لوقت طويل، بقي الثقب الدودي كممرّ متخيّل داخل الثقوب السوداء وفق النظرية النسبية لدى آينشتاين. وفقاً للنظرية، فإنّ الأمر يُتيح للإنسان الهرب خارج الزمن الآني والتنقّل إلى زمن مجاور أو بعيد، حسبما يريد. لكن البُعد المكاني ما زال مسيطراً على جسد الإنسان. وقد أكّد ستيفن هوكينغ، وكيب ثورن، على قدرة الإنسان في المستقبل على تنفيذ هذه الرحلة والسفر عبر الزمن، لكن ذلك لم يتحقق إلى الآن، لعدم وضوح الآلية العملية لذلك. لكن في «ساعة الزمن» (2022)، تدمج الروائية الغزية هنادي عبد بين حيثيات النظرية العلمية، والأدوات الأدبية الفنية، خصوصاً الفانتازية، لتصنع خليطاً سردياً جذاباً؛ لتحقق رحلة السفر عبر الزمن في أول عمل روائي يستطرق الخيال العلمي في فلسطين. 
منذ الصفحة الأولى، يمكن الشعور بالحدث المخفي الذي يشكّل الدافع للتشويق، مثل كرة تتدحرج ولا يمكن الإمساك بها. هذا المفقود تلاعبت به الكاتبة، بهدف تصنيع الدهشة والتفكير في الذات، وحاضر الإنسان وتأمّلاته الكونية، مستغلة ذلك لربط الواقع بالذكريات المخزنة في الماضي. 

كين نواغدوبيو ــ «آلة السفر عبر الزمن» (فحم وأكريليك على كانفاس ــ 2020)

هذه منطقة لعب شائكة، تهيج مشاعر المرء بمجرد إعمال الخيال، فلكلّ منا ذكريات ومفقودات في الماضي، نطمح إلى ملامستها ولو للحظة، وهذا هو السر العاطفي الذي استخدمته هنادي عبد في هيكلها الروائي لإتمام مؤامرتها السردية. 
تدور الأحداث في مدار شخصيات متعددة، تشكّل ركيزتها الفتاة روزي، التي تطمح ـــ بفعل صوتها الداخلي القوي ـــ لفعل المستحيل في أعين الآخرين. ولأنها عانت الفقد في الماضي، فقد استخدمت جسر آينشتاين للعودة عشرين عاماً إلى الوراء، للقاء أمها الميتة عن كثب، ورؤيتها في الزمن الماضي. وفي هذا كلّه خيال وعاطفة، لكن العلم لا يعترف إلا بالمعادلات والنظريات، ولهذا كان على هنادي عبد أن تقدم تفاصيل هذه الرحلة المعاكسة لسير الزمن بشكل علمي واضح. لعلّها نجحت في تقديم تفسير منطقي لمؤامرتها الروائية، من خلال سرد تسلسلي منطقي، ولغة مفعمة بالأفكار العلمية، وكذلك بالأثر العاطفي، الناجم عن العلاقات بين الشخصيات. 
الأداة المستخدمة عبر السرد الروائي لتبرير الاختراق عبر الزمن، كانت ساعة تكنولوجية متطورة، نراها اليوم كأنها لعبة صغيرة في يد طفل، لكن في الماضي، كان الإنسان يصاب بالدهشة لمجرد رؤيتها. 
يُحسب لهنادي عبد في محاولتها الروائية الأولى، التفاتها إلى ترك الميكروفون السردي للأبطال للتعبير عن ذاتهم، وإن كانت لا تتعمق كثيراً في الصفات الذاتية وحراكها لكل شخصية، لكنها أطّرت لشخصية الأب آدم في الحاضر مشاهدها الخاصة، وفق تسلسل منطقي بين الفصول، كما أطّرت لشخصية روزي الكوادر التي تفصل من خلالها بين الزمنين الماضي والحاضر. تمكّنت الرواية من تقديم وجبة من الأفكار الملهمة التي توضح إتقان عملية البحث التي تقوم عليها الرواية الحداثية، فالأمر لم يعد مقتصراً على التخييل فقط، وإنما يجب على المؤلف تقديم خليط متقن ومنطقي، بالإضافة إلى الخيال. قدمت الكاتبة توصيفاً دقيقاً لعملية الانتقال من زمن إلى آخر من خلال ساعة متطورة، ووحدات طاقة مكثفة. كما قدمت نموذجاً علمياً آخر، من خلال إجراء مكالمة فيديو عبر الزمن، وفق لغة متقنة وتوصيف مُشوق، وفي لحظات كثيرة تمكنت من تمرير الغموض عبر نصها المسرود. 
ورغم تصنيفها كرواية خيال علمي، إلا أن الكاتبة قدّمت مشاهد حسية مؤثرة، جسدت فيها حزن العودة إلى الذكريات، والخطى المستحيلة للاتصال بالماضي، فكان مشهد التقاء روزي بأمها ديانا محملاً بالكثير من الغصة، وكذلك الدهشة. وهو من الأسرار المثيرة التي خبأتها هنادي عبد خلال خطتها السردية، حتى الجزء الثالث من العمل. وقد طغت العاطفة والتقنيات الأدبية في هذا الجزء، الذي تلا التوصيف الدقيق للتنقل عبر الزمن. هذا التباين والخلط جعلا الرواية مستخرجة من مختبر رفيع. 
ومن الواضح أن الرواية مؤسِسة لسيناريو سينمائي مستقبلي، إذ امتلكت طريقة السرد والتوصيف أدوات السيناريو، من خلال شكلانية التقطيع، وطريقة سرد الحوار بين الشخصيات. ظهرت الأدوات السينمائية خلال التسلسل الكرونولوجي للعمل، وفق آلية ذكية من الكاتبة. كان التنقل بين المشاهد عبر الزمنين الحاضر والماضي، وفق انفصال تام بين أدوات هذا وذاك كما ظهر في مشاهد أخرى التحضير للمستقبل. فكان الصوت السردي للكاتبة ملتفتاً لكافة التفاصيل الممكنة للفصل بين زمنين، من حيث الشخصيات وسلوكها، والخيط الحواري بينها، وحتى في جانب الأفكار، كانت قادرة على التقاط انطباع شخص في الماضي عما يدور في حاضرنا، والدهشة المتوقعة بالتطور التكنولوجي الذي يعايشه العالم حاضراً.
وتثير الكاتبة في العمل، المونولوج الذاتي للقارئ حول مفهوم السعادة ومجاورتها للإنسان، فعودة روزي إلى الماضي حقّق لها سعادة شديدة الخصوصية، بلقائها أمها المفارقة للحياة، وملامسة أحضانها. لكن من جانب آخر، تعود روزي بفقد آخر، لشخصيات عرفتها في ماضيها، وحين عادت إلى الحاضر لم تجدها كما كانت في خيالها هنالك. لقد وجدت سارة المشاغبة في الزمن الماضي، قد أرهقتها الحياة ومسؤولياتها، وفقدت الكثير من رونقها، بعد طلاقها. كما وجدت العم جيمي وقد تغيرت رؤيته للحياة، وصار أباً للأطفال ومسؤولاً عن عائلة، بعدما كان يلتزم بالعزوبية. لقد نقلت روزي برحلتها عبر الزمن، فرحةً واحدةً وغصات عديدة ستعيش معها طويلاً. 
تكتب هنادي عبد: «أحياناً تشعر أن السعادة قد خلقت من الزجاج. لذا، من السهل تحطيمها، بينما على العكس، تشعر كأن الحزن، قد صنع من مادة البلاستيك، من الصعب أن يتحلّل وتتخلص منه».