في عام 2013، اكتشف اللبنانيّون ممثلة فلسطينية تُدعى رائدة طه (الصورة) قدّمت دور «صفيّة» في عرض «عائد إلى حيفا» لغسان كنفاني الذي أخرجته لينا أبيض على «مسرح بابل»، قبل أن تلعب في العام نفسه شخصية «لميا» في مسرحيّة «80 درجة» لعليّة الخالدي. بعد ذلك بعامين، كان الموعد مع مونودراما كتبتها طه وأخرجتها لينا أبيض بعنوان «ألاقي زيّك فين يا علي». خال بعضهم أنّ الفنانة المقدسيّة التي تنقّلت بين بلدان عدّة، من بينها لبنان والأردن وتونس، انتهت من رواية قصّتها مع والدها الشهيد علي طه. غير أنّها استكملت في «36 شارع عباس» (2017) مسارها في توثيق القصّة الفلسطينية عبر الخشبة، مستعيدةً وظيفة الرواية الفلسطينية الشفوية في الشتات، ودور المرأة الفلسطينية في إحيائها ونقلها. مَن شاهد أعمال رائدة طه، يعرف قدرتها على تطويع النص الذي تحرص على تقديمه إلى الجمهور بتعقيداته وخفايا معانيه، ويعلم أنّها تمارس على المسرح فعلاً سياسياً، طارحةً القضية الفلسطينية من منظار يجمع بين الذكاء والنقد.استكمالاً لهذه التجربة، أفرجت رائدة قبل أشهر عن عمل جديد اختارت له اسم «شجرة التين». سرد قصصيّ، تروي من خلاله قصّة حياتها ومعاناتها مع الفقد والحرمان والاغتراب في دول الشتات، واصفةً رحلة البحث عن الجذور في مدينتها: القدس المحتلة. كما تقدّم مشاهد يومية تتضمّن تفاصيل مؤثّرة عن عائلتها بعد رحيل الوالد ومواجهتهم الحياة بمفردهم: «في رحلة إلى القدس بعد العودة، ذكريات الأهل والأقارب، رائحة البخور والبهارات، بائع الفستق، صراخ وضجيج وقهقهات وآهات في الأزقّة والأروقة»، تقول.
وها هي اليوم تجول بـ «شجرة التين» على عدد من مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، حيث لمست لغاية الآن تفاعلاً غير متوقّع. تجربة تصفها طه في اتصال مع «الأخبار» بأنّها «رائعة». وبعد مخيّمات برج البراجنة والراشيدية وبرج الشمالي، تتحضّر الفنانة لتقديم عرضَيْن آخرَيْن، في مخيّمي عين الحلوة (بعد غدٍ الأربعاء) ونهر البارد (الجمعة).
مشروعها في المخيّمات ليس جديداً، إذ سبق أن قدّمت فيها أعمالاً سابقة: «لكنّ التقنيات الفنية غير متوافرة دائماً هناك، لذلك أصررت هذه المرّة على القيام بجولة على المخيّمات المهمّشة دائماً كأنّها منفصلة عن الواقع... أريد مخاطبة الأجيال الجديدة وتلك التي هُجّرت في عام 1948»، وتضيف أنّ «شجرة التين» مناسبة لأنّ متطلباتها الفنية بسيطة ولا تستلزم جهداً كبيراً لتقديمها في المخيّمات كونها تعتمد على القصّ في الدرجة الأولى، وتترك المشاهد ليسرح بخياله.
بهذه الخطوة، ترى طه أنّها تؤدّي واجباً وطنياً: «أن أقصد المخيّم وأخبر حكايتي، لكي يندمج معها الحاضرون ويطرحوا عليّ الأسئلة. هناك جيل جديد لديه فضول وتساؤلات وهواجس، وأنا أخبرهم بأنّ فلسطين ليست مجرّد قتل واحتلال وأسر وتدمير بيوت وطرد، لكنّها أيضاً حياة يومية ومجتمع متكامل لا يخلو من المشاكل والمصاعب، لكن لديه قصصه وعاداته ولهجته وتقاليده...».
خلال فترة الحجر التي فرضتها جائحة كورونا، كتبت رائدة نصّها الجديد الذي يحكي عن القدس وأهلها الذين عاشوا فيها، مستندةً إلى كلّ ما جمعته من حكايات بالإضافة إلى أخرى سمعتها حديثاً من خلال مقابلات أجرتها: «الأمر أشبه بتأكيد عفوي أنّنا موجودون في تلك البقعة من الأرض منذ زمن».
بالنسبة إليها، الشخصي وما تقدّمه على الخشبة لا ينفصلان: «عروضي تتناولني كإنسانة وتتطرّق إلى تاريخ بلدي... أنا جزء من القصص وهي جزء مني... والامتياز الوحيد الذي أملكه هو هذه الأداة لنقل السرديات إلى الناس».
وفي ختام حديثها، تشدّد رائدة التي تستعدّ لجولة في عمّان وفلسطين على أنّ المسرح حاجة، خصوصاً للأجيال الجديدة، لأنّه يطرح قضايا ويفسح المجال أمام التوثيق وتقديم التاريخ، دافعاً المتلقي إلى التفكير: «كعرب عموماً، بتنا بحاجة إلى الحديث عن هويّتنا ومطبخنا ولغتنا وحياتنا اليومية لأنّها تتعرّض للتشويه على الأصعدة كافة».

* «شجرة التين»: بعد غدٍ الأربعاء (س: 14:00) ــ «مؤسسة غسّان كنفاني» (مخيّم عين الحلوة ــ صيدا ــ جنوباً). الجمعة 4 آذار (مارس) المقبل (س: 15:00) ــ «مركز بيت أطفال الصمود» (مخيّم نهر البارد ــ شمالاً). الدخول مجاني.