لطالما كان جسد المرأة موضوعاً للرسّامين والنحّاتين والفوتوغراف، تتنوّع أساليب تناوله بتنوّع النظرة إليه، وعلى نحو إبداعي يتجاوز «النسخ» والواقعيّة الفجّة والباهتة. وقد اختلفت تلك النظرة بين الاتجاه السورياليّ الذي يمثّله سلفادور دالي خير تمثيل، وبيكاسو الذي فكّك ملامح الأنثى تكعيبياً، وموديلياني الذي نحت قامتها ومَهَرَ منحوتاته بختمه الذاتيّ…معرض «هنّ» (تنسيق آية أبو هواش ورنين الحمصي) الذي يستمر حتى 8 حزيران (يونيو) في مجمع ABC (فردان) بمبادرة من منظمة Fe -male، يقتفي حضور المرأة في اللوحة والمنحوتة والصورة الفوتوغرافية، وصولاً إلى الفيديو، جامعاً أعمال 62 تشكيلياً، لبنانياً وعالمياً، جسّدوا المرأة في أعمالهم. علماً بأنّ 44 فنانة شكّلن النسبة الأكبر من المعرض الذي افتُتح في «يوم المرأة العالمي» (8 آذار/ مارس).

فلافيا قدسي ـــ «الحجر» (بورتريه شخصي ـــ زيت على قماش ـــ 2020/2022)

تتأنّى فلافيا قدسي (1961) في إمرار ريشتها فوق المساحة البيضاء حتى نخال أنّنا حيال عمل فوتوغرافيّ. هذه الفنانة ساحرة، مذهلة، تجمع بين التجسيد الواقعيّ الكلاسيكي ونزعة الحداثة التي تزيل الملمح التبسيطيّ. تدقّق في الوجه والجسد والزيّ بتعبيريّة حادّة، متسلّطة وعنيفة. تعبيريتّها صادمة، مفاجئة ومؤثرة.
فاطمة مرتضى تعتّق الأنثى في لوحاتها من كلّ القيود، تردّها إلى الطبيعة الأولى. حرّة ممتلكة جسدها ورغبتها، مرتاحة في أنوثتها. تعتمد الألوان الحيادية والداكنة. توضح مرتضى: «الناظر إلى أعمالي يحسبها مستفزّة، إذ لا أرسم المرأة أداة زينة ولا أركّز على فتنة الجسد، بل أنشد إيصال فكرة أنّ الأنثى هي التي تمتلك جسدها ورغبتها»، متحفّظة في الوقت عينه على مصطلح «الحركة النسوية»، مؤثرةً عليه «الأنثوية». ففي رأيها «الأنثوية مصطلح أهم من النسوية، فالأنوثة يحملها الجنسان، المرأة والرجل، وثمة صفات أنثوية يحملها الرجال أيضاً».
من جانبه، ينأى جان مارك نحاس (1963) عن التزيين اللوني والخطوط الزخرفيّة. يلجأ إلى التقشف في اللوحة، تاركاً أداة تعبيره لدى إحساسه بأنّ الفكرة بلغت مقصدها. تتميّز أعماله بالرشاقة والدقّة والنضارة، فضلاً عن العفوية التي تشكّل ركيزتها الأساسية.
في لوحات البريطاني توم يونغ، يطغى اللون الورديّ ونعومة الضوء الضبابيّ. بعض لوحاته ذو ألوان زاهية، مقابل بعض آخر معاكس لذلك. ثمة تأثير مهدّئ ناجم عن كثرة البياض مع الطلاء الزيتيّ، والرماديّ كأنّه حجاب رقيق للذاكرة يحضّنا على الحلم. يقول: «أحاول التعبير في أعمالي عن شعور بالحزن الهادئ، وعن الجمال الآسر. لعلّ تفضيلي للرماديّ لكوني بريطانياً، فسماؤنا رمادية على الدوام».
يرصد منصور الهبر (1970) المشاهدات في محيطه. يدوّنها ويلتقطها ويثبّتها قبل زوالها أو تبدّل أحوالها. الخطّ والكولاج أساسيّان في أعماله، وثمة غلالة «غرافيكيّة» تبرز خطوط قلم الرصاص، وتدعم الأكريليك الخافت في بعض اللوحات، في حين أنّ البقايا الطلليّة للخطوط بالرصاص، تعرّض كل ذلك للخفّة والزوال والمحو.

لارا زنقول ـــ «بيروت 6/7» (90 × 90 سنتم ـــ صورة مطبوعة ومؤطّرة)

فكرة التصالح أو العالم المتماثل تنسحب على أعمال منصور الهبر الذي يقدّم نساءه وهنّ قارئات أو نائمات أو مُنصتات… رسوم ذات خط واحد بلون الصدأ، إلى بعض الألوان الخفيفة المنسجمة مع الخط، فتبدو اللوحة أعتق من لحظتها الآنية.
فوتوغرافيات لارا زنقول تدور حول فكرة الحقيقة المحجوبة عن ناظرنا. تسخّر الفنانة الشابة أعمالها لإبراز الحالات النفسية والكذب والخيانة والخداع وجنون العظمة، واضعةً شخوصها، نساءً ورجالاً في أطر ومناظر متنوعة. فوتوغرافياتها ليست من صنع الكاميرا فحسب، بل تضمّنها أيضاً خيالها ومزاجها، لتبدو أقرب إلى ريشة ذات ملوانة سوريالية، فالمرأة لديها تُدير، مثلاً، ظهرها وتحتها نبت عشب في الماء، أو تظهر في صورة فوتوغرافية أخرى نجمة بحرية على الوجه والشفتين.
سيمون مهنا، مؤسس Lebanese talents حديثاً «لمساعدة المواهب اللبنانية على التعبير عن نفسها وإبراز مهاراتها»، تغلب على أعماله الاسكتشات بالفحم أو بالباستيل.
مشاركون من مختلف الأعمار ومستويات فنيّة متفاوتة في القيمة والبراعة


أمّا ريتا عضيمي، فتعبّر عن حضور الجسد بتفاصيله وضياعه وشرايينه الناتئة، كأنّها تتألم من قسوة الواقع، وتقحم في تكويناتها أغراضاً مادية، وتبدو أجسادها متأرجحةً بين الحضور والغياب.
بعض الفنانين المشاركين في المعرض يحمّل اللوحة إحساساً واختباراً ذاتياً، والبعض الآخر يجسّد المرأة بنظرة من الخارج غير ذاتية، والبعض الثالث يسعى إلى إبراز دورها في المجتمع أو في المنزل أو في مجالات العمل كأنه يأخذ منحى سوسيولوجياً أو ما يشبه الخطاب التشكيليّ المباشر. ثمة وفرة في التيمات والقضايا المطروحة في لوحات المعرض: الأمّ، المرأة الضحيّة، المرأة/ الجسد، المرأة/ المناضلة… والفنانون المشاركون من مختلف الأعمار والمستويات الفنيّة المتفاوتة القيمة والبراعة. وتبقى مع ذلك ميزة للمعرض أن المرأة هنا تخاطب نفسها أو يخاطبها فنان رجل بواقعها وهواجسها وهمومها، لكن أيضاً بأنوثتها التي تتشظّى في معرض «هنّ» في كل الجهات والأساليب والرؤى.

* «هنّ»: حتى 8 حزيران (يونيو) ــــ مجمع ABC (فردان)