بعد نهاية العالم على نحو مأساويّ، وفي إحدى الصحاري المُقفرة، يعيش اثنان من الثوّار الفارّين اللذين يعتقدان أنّهما قادرَان على إعادة النظام من جديد، وهما: «ماكس» (طوم هاردي) الذي يسعى إلى التصالح مع الذات بعد خسارته زوجته وابنه في أعقاب الفوضى التي اجتاحت الكوكب، و«فوريوسا» (شارليز ثيرون) التي تعتقد أنّ طريقتها نحو اﻹصلاح قد تكون مجدية عبر الصحراء. الخطوط العريضة التي تتمحور حولها قصّة فيلم الأكشن والمغامرة الهوليوودي Mad Max: Fury Road (ماكس المجنون: طريق الغضب ــ 2015 ــ 120 د) للمخرج جورج ميلر، تعود بطريقة ما إلى الأذهان لدى مشاهدة المسلسل المصري «الجسر» (كتابة محمد سليمان عبد المالك) المتوافر على «شاهد VIP». من الواضح أنّ مؤلّف القصّة والمخرج بيتر ميمي استوحى من هذا الفيلم أحدث مسلسلاته، حتى لناحية السيّارات المُستخدمة (makeshift) ولوكات الممثلين. هو المعروف بميله إلى هذا النوع وسبق أن وقّع فيلم الخيال العلمي «موسى» تأليفاً وإخراجاً. قواسم مشتركة عدّة بين المسلسل المصري والفيلم الهوليوودي، من بينها شخصية «نوح» التي يؤدّيها الممثّل عمرو سعد. هو مهندس فقد زوجته وابنته في الحرب، ويصارع من أجل البقاء برفقة نجله الصغير، سعياً إلى الخلاص والراحة.في هذه السداسيّة الدرامية، نغوص في عالم «الديستوبيا» الشديدة الرواج في مجال صناعة السينما والدراما في الغرب، خصوصاً خلال السنوات القليلة الماضية. ينتمي «الجسر» إلى فرع من الخيال العلمي يُطلق عليه اسم دراما ما بعد نهاية العالم (Post-Apocalyptic) ويمزج بين الحركة والتشويق. شعبية هذا الجنر على الشاشتَيْن الكبيرة والصغيرة، وقبل ذلك في الكتب، يُرجعها بعض المتابعين والمتخصّصين إلى كونها «ردّ فعل على تغيّر المشهد الاجتماعي والسياسي، وتعمل على الترفيه والتحذير من مستقبل محتمل». كما يعتبرون أنّها رائجة بسبب «التحديات التي تضعها أمامنا، إذ تُجبرنا على التفكير في العالم ــ ومكاننا فيه ــ من منظور مختلف. وكثيرون يستجيبون لذلك ويبحثون عنه في الأعمال التي يختارون مشاهدتها أو قراءتها».
تنطلق أحداث المسلسل الذي يندرج ضمن أعمال «شاهد» الأصليّة، بعد 70 عاماً من نهاية العالم، بعدما أنهكت الحروب القارّات، واستُخدمت فيها أسلحة دمار شامل أدّت إلى انفجارات نووية في أماكن عدّة، ذهب ضحيّتها مئات الملايين وانهارت دول وحكومات وامتلأت المدن والقرى بالمقابر الجماعية. هكذا، استحالت المعالم الحضارية حطاماً، وانتهت التكنولوجيا فيما الموت يحدق من كلّ ناحية. رغم هذا المشهد القاتم، هناك ناجون في بقاع متفرّقة من العالم استطاع بعضهم مقاومة الفناء، في مخابئ من صنع أيديهم حافظوا فيها على أدنى الموارد التي تعينهم على البقاء. وسط كلّ هذه الفوضى والعشوائية والبشاعة، انتشرت الميليشيات المسلّحة والعصابات في المناطق المنكوبة، بينما الأمل الوحيد في استمرار الحياة هو الوصول إلى بقعة الضوء الوحيدة المتمثّلة بـ «الجسر».
تُحسب لصنّاع «الجسر» محاولتهم السير على طريق التجديد والتجريب والابتعاد عن المألوف، وإن كانت النتيجة غير مُرضية. فالمسلسل يترك انطباعاً لدى المشاهد بأنّه أُنجز على عجل، نظراً إلى الضعف الذي تعانيه الحبكة وركاكة الحوارات أحياناً. والأهمّ طريقة التصوير التي اعتمدها بيتر ميمي: غالباً ما تثير مشاهد القتال السخرية بدلاً من الحماسة والإثارة، وكذلك الكادرات الغريبة المُعتمدة في المطاردات، كأنّ هذه المشاهد لم تمرّ على مرحلة ما بعد الإنتاج!
تُحيلنا بعض خطوط الحكاية إلى الفيلم الهوليوودي Mad Max: Fury Road


أما على صعيد أداء الممثلين، فقد تنوّع بين التواضع وملازمة المنطقة الآمنة. في هذا الإطار، لم تكن نيللي كريم على قدر التوقّعات. فالفنانة التي حفرت طريقها نحو النجومية بكثير من الاجتهاد، أقدمت في شخصية «دليلة» على «دعسة ناقصة»! إذ تطلّ بطلة مسلسل «ضدّ الكسر» بدور زعيمة المستعمرة المستبدّة المجرّدة من المشاعر، تتخذ قرارات يومية مبنية على مبادئ وضعها والدها المؤسِّس. امرأة ديكتاتورية تعتقد أنّها دوماً على حق، لنكتشف في النهاية سرّاً كانت تحرص على إخفائه. يغلب الافتعال على أداء نيللي التي يبدو كأنّها لم تتقمّص «دليلة» بما فيه الكفاية، كما فعلت في أدوار سابقة قدّمتها ببراعة وطبيعية وأريحية. فالبرود والصرامة والتكبّر التي تُعدّ سمات الزعيمة الأساسية، أتت غير مُقنعة. هناك حلقة مفقودة. حتّى إنّ لياقة كريم البدنية المعروفة، لم تساعدها في تأدية مشاهد الأكشن والقتال. وإن كانت المسؤولية هنا تقع على عاتق المخرج الذي أخفق في إدارة الممثّلين (يشارك في العمل إلى جانب عمرو سعد ونيللي كريم، كلّ من: أسماء أبو اليزيد، محمد علاء، سارة الشامي، عصام عمر...).
لغاية الآن، يلازم الجدل إنتاجات الخيال العلمي العربية التي تُبصر النور في الآونة الأخيرة، بدءاً من مسلسل «النهاية» (سيناريو وحوار عمرو سمير عاطف وإخراج ياسر سامي) الذي لعب بطولته يوسف الشريف، مروراً بفيلم «موسى» وليس انتهاءً بـ «الجسر». إلّا أنّه رغم الملاحظات التي يمكن تسجيلها، من الواضح أنّ هذه الأعمال مطلوبة ولن تختفي عن خارطة الدراما، ولا سيّما في ظلّ الصراع القائم والمنافسة المحمومة بين منصّات الـ «ستريمينغ». وهي بالتأكيد تجارب يمكن البناء عليها.