يحظى جورج حبش الأمين العام المؤسّس لـ «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» بهالة أسطورية تحوطه: إنه طبيبٌ فلسطيني، سياسيٌ رومانسي، عروبي محنّك، قائدٌ عملاني ناجح، متواضع إلى أبعد الحدود، وفوق كل هذا، هو القائد الفلسطيني ـ لعلّه العربي الوحيد ـــ الذي ترك منصبه القيادي، وعاد إلى صفوف الجماهير ليقاوم. ليس مستغرباً إذاً أن تكون هناك مئات الدراسات والوثائقيات والكتب حول شخصية هذا الرجل المدهش. يأتي وثائقي «الحكيم... جورج حبش» الذي أعدّته وأخرجته الباحثة والسينمائية أليسار كمال ناصر (إنتاج «الجزيرة الوثائقية») بمثابة إضاءةٍ إضافية على حياة الحكيم، لا السياسية فحسب، بل الشخصية أيضاً. علماً أنّ أليسار هي ابنة الشهيد كمال ناصر، القيادي في حركة «فتح»، الذي اغتالته وحدة «كيدون» (وحدة الاغتيالات المركزية في الموساد) برفقة الشهيدين كمال عدوان، وأبو يوسف النجّار في «عملية فردان» عام 1973. الوثائقي (قرابة ساعة) أُعدَّ على مدى عام ونصف العام، وصُوّر في أربع دول (فلسطين، لبنان، تونس، فرنسا) في ظلّ أحداثٍ عالمية صعبةٍ كجائحة كورونا. يبدأ الشريط من رسائل الحكيم وصولاً إلى خطاباته الثورية، عابراً خلال حياته بدءاً من طفولته وتخمّر فكرة الثورة بداخله، وصولاً إلى إنجازاته كقائد رئيسي في التاريخ الفلسطيني. لكن ما هو الهدف اليوم من إنتاج وثائقي مماثل؟ تجيبنا أليسار: «الهدف من فيلم جورج حبش هو تذكير العالم بفكرة النضال الفلسطيني والتضحيات التي قدّمها هذا الشعب وقدرته وإصراره على المواصلة لتحقيق أهدافه في تحرير الوطن من خلال سيرة مناضل مثل جورج حبش كان نموذجاً لهذا النضال، وقدّم ما استطاع لوطنه وشعبه في ظروف قاسية، وكان العالم في حالة إنكار للحق الفلسطيني والقضية». تدرك أليسار كمال ناصر بأنَّ إنجاز وثائقي دقيق حول شخصية بهذا الحجم، سيشرّع الأبواب على اعتراضات كثيرة. تعلّق المخرجة: «لا يمكن إرضاء كلّ الجمهور بشكل متساو، وليس هناك عمل كامل يلبّي كلّ الأفكار والتوجهات. في كل فيلم أقدّمه، أشعر أنني غير راضية بالكامل، وأرغب بأن يكون أفضل مما ظهر عليه، وهذه هي الحال مع فيلم جورج حبش. كنت أرغب أن أتوسّع أكثر في استعراض جوانب حياته الشخصية بحيث يكون الفيلم من جزأين لأني أعتبر حبش تركيبةً فريدة لا تتكرر كثيراً». وعن مدّة الفيلم، تُشير إلى أنَّ المدة لم تكن كافية، لكن «ردود الفعل من المشاهدين جعلتني أشعر بالرضى عن هذا المشروع».
