الأفلام الوثائقية مثل «للوتشيو» (ساعة و19 دقيقة ــــ 2021)، تفتح النقاش حول الاختلافات الجوهرية بين السينما والشاشة الصغيرة. هذا الفيلم الذي صنعه بياترو مارتشيلو، لا يتبع أبداً المعايير المعتادة للفيلم الوثائقي عن سيَر الموسيقيّين التي أصبحت شائعة في السنوات الأخيرة، وتبثّ غالباً على منصات الأفلام. ما فعله مارتشيلّو ليس تقديم سيرة بالمعنى الدقيق للكلمة، بل مقاربة موضوعية وشخصية لسيرة العظيم لوتشيو دالا (1943-2012). هرب مارتشيلّو من الانصياع لقوالب السير وقدم عملاً سينمائياً عرض الروح السينمائية لإيطاليا ما بعد الحرب التي كانت صراعاتها الاجتماعية والسياسية تنعكس في الموسيقى والأفلام. أمبيرتو ريجي مدير أعمال لوتشيو، وصديق طفولته ستيفانو بوناغا، هما الوحيدان اللذان يتحدّثان عن لوتشيو، لكنهما لا يفعلان ذلك بالمعنى السردي، ولا يحاولان تفصيل خطوات حياته المهنية. لوتشيو أيضاً موجود من خلال المواد الأرشيفية والمقابلات القديمة. «للوتشيو» فيلم إنساني وشخصي، نتعرّف على دالا من خلال أفكاره وموسيقاه وشخصيته الفضولية عبر المقابلات التي تمرّ من دون اهتمام بالدقة الزمنية أو إعطاء تفاصيل حول مراحل مختلفة من حياته المهنية. المحور الرئيسي في الفيلم هو علاقته بوالدته، وتحوّلاته الموسيقية، بالإضافة إلى استعادة بداياته في موسيقى الجاز. أيضاً، يتعلّق الفيلم بالجانب السياسي والاجتماعي لدالا، إذ كان يستعين بكلمات الشاعر روبرتو روفرسي وأغانيه الثورية المناصرة للفلاحين والعمّال، والمناهضة للمؤسسة الصناعية الإيطالية. دالا كان يركز دائماً على تجارب ومعاناة سكان مدينته بولونيا.
لا يبذل مارتشيلّو أي جهد لإخبار قصة دالا لمن لا يعرفها. استخدم لمحات مجزأة من حياته لتقديم درس في التاريخ الإيطالي. كرّس مارتشيلّو اهتمامه على الذين يعيشون الحياة بجوع بدلاً من الاختباء خلف واجهات بورجوازية.
تاريخه الغنائي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمسقط رأسه بولونيا

هناك طبعاً مواد أرشيفية عن مسيرة الفنان، وحكايات مضحكة عن شغفه بسباق السيارات، ولكن الوثائقي يقدم تاريخ إيطاليا وتحولاتها الاجتماعية والسياسية والثقافية العميقة من خلال أغاني دالا. في الفيلم، حنين إلى الماضي ونقد سياسي واجتماعي. نقد للمجتمع الإيطالي التي تحول سريعاً إلى مجتمع استهلاك. يوضح أنّ تاريخ دالا الغنائي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمدينة بولونيا. ويمكن رؤية المجتمع المتغير للدولة من خلال صور المدينة. يقال إنّ ما يقرب من خمسين ألف شخص حزنوا في جنازة دالا. هؤلاء الخمسون ألفاً يشكلون مجتمعاً أكلته الرأسمالية، لكن صداه ما زال يُسمع حتى اليوم كما تُسمع أغاني دالا.

* For Lucio على MUBI