رمضان 2022 محطّة مفصلية على أكثر من صعيد. في لبنان، تبدو الدراما كأنّها تلفظ أنفاسها الأخيرة. القنوات المحلية منشغلة هذه السنة بالانتخابات النيابية المنتظرة في أيار (مايو)، فوضعت الدراما في آخر سلّم أولوياتها، خصوصاً متى عرفنا أنّ الاستحقاق الانتخابي يشكّل مصدراً مالياً لا يستهان به لهذه المنابر في مقابل الـ Fresh dollar الذي تتطلّبه الإنتاجات الدرامية. نكبة إضافية تُصيب هذه الصناعة بعد الامتحانات الكثيرة التي مرّت بها خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، ما أدّى إلى تراجع إنتاجها بشكل لافت وسط حضور الدراما التركية المدبلجة إلى اللهجة السورية. التظاهرات التي عمّت لبنان في خريف 2019 وانتشار فيروس كورونا ولاحقاً ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة اللبنانية والأزمة المالية والاقتصادية، كلّها عوامل أصابت الدراما المحلية في مقتل. وبينما كانت المسلسلات المشتركة متنفّساً للعاملين والفنانين اللبنانيين، إذ بها موضة بالية وخارج الحسابات الرمضانية بسبب عوامل عدة على رأسها توجّه شركات الإنتاج إلى المنصات الإلكترونية حيث تُعرض المسلسلات القصيرة على مدار العام. إذ قرّر رأس المال الخليجي الذي يملك معظم الفضائيات والمنصّات، أن يخصّص شهر الصوم حصراً للإنتاجات الخليجية والمصرية، وتنكيهها بالدراما السورية. هكذا، راحت شركات الإنتاج اللبنانية والعربية، على السواء، تتنافس لتقديم مسلسلات خليجية، بناءً على طلب المحطات والمنصّات. عمليّة خلط أوراق يشهدها رمضان 2022، ستتجلّى ملامحها بشكل واضح في العام المقبل.

«صيبة عين»، هكذا يصف أحد العاملين في شركة إنتاج لبنانية الوضع الذي آلت إليه الصناعة الدرامية، والتدهور الذي شهدته في السنوات الأخيرة. يوضح أنّ المشاريع الدرامية المحلية كانت تسيطر على الشاشات اللبنانية طيلة العام من دون إجازة أو توقّف. حتى إنّه كانت هناك مآخذ وانتقادات طالبت بوقفها بسبب تكرارها مواضيع الحب والغرام والخيانة. لكنّ المسلسلات اللبنانية ما عادت تعيش تلك الفورة التي أصابتها في السنوات العشر الماضية، بل إنّها تشهد تدهوراً كبيراً في صناعتها والترويج لها وبيعها، حتى باتت «عملة نادرة».
على مدار ثلاثة أعوام متتالية، تعرّضت الدراما اللبنانية لضربات موجعة أدّت إلى تراجع إنتاجها بشكل لافت وسط سيطرة الدراما المشتركة التي تُعرض على المنصات الإلكترونية، وحضور الدراما التركية المدبلجة إلى اللهجة السورية. التظاهرات التي عمّت لبنان في خريف 2019 وانتشار فيروس كورونا ولاحقاً ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة اللبنانية والأزمة المالية والاقتصادية، كلّها عوامل أصابت الدراما في مقتل.

نوال بري وميشال حوراني في «والتقينا»

