لعبة الأرقام التي عايشتها القنوات اللبنانية سنوات طويلة، وصلت إلى نهايتها واختفت بسحر ساحر. هكذا يمكن وصف حالة الشاشات المحلية بعد توقّف شركات الإحصاءات عن تقديم أرقامها حول نسب مشاهدة المسلسلات التي تُبثّ في شهر رمضان. رغم الشكوك التي كانت تدور حول صدقية الإحصاءات التي كانت تعزّز مسلسلاً بناءً على علاقة الشركة بالقناة التي تبثه، إلا أن لعبة أرقام المشاهدة كانت ترفع «أدرينالين» المنافسة خلال الموسم الرمضاني.لسنوات طويلة، حملت القنوات شعار «المسلسل الأكثر مشاهدة»، وكانت تدور فيه إلى شركات الإعلانات للتعاقد معها. حتى إنّ الخلافات بين الشاشات، كانت تشتدّ ضراوةً على خلفية نسب المشاهدة. وكان ذلك ينعكس أيضاً على الممثلين الذين كانوا يستعرضون بأن مسلسلهم هو الأكثر مشاهدة بالاستناد إلى أرقام شركات الإحصاءات.
في هذا السياق، استفردت شركتا «ايبسوس» و«آراء» (بالتعاون مع GFK) بملعب أرقام الإحصاءات لفترة طويلة. وكانت كل شركة تتعاون مع قنوات لبنانية معينة، وتصدر أرقامها، ثم يُكشف عن هذه الأرقام علناً عبر ريبورتاج ضمن نشرات الأخبار.
كان التعاقد بين شركتَي الإحصاءات والقنوات، وطيداً بحكم سوق الإعلانات. وكانت هذه السلسلة (التلفزيون والإعلانات والإحصاءات) تشتدّ روابطها في شهر رمضان. لكنّ تلك السلسلة عايشت خضّات عدّة في السنوات الماضية، وراحت كل محطة تعمل منفردة عن شركة الإحصاءات بسبب ضعف سوق الإعلانات. أول الخارجين كانت mtv التي قرّرت تخصيص قسم فيها للإعلانات، ولم تدخل ضمن سباق أرقام المشاهدة إلا من بعيد. بقيت lbci تتعاقد مع «ايبسوس» بحكم تعاونها مع شركة «شويري غروب» التي تدير عملية الإعلانات فيها. أما قناة «الجديد»، فقد شهدت علاقتها مع شركات الإحصاءات مداً وجزراً ومطبّات كثيرة.
لكن كل ما كان يقال حول نسب إحصاءات دراما رمضان على القنوات اللبنانية، بات اليوم من الماضي بعدما قررت شركات الإحصاءات هجر هذا العالم بشكل نهائي. مع بداية شهر الصوم الحالي، بدأت التساؤلات حول المسلسل الذي سيحقق أعلى نسبة مشاهدة. راح بعضهم يستحضر المنافسة التي دارت العام الماضي مع تحقيق مسلسل «20 20» (نادين جابر وفيليب أسمر وإنتاج «صبّاح إخوان» ـ بطولة نادين نجيم وقصي خولي) مشاهدةً وصلت إلى الـ16 نقطة. كذلك، استعاد بعضهم المنافسة في ملعب المسلسلات التركية المدبلجة إلى اللهجة السورية، ناهيك بأرقام المسلسلات اللبنانية التي كانت تُعتبر «عجيبة»، إذ تخطّت أحياناً الـ 18 نقطة، وهو من أعلى الأرقام في الدراما.
رغم ضعف برمجة رمضان الحالية بسبب طغيان البرامج السياسية، إلا أن المفاجأة تتمثل في ابتعاد شركتَي «ايبسوس» و«آراء» عن إحصاءات المسلسلات والبرامج على الشاشات.
بلمحة بصر، ذهبت المنافسة الدرامية الرمضانية في مهبّ الريح كأنّ شيئاً لم يكن.
على الضفة نفسها، يشرح مدير شركة «آراء» طارق عمّار في اتصال سريع مع «الأخبار» الوضع قائلاً: «منذ عام 2019، أقفلنا باب الإحصاءات بالنسبة إلى أرقام المشاهدة في البرامج والمسلسلات التلفزيونية ككل، لأن البلد ليس بخير. ونعمل حالياً في قطاع الدراسات على أنواعها». ويضيف: «أقفلنا مشروع التعامل مع القنوات لأنه قطاع غير منظّم، والقنوات لم تعد تدفع لنا الأموال المستحقة. كانت حرب الأرقام لا طعم لها».
ليس عمار وحده من يصف الوضع التعيس في الإعلام، بل كذلك شركة «ايبسوس». في هذا السياق، يلفت مصدر من «ايبسوس» لـ «الأخبار» إلى أنّ الشركة أوقفت عملها في الإحصاءات التلفزيونية، بينما تكثف حضورها في التسويق ومع جمعيات المجتمع المدني وغيرها. ويلفت المصدر إلى أن توقف العمل في الإحصاءات، يعود إلى عجز «نقابة الإعلان» عن تمويل الإحصاءات. ويكشف أن الموسم الدرامي الحالي لن تخرج منه نسب مشاهدة أبداً، لذلك ستكون المسلسلات من دون سباق.
توقّفت «ايبسوس» و«آراء» عن إحصاءات المسلسلات والبرامج


من جانبه، يشير رئيس «نقابة الإعلان» جورج جبور في اتصال معنا إلى أنّه للمرة الأولى منذ تسعينيات القرن الماضي، يخرج الموسم الرمضاني من دون إحصاءات. يقول: «أوقفت النقابة تعاقدها مع شركات الإحصاءات بسبب غياب التمويل والمشاكل الاقتصادية التي يعانيها السوق». ويوضح: «تأسّست النقابة عام 1958، وشهدت تطوراً واكب حاجات ومتطلّبات السوق الإعلاني. في عام 2017، طلبنا من جميع التلفزيونات والمؤسسات الإعلامية التواجد ضمن أعضاء المجلس لاعتماد المعايير الدولية لاختيار النماذج التي ستقام عليها الإحصاءات. في صيف 2019، وقّعنا اتفاقاً مع شركات عربية وعالمية، لنقوم بدراسة سوق الإعلام ككل (المرئي والمسموع). ولكن للأسف تسبّبت الظروف السياسية التي تزامنت مع الحراك الشعبي، في وقف العمل على المشروع. حاولت النقابة البقاء في عملها لتمويل الإحصاءات طيلة السنوات الثلاث الماضية، إلى أن توقفت هذا العام بشكل كلي بدءاً من آذار (مارس) الماضي».
يلفت جبور إلى أن «المشاكل المتعاقبة على السوق الإعلامي ككل أدت الى وقف العمل مع «ايبسوس»، التي حاولت هذا العام خفض أسعارها، ولكننا بحثنا عن مموّل بدون جدوى. كما هناك عقبات تقنية كثيرة أمام إنجاز هذه الإحصاءات من بينها انقطاع الكهرباء، وكلفة التنقّل بين القرى، وصيانة الآلات».
إذاً، للمرة الأولى منذ سنوات، يخرج الموسم الدرامي الرمضاني من دون إحصاءات، كأنه بمثابة إعلان أن جميع المسلسلات ربحت في السباق، مستذكرين الأنشودة الرمضانية الشهيرة: «رمضان السنة دي غيّر كل عاداتي».