هناك نوع من الأفلام التي تعطيك منذ بدايتها شعوراً باللامبالاة بأيّ شيء يخرج من الشاشة، وينتهي الأمر بالخروج من الصالة بإحساس إضاعة ساعة ونصف الساعة في فراغ كان يمكن الإفادة منه. فراغ داخلي ليس شعوراً بحد ذاته، بل فجوه داخلية تُملأ بمجرد البدء بفعل أي شيء، مثل الأكل. باكورة جورج بيتر بربري «عا أمل تجي» (2019) واحد من هذه الأفلام. فالفراغ الذي يتركه، يتحوّل بعد وقت قصير إلى غضب، ليس الغضب الذي ينتج عن مشاهدة فيلم سيء، إنما غضب على ضحالة الرؤية السينمائية، على ادّعاء رنّان وطنين حول قصة يمكن أن تكون مهمة جداً للمخرج، ولكن تقديمها على الشاشة الكبيرة بهذه الطريقة يفقدها أي معنى.

بالطبع، هناك حرية سينمائية، والمخرج يمكن أن يقول ويعكس أي شيء يريده ولكن في الوقت نفسه فكرة تقبّل أو عدم تقبّل هذه الأعمال هي حرية أيضاً، وتأتي في عمق سؤال يجب على كل مخرج لبناني شاب طرحه: لماذا السينما؟ إذا كان الجواب من أجل الشهرة وصناعة أفلام تجارية والربح فهذا عظيم وواضح. أما صناعة فيلم لادّعاء عمق غير موجود وحشو قصة بعبارات عن الموت والحياة والمعاناة والقول بأنّ الفيلم للبنان وكان يجب صناعته وأنه يركز على الصعوبات والتحديات التي تواجه اللبنانيّين وأنّ لبنان بحاجة إلى فيلم مماثل يتحدّث عن «نضالاتنا» وكفاحنا من أجل الهوية والوجود وما إلى ذلك من كلمات تُرصف فقط لمجرّد الرصف، فالأفضل أن لا نصنع أفلاماً.
إتيان (إتيان عسال) وأصدقاؤه، عدنان (عدنان خباز) وجان بيار (جان بيار فرنجية) ودنكورة (إلياس سعد) يخرجون من منازلهم ويتجولون في شوارع البترون، والوجهة إلى فندق على البحر حيث سيمارسون الجنس للمرة الأولى في حياتهم وسيفقدون عذريتهم مع بائعة هوى. في الطريق، نتعرف تدريجاً إلى الشبان الأربعة من خلال أحاديثهم ومزاحهم ومشاجراتهم وأيضاً من خلال المونولوج الداخلي عن يوم موتهم، عن الشعور بالوحدة والفشل والقلق والخوف والمثلية الجنسية المكبوتة وما إلى ذلك. الحوارات الداخلية ليست حكراً على الأربعة، بل تضم أيضاً والدة إتيان وشقيقته وأصدقاءه وحتى الشخصيات التي لا دور لها إلا بالظهور بقول كلمتين عن حياتهم وثم الاختفاء. وهكذا حتى ينتهي الشبان من تجربتهم الجنسية الأولى.
كان يمكن أن يكون شريطاً قصيراً مضحكاً عن شبان يجربون الجنس للمرة الأولى


«عا أمل تجي»، كان يمكن للفيلم أن يكون قصيراً مضحكاً عن شبان يجربون الجنس للمرة الأولى وصراعهم بين أفكارهم المتحررة والمحافظة في آن. إلا أن العمل استحال فيلماً طويلاً مملّاً أدخل فيه المخرج أسلوباً شاعرياً أفقد الفيلم كل شيء. لكل شخصية قصة داخلية يتوقف الفيلم عندها لبرهة. أسلوب في غير مكانه ولا يخدم الفيلم في شيء. إذا افترضنا أن الحوارات الداخلية للشباب الأربعة مبررة، فالحوارات الداخلية للشخصيات الباقية التي تظهر على الشاشة لمرة واحدة لمدة دقيقة أو أقل لا داعي لها أبداً. قوام الفيلم مهزوز من خلال حوارات الشبان بين بعضهم، الكلمات النابية والكلمات الإباحية التي تخرج من أفواههم ثقيلة، ليس لأننا لا نتحدث بهذا الشكل في الواقع، بل لأنّ نقل الواقع على الشاشة يحتاج إلى القليل من الذكاء، إذ بدا ثقيلاً الواقع بعدسة بربري. كل شيء في الفيلم لا داعي له، كل شيء مرصوف ليمرغ بربري الكلمات الشعرية والعميقة التي لا تعني شيئاً في وجوهنا. كل شخصية تظهر على الشاشة ننتظر بعدها توقف الفيلم والدخول في القصة الثانوية التي يرويها أحد ما. لا شيء جيدٌ في الفيلم، الشخصيات ثقيلة مثل كلماتها، أسلوب اللقطات الطويلة الذي يدعم الحوارات استعملها المخرج لإدخالنا إلى الشخصيات التي لا نبالي بها أصلاً!

* «عا أمل تجي» بدءاً من 17 آذار (مارس) في الصالات اللبنانية