إبان انهيار الاتحاد السوفياتي، وتحديداً عام 1992، وقف جيل كامل في الهند مذهولاً من تسارع نمو الهندوتفا، لكنّ إعجاز أحمد كان واضحاً، مُحدداً أسباب صعود اليمين الهندي المتشدّد. ففي العقد الأخير من حياته، قرأ بعناية أعمال اليمين المتشدد، مُقدماً أحد أهم إسهاماته النقدية عن تصلب ثقافتنا المتجذّرة في بؤس النظام الطبقي وفي التسلسل الهرمي للبطريركية، ومُشيراً إلى أن «كل دولة تحصل على الفاشية التي تستحقها». جملة يمكن العثور عليها في كتاباته في هذه الفترة مِن حياته، خصوصاً عندما ساعدته قراءته لغرامشي في إلقاء الضوء على صعود هندوتفا. فهم هذه الحركة المتطرفة مِن وجهة نظر ماركسية، كان يتطلب من المرء أن يستوعب الجذور الرئيسية للثقافة الميتة، ويفهم الطريقة التي تعمل بها أجندة الخصخصة التي خلقت الظروف الملائمة لظهور اليمين الهندوسي السياسي.ظلّ إعجاز أحمد يجادل بأن حزب «بهاراتيا جاناتا» (BJP) يُظهر خصائص فاشية مميزة، لكنّ الدولة الهندية لا تزال تعيش وفقاً للمنهج الليبرالي، حيث لا تناقض بين حكم اليمين المتطرف والشكل المؤسّسي الليبرالي للدولة. فالليبرالية تقوّض الديمقراطية وتقوي اليمين المتطرف. وهذا ما يفسّر أنّ قوى اليمين المتطرف في مجموعة كاملة من البلدان (الولايات المتحدة والكيان العبري وتركيا والهند...) قادرة على الحكم من خلال المؤسسات الليبرالية.
اعتبر إعجاز أحمد أيضاً أن مسألة الفاشية يجب أن يُنظر إليها في إطارين مختلفين غالباً ما يتم الخلط بينهما. أولاً، الإطار النظري، حيث الفاشية توجّه عام دائم وجوهري في جميع أشكال السياسات البرجوازية الرأسمالية طوال حقبة الإمبريالية. وهذا يُفسر سبب عمل العديد من الأحزاب السياسية التي تُظهر ميولاً فاشية بسهولة ضمن حكم الرأسمالية الليبرالية/ والنيوليبرالية، في جميع أنحاء أوروبا مثلاً. وثانياً، في الإطار المرجعي الأضيق، حيث نشأت الحركات والدول الفاشية بالكامل كما في ألمانيا أو إيطاليا أو إسبانيا خلال فترة ما بين الحربين العالميتين في ظروف خاصة للغاية. وكان توازن القوى الطبقية في تلك البلدان من الدرجة التي كان فيها إلغاء الشكل الليبرالي للدولة أمراً ضرورياً قبل إطلاق العنف الشبيه بالحرب ضد الحركات الثورية القوية للطبقة العاملة التي كانت تهدد حكم رأس المال. لكن اليوم، أصبحت حركات الطبقة العاملة أضعف من أي وقت مضى خلال قرن تقريباً. لذا فالنظام الفاشي أصبح غير ضروري، ويمكن لليمين المتطرف والآلة الليبرالية أن يتعايشا بسعادة.
عاش إعجاز في ظل سنوات صعبة. حيث شنّت الولايات المتحدة هجوماً على العراق عام 1991. وفي العام التالي، دمّرت قوى اليمين المتطرف مسجداً للمسلمين من القرن السادس عشر. وبعد ذلك بعامين، أنشئت منظمة التجارة العالمية، وتم استنفاد موارد الاشتراكية إلى حد كبير. خلال هذا العقد، اشتهرت كتاباته التي نُشرت غالباً في مجلات صغيرة وفي منشورات حزبية.
أصبحت الماركسية تعاني في معركة الأفكار، حيث أدخلت النيوليبرالية ليس فقط مفردات الثقافة الشعبية (الفردية/ الجشع في مركز الخطاب) لكن قدمتها بصور جديدة، حيث سمحت ما بعد الحداثة للنيوليبرالية بالتوغّل في الفكر الإنساني. وقد انزعج إعجاز مِن عدم وجود مشروع جاد لنشر أعمال عن الماركسية. لذا في عام 1999، تأسّست دار نشر بعنوان LeftWord Books في دلهي، حيث شغل إعجاز أحمد منصباً في هيئة تحريرها. كما كان من أول المؤلفين باسم الدار. خطّط أيضاً لتقديم مقدمات جديدة لأعمال ماركس السياسية التي كان يرى أن النظرية الثورية الماركسية تكمن في تلك الأعمال، لا في عمل ماركس الاقتصادي المحدود.
حتى نهاية حياته، ظلّ إعجاز أحمد مُتّقد الذهن، وحادّ اللغة، وناقداً صارماً، وجّه سهام نقده إلى وجهة النظر العالمية للمنظمات غير الحكومية NGOs التي تنكر حقيقة الصراع الطبقي وتدعو إلى «تغيير العالم دون الاستيلاء على السلطة»، أي باختصار، تقدم هذه المجموعات سلسلة من الإصلاحات الاجتماعية التي تؤدي إلى وجه أكثر إنسانية للرأسمالية.
كما كان مُتابعاً جيداً لمُتغيرات العالم، إذ قدم قراءة للانتفاضات التي قامت في الوطن العربي، مُشيراً إلى أن هذه التجربة تُعلمنا شيئين: أولاً، أن ما يسمى بالانتفاضات «العفوية» للجماهير التي لا تتمتع بقيادة واضحة، عرضة للتلاعب. وهذا ما حدث في مصر حيث سيطرت جماعة الإخوان المسلمين على الحركة الجماهيرية القوية. وأدى النجاح الانتخابي للإسلاميين إلى خوف عدد كبير من المصريين، إلى درجة أنهم رحبوا بالانقلاب العسكري الذي أطاح بحكومة الإخوان. وثانياً أنه في عصر احتكار الشركات لوسائل الإعلام الإلكترونية العالمية وتمثيلاتها المرئية للعالم، يمكن تصنيع/ خلق «الجموع» تقريباً من فراغ، كما حدث في ليبيا وسوريا. واستند في ذلك إلى التجربة التاريخية التي مكّنت هتلر وموسوليني من الصعود إلى السلطة على رأس «الجماهير» اليمينية الهستيرية. لا شيء تقدمياً بالضرورة في «الناس»، أو «الجماهير». لذا شدّد إعجاز أحمد على ضرورة إنشاء منظمات قائمة على النضالات الطبقية لضمان فعل تقدمي ينتج عن انتفاضة الطبقات الشعبية.
في الأخير، تلقي كتابات إعجاز أحمد الضوء على كثير من الأفكار في عالم السياسة والأدب. ورغم رحيله المؤلم، ستبقى أعماله خالدة لكُل مَن تهمه مواجهة الاعتداء الدائم على كرامة الإنسان من قبل القوى الفاشية. إن كُتبه وحياته تُعطينا الأمل دوماً في أزمنة يطغى فيها الظلام.