تحاول الدراما المشتركة بشدّة أن تأخذ مكانها بين الدراما العربية. يفشل عادةً هذا النوع من الإنتاجات في جذب اهتمام «شعبي» حقيقي مقارنةً بالأعمال المحلّية، إذ تتفاوت مستويات الممثلين وإتقان اللهجة المُرادة، وفوق كل هذا يتمّ «تجنّب» طرح أي مواضيع «مؤثرة» في الشارع العربي. من هنا، تأتي تجارب الدراما المشتركة محفوفة بالمتاعب، إلا أنّ القنوات الخليجية تفضّلها باعتبارها تعطي بعداً أكبر وسوق مشاهدة أوسع، خصوصاً إذا جمعت عدداً كبيراً من النجوم، كما هي الحال في مسلسل «عنبر 6» (إخراج البحريني علي العلي، وكتابة هاني سرحان ودعاء عبد الوهاب ـ منصة «شاهد» السعودية). العمل من بطولة نخبة من الممثلين العرب والخليجيين، من بينهم: السورية سلاف فواخرجي، الأردنية صبا مبارك، الكويتية فاطمة الصفي، المصريتان آيتن عامر وسلوى محمد علي، العراقية جمانة كريم، اللبنانيتان كريستين شويري ورندة كعدي.
خلف أسوار أحد السجون النسائية، تقبع أسرار الماضي وخباياه التي تلاحق مجموعة من السجينات، بعضهنّ ظالم وبعضهن الآخر مظلوم، لكنّ جميعهن ضحايا قسوة المجتمع والظروف التي تعرّضن لها. هذه هي الملامح العامة للمسلسل المؤلّف من 12 حلقة مليئة بالتشويق والأكشن والجوانب الإنسانية. تدور الأحداث وراء القضبان، حيث تكشف السجينات تباعاً عن الجرائم التي ارتكبنها والأخطاء التي وقعن فيها وقادتهن إلى السجن، في موازاة التطرّق إلى قضايا إنسانية واجتماعية (المشاكل الزوجية، حقوق المرأة، الإتجار بالأطفال، الجريمة والعقاب، سطوة المال، الفساد...).
«عنبر 6» بطولة نسائية بامتياز، تحكي قصّة «رهف» (سلاف فواخرجي) التي تدخل السجن بعد أن تعترف بارتكابها جريمة قتل. هي ثرية وصاحبة شركات، سرعان ما تجد أنّها في أرض لا تعرف عنها شيئاً، وفي وضع خطر ما لم تتماسك. مشكلة هذا النوع من القصص، كما «الأجواء» الإجرامية، أنّها تقدّم حكايات «مستهلكة» في كثير من الأعمال الدرامية الغربية، وحتى العربية. إنّها السجون المليئة بالصراعات بين السجينات، حيث هناك امرأة «مسيطرة» و«متسيّدة» (bully) بينما تتعرّض السجينة الجديدة «الضعيفة/ الغنية» للمضايقة. هنا يُحسب الأداء الجيّد للبنانية رانيا عيسى في دور «حليمة». ما يختلف هذه المرّة هو طبيعة الشخصيات التي نتعرّف إليها في السجن. نجد مثلاً «أحلام» (فاطمة الصفي) التي تبدو كما لو أنّها المضيفة أو المعرِّفة التي تسهّل دخول «رهف» هذا العالم الجديد المرعب. في المقابل، «ليلى» (صبا مبارك) هي ابنة السجينة (رندة كعدي) التي تواجه مشكلة أنّها متبنّاة. مزج لقصّتين شديدتَي التعقيد إلى هذا الحدّ، أمر جيّد يذكّر بسرعة المسلسلات الأميركية، لكن هل تمكن المراكمة على ذلك ليستمرّ التشويق؟ هذا يحتاج إلى نقاش، خصوصاً لناحية ضعف الحوارات والأداء الذي يجمع بين إيلي متري (يلعب دور حبيب «ليلى») وصبا مبارك، فيبدو الفارق كبيراً بينهما. هذا لا يُضعف الحوار فحسب، بل أيضاً «صدقية» المشهد. تضاف إلى هذا أخطاء صغيرة، لا يعرف سبب عدم اهتمام صنّاع العمل بها، مع أنّها تؤثر كثيراً على صدقية العمل وواقعيّته (أزياء «ليلى» مثلاً).
لا يمكن نقاش مقدرة فواخرجي كمؤدّية، وهو أمر ينسحب على معظم المؤدّين في العمل، خصوصاً كادر النجمات الرئيسيات، إلّا في بعض التفاصيل الصغيرة. تؤدّي سلاف بحرفيّة عالية، منذ أدائها الرائع في مسلسل «شارع شيكاغو» (2020).
تثبت رندة كعدي مجدّداً أنّها أفضل من تؤدّي دور الأمّ

فاطمة الصفي، ومنذ مشاركتها في «دفعة بيروت» (2020) و«دفعة القاهرة»(2019)، لا تزال تثبت علو كعبها: هادئة، ذكية، لا تتّكئ على جمالها، بل على قدرتها ولا تدّعي ما ليس فيها كمؤدّية. آيتن عامر وسلوى محمد علي، تؤديان شخصيتين جميلتين لا يشك المشاهد نهائياً في أنّهما سُجنتا في السابق، فضلاً عن حرفة آيتن في تقديم شخصية «فتاة الإنترنت». بدورها، تثبت رندة كعدي مجدداً أنّها أفضل من تؤدي دور الأمّ. أما كريستين شويري، فيمكن القول إنّها من طينة أدائية خاصة، إذ تمتلك مرونة تجعل المشاهد يصدق كل ما تؤديه. هي إحدى أفضل الممثلات اللبنانيات اللواتي يسبقن جيلهن بأشواط. من جهتها، تستطيع صبا مبارك أن تكون أفضل ممثلة عربية، لكن هذا لا يعني أنّها في المكانة التي تستحقّها أدائياً حتى اللحظة. فهي لم تجد لغاية اليوم الدور الذي يُبرز مهاراتها وقدراتها، فتبقى ضمن حدود المعتاد.
إخراجياً، يسعى علي العلي ليكون مخرجاً ذا باعٍ في الدراما، هو الذي قدّم أعمالاً عرفها الجمهور العربي رغم أنّ بعضها خليجي مثل «دفعة القاهرة». تبدو كاميرا العلي ذكية، تؤدي الدور المطلوب منها بذكاء وحرفة وخفّة.