يأخذنا ذلك إلى ضيوف العمل الذين تنوّعوا من شخصيات قريبة من الحكيم، إلى أخرى تدور في فلكه، ثقافياً وحضارياً. تؤكد أليسار بأنّها عملت بشكل منهجي في اختيار الضيوف وإن واجهتها ــ كالمعتاد في أعمال مماثلة ــ بعض العوائق، لناحية إيجاد الضيوف، فضلاً عن «الظروف العالمية» (كجائحة كورونا والأوضاع الاقتصادية والسياسية في لبنان) التي أثّرت على توقيت تصوير الفيلم والتصوير مع الضيوف والشخصيات: «بالنسبة لضيوف الفيلم، كان السيد صلاح صلاح مرجعيتي في اختيار الضيوف بحكم قربه من الحكيم ومصداقيته لدى الشعب الفلسطيني، وكان يقدم لي النصائح في إعداد الأسئلة للضيوف الآخرين. جميع الضيوف تحدثوا بصدق بحكم معرفتهم بالحكيم وبعضهم وجه له انتقاداً، وهذا ما قدّم إضافة للفيلم». ميزة العمل أنه استضاف شخصيات عربية وعالمية تحدّثت للمرة الأولى عن الحكيم. وقد ظهر فيه العديد من الضيوف الرئيسيين أمثال: بسام أبو شريف (أحد مؤسّسي «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»)، علي ناصر محمد (رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية الأسبق)، أمين اسكندر (البرلماني والباحث السياسي المصري)، النائب السابق نجاح واكيم، المناضل الراحل أنيس النقاش، صلاح صلاح (عضو مؤسس في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) الديبلوماسي الجزائري ومبعوث الأمم المتحدة الأسبق الأخضر الإبراهيمي، فواز طرابلسي (نائب الأمين العام لمنظمة العمل الشيوعي سابقاً) وعابد الزريعي (مدير مركز «دراسات أرض فلسطين للتنمية والانتماء»)، رلى أبو دحّو (أسيرة فلسطينية محرّرة من الجبهة الشعبية). إلى جانب الضيوف العرب، حلّ آخرون داروا في فلك الحكيم، كمراسل صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية والخبير في القضية الفلسطينية والشرق الأوسط الفرنسي جورج مالبرونو، والباحث والصحافي آلان غريش (مدير مجلة «أوريان 21» الإلكترونية)، فضلاً عن شخصياتٍ أخرى. لكن ما سبب غياب زوجة الحكيم هيلدا عن العمل وإصدارها لاحقاً بياناً استنكارياً إزاء محتوى الوثائقي، خصوصاً أنّ وجودها كان ليمنح العمل ثقلاً كبيراً؟ تؤكّد أليسار كمال ناصر أنّه كان يُفترض أن تكون هيلدا «الضيف الرئيس في العمل، لكنّها لم تشارك بسبب تحفّظها على التصوير في ظلّ الجائحة لأسباب صحية. لذا، لم توافق على الظهور المصوَّر.
الوثائقي أعدّته وأخرجته الباحثة والسينمائية أليسار ابنة الشهيد كمال ناصر

وكان المقترح أن يكون تواجدها في الفيلم من خلال تسجيلات صوتية، لكن للأسف، فنوعية التسجيلات الأولية لم تكن بالجودة المقبولة تقنياً، فارتأيت عدم استعمالها كمنتجة منفذة للعمل وكمخرجته. وبالتالي، لم يتم استكمال هذه التسجيلات أو استخدامها للفيلم، وكان من الصعوبة بمكان التواصل مع شخص آخر من العائلة يكون له تلك التجربة والعلاقة المباشرة مع الحكيم». وتُشير إلى أنَّ معرفتها السابقة بابن شقيقة الحكيم خالد الراهب دفعها للطلب منه الظهور في الوثائقي، وقد «استمتعنا بحديثه عن تجربته منذ الصغر مع الحكيم، وكيف كان يراقب هذا المناضل الإنسان، وما الذي عرفه عنه وتعلّمه منه وترسّخ في ذاكرته عنه».
ولا تنسى ناصر أن تشكر طاقم عملها وطاقم «الجزيرة» على الجهد الكبير الذي بذلوه معها وكذلك «عصام اليماني (ابن المناضل الفلسطيني أبو ماهر اليماني أحد مؤسسي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) الذي ساندني كثيراً، وقدّم لي نصائح كثيرة أفادت الشريط».
اليوم، تعمل أليسار ناصر على إنتاجٍ مختلف، وإن ضمن القضية المركزية والرئيسية أي «تحرير فلسطين». تقول لنا: «أعمل حالياً على إنتاج أوبريت غنائي لأطفال فلسطين في داخل فلسطين وخارجها. هذا الأوبريت يعبّر عن الأطفال وأحلامهم وأفكارهم عن وطنهم، وحالياً هو في مرحلة التحضير وكتابة الكلمات. أعمل مع طاقم مميز من الكاتب والملحن والمعدّين للبدء في التنفيذ قريباً».