في عام 2019، شهدت الدراما المحلية تراجعاً بسبب الحراك الشعبي الذي عمَّ المناطق اللبنانية، فتعطّل تصوير العديد من المسلسلات. وسرعان ما تلقّت ضربة أخرى تمثّلت في كورونا الذي جمّد السوق، فتوقفت الكاميرات عن العمل. لم تقتصر المشاكل على ذلك، فارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة اللبنانية، كان عنصراً حاسماً في «تدمير» تلك الصناعة، حتى اختفت تدريجاً عن القنوات المحلية، إذ وجد المنتجون أنفسهم مكبّلي الأيدي أمام أزمة مالية حادّة، سببها احتجاز الودائع في المصارف اللبنانية، والحركة الجنونية التي عرفها الدولار مقابل الليرة. هكذا، تضامنت الأزمات المتلاحقة ضد الدراما اللبنانية، فوُلد بعضها عسيراً على الشاشة، والبعض الآخر توقّف كلياً عن العمل مستسلماً للوضع الراهن.
مع حلول رمضان 2022، بدأ التساؤل عن المسلسلات اللبنانية التي سيتابعها المشاهد. سؤال يمكن الإجابة عليه بعبارة واحدة: لا دراما لبنانية هذا العام، باستثناء أعمال لا يبلغ عددها أصابع اليد الواحدة. هذه باختصار حال المسلسلات التي تغيب تقريباً عن القنوات هذا العام بسبب العوامل المذكورة آنفاً، إلى جانب سيطرة البرامج السياسية على المحطات المحلية بسبب بدء العدّ العكسي للانتخابات النيابية المتوقّعة في شهر أيار (مايو) المقبل.
في جولة سريعة على القنوات اللبنانية، يتّضح أنّها استغنت بشكل شبه كلي عن المسلسلات اللبنانية، بدءاً من الخريف الماضي. فقد اكتفت بإعادة عرض مشاريع لبنانية قديمة سحبتها من الأرشيف، أو بثّ مسلسل أو اثنين فقط، في خطوة تمهيدية لتكون الخريطة الدرامية في رمضان خالية من الدراما.
في هذا السياق، تخوض mtv السباق الدرامي بعملين لبنانيين: «للموت 2» (نادين جابر وإخراج فيليب أسمر وإنتاج «إيغل فيلمز») الذي يجمع دانييلا رحمة وماغي بوغصن وباسم مغنية وبديع أبو شقرا وكارمن لبس وليليان نمري وغيرهما. يتابع المسلسل قصة سحر (ماغي بوغصن) وريم (دانييلا رحمة) بين ماضيهما الحزين وحاضرهما الذي تستغلان فيه الرجال. المسلسل ليس لبنانياً خالصاً، بل يمكن وصفه بالمشترك، إذ يحضر فيه النجم محمد الأحمد الذي يلعب أحد أدوار البطولة، علماً أنّه شارك أيضاً في موسمه الأول. كذلك، تعرض المحطة المسلسل اللبناني «وإلتقينا» (كتابة غادة كلاس وإخراج مكرم الريّس) الذي ينتجه مروان حداد صاحب شركة «مروى غروب» ويجمع كلاً من نوال بري وميشال حوراني وغيرهما. يكشف حداد لنا أنّ المسلسل لبناني يُلقي الضوء على الأحداث السياسية والاقتصادية والأمنية التي عاشها لبنان في السنوات الثلاث الأخيرة، أي منذ الحراك الشعبي في خريف 2019. ويروي قصص مواطنين يواجهون تلك الصراعات، مع قصة حب أيضاً تعكس تلك القضايا. ويوضح أنّ المسلسل يطرح قضايا الفساد والثورة في 30 حلقة. يكتفي حداد بعمل رمضاني واحد تعرضه mtv، بعدما كان في السابق يحضر بأكثر من عمل.
من جانبها، بدأت «الجديد» السباق الدرامي اللبناني من خلال «الزمن الضائع» (كتابة غابي مرعب وإخراج ماريانا صقر) الذي ينتجه إيلي معلوف. قبل أيام، بدأت الشاشة اللبنانية عرض العمل الذي يجمع باقة من الممثلين اللبنانيين من بينهم: جو صادر، جوي الهاني، فادي إبراهيم، أسعد رشدان، هيام أبو شديد، حسين فنيش وجويل فرن. شهد المسلسل مطبّات عدة قبل ولادته، وتوقف تصويره مرات عدة بسبب كورونا، قبل أن يقرر صُناعه تقديمه في شهر رمضان.
على الضفة نفسها، يشير المنتج إيلي معلوف في حوار سريع معنا، إلى أنه حاضر بمسلسل واحد في شهر الصوم، لكنه يصوّر حالياً ثلاثة مسلسلات لبنانية دفعة واحدة. ويوضح المنتج بأنه كان متوقّعاً أن يتعاون مع lbci بعمل لبناني في رمضان، ولكنّ التصوير تعرقل بسبب كورونا، ما حال دون إتمام تلك المهمة. بالتالي غابت إنتاجاته عن الشاشة التي يديرها بيار الضاهر.
تخوض lbci المنافسة بالتركي والسوري


من هذا المنطلق، لن تعرض lbci أيّ مسلسل لبناني جديد، بل ستعرض أعمالاً من الأرشيف. على أن تخوض السباق الرمضاني بالمسلسل السوري «كسر عضم»، إلى جانب المسلسل التركي «علي رضا». وتلفت المعلومات إلى أن المحطة تركز على السياسة في شهر الصوم، ولم تعد تعطي أولوية للدراما اللبنانية كما كان يحصل في الأعوام السابقة بسبب الكلفة المادية لتلك المشاريع، إلى درجة أنّ برمجتها الخريفية تغيب عنها تلك المشاريع، وتعيد عرض أعمالها القديمة عشرات المرات.
كعادتها، تخصص «المنار» مساحة للدراما اللبنانية، من خلال عمل يحاكي المجتمع اللبناني مع ربطه بقضية الصراع مع العدو الإسرائيلي. في رمضان، تعرض «المنار» يومياً مسلسل «ظل المطر» (كتابة فتح الله عمر وإخراج شادي زيدان) الذي تنتجه الشاشة المحلية. تدور أحداث المسلسل بين عامَي 2019 و2020، ويتناول محاولات الولايات المتحدة والعدو الإسرائيلي المتواصلة لتطويق المقاومة إعلاميّاً بهدف إسقاطها شعبيّاً. وتضم قائمة أبطال العمل كلاً من أحمد الزين، وحسن فرحات، وسارة قصير، وربيع الحاج، وزينب إسماعيل، وإياد نور الدين، وآلان الزغبي، وحسن حمدان، وسهير ناصر الدين وغيرهم.
على الضفة نفسها، تغيب الدراما اللبنانية عن otv وتحل مكانها البرامج السياسية المخصّصة للانتخابات. كذلك الحال بالنسبة إلى nbn التي تغيب عنها المسلسلات اللبنانية، فيما ستعرض الموسم الأول من المسلسل السوري «بروكار»، والجزء الجديد من «باب الحارة».
باختصار، تصوم القنوات المحلية عن الدراما اللبنانية، في خطوة لا تبشّر بالخير لهذه الصناعة التي تشغّل مئات العاملين من تقنيين ومخرجين وممثلين، وجدوا أنفسهم أمام مصير مجهول.