الدرامي. بناء الشخصيات أتى كارثياً، فالشخصيات الإسلامية صُوِرت في المسلسل كملائكة، لا تقترف خطأ ولا معصية، هدفها العدل لا الحكم. لا صراع سلطات ولا نفوذ ولا دسائس، فالمثالية مطلقة إلى درجة منفرة، في مقابل الوحشية في الجانب الآخر. بناء كاريكاتوري لشخصيات ذات وزن وحضور تاريخي. أما اللمسات الإخراجية المتقنة، فغائبة عن المسلسل. مشاهد مكررة داخل الغرف المغلقة، إدارة الممثلين في أسوأ حالاتها، لم نجد شخصية واحدة متوهجة قد تنقذ ماء وجه العمل، حتى الممثل رفيق علي أحمد بدور موسى بن نصير لم يدخل إلى أعماق الشخصية، والممثل سهيل جباعي بدور طارق بن زياد لم يتعدّ تمثيله حدود نطق الكلمات وسط غياب مطلق للانفعالات والمشاعر، وعاكف نجم بدور أبو بصير لم يغيّر نبرة صوته طوال الحلقات. رتابة مخيفة في الأداء، ولعلّ الممثل تيسير ادريس بدور الملك لوذريق، كان أفضل الأسوأ في هذا المجال، وكذلك الأمر مع بيار داغر بدور «جوليان».
التزم المسلسل التزاماً مطلقاً بالنص التاريخي الذي نال موافقة الأزهر قبل بدء التصوير


الأمور التقنية في المسلسل لم تنج كذلك من الأخطاء. أعمال الغرافيكس ظهرت بطريقة بدائية، فغابت الجموع المتعاركة، واختفت مشاهد الحصون والقلاع، وظهرت المواعظ والحكم والنصائح ليصبح المشاهد كأنه أمام درس ديني تاريخي لا أمام متعة ترفيهية مفترضة.
مشكلة أخرى عاناها العمل، تمثّلت في التزامه التزاماً مطلقاً بالنص التاريخي الذي نال موافقة الأزهر قبل بدء التصوير، فالشركة المنتجة (البراق للإنتاج الإعلامي) استهدفت التسويق قبل السوية الفنية، والعين كانت على جني الأرباح، والمستهدف الأول هو المحطات الخليجية التي تفضل الابتعاد عن أي «وجع رأس ديني» قد تجلبه بعض الإشكاليات التاريخية الدينية. ولذلك، عمد المنتج إلى استحصال إجازة من لجنة نصوص المسلسلات التلفزيونية والبرامج والمواد الإعلامية في وزارة الإعلام في الكويت عام 2018، ليكون هذا الأمر بمثابة موافقة مبدئية على عرضه على تلفزيون «الكويت» الذي اشترى حق عرضه الأول بمبلغ يفوق ثلاثة ملايين دولار. وقد تعرّض التلفزيون الكويتي في أوقات سابقة لمساءلات من عدة نواب اعتراضاً على مضمون حلقات تلفزيونية عديدة.
والمعروف عن المنتج والمخرج الكويتي محمد العنزي إثارته الدائمة للجدل. في 2011، أنتج مسلسل «الحسن والحسين» الذي نال قسطاً واسعاً من الاعتراضات الدينية والشعبية مع تجسيده شخصيّتَي الحسن والحسين على الشاشة. كما سبق أن أعلن عن نيّته إنتاج فيلم ومسلسل عن مؤسّس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا في ردّ على مسلسل «الجماعة» المصري لوحيد حامد ومحمد ياسين. كما تراجع عام 2012 عن فكرة تجسيد أدوار الخلفاء الراشدين في فيلم زعم أنّ إنتاجه سيكلّف 200 مليون دولار.

* «فتح الأندلس» على «الكويت» و«قطر» و«الظفرة»