بيروت | بينما كان العدد الجديد من «بدايات» في طريقه إلى المطبعة، رحلت الشاعرة والفنانة إيتيل عدنان (1925-2021)؛ هذه هي اللحظة التي تنبّهنا إليها افتتاحية المجلة التي يرأس تحريرها فواز طرابلسي الـ «مدمن على صداقة إيتيل» كما وصف نفسه مرة. يحيّي فريق التحرير الرفيقة بسلام، ناشراً سيرة مختصرة بعنوان «شاعرة اللون والثورة الآتية»، تحاول أن توجز في أسطر رحلة عدنان التي تجاوزت تسعة عقود من العيش والكتابة والفن، فتعدنا المجلة بالمزيد في الأعداد القادمة عن العزيزة الراحلة.

على غلاف العدد 33 صورة نوستالجيّة الطابع تذكّرنا بأفلام الأبيض والأسود وقصص الصيف والبحر والمايوهات في السينما المصرية، وإن كانت الصورة تنسجم مع إحدى مواضيع العدد «تاريخ الإعلانات في مصر الستينيات» كتبته منى أباظة وترجمته فيفيان عقيقي. لكنها قد تبدو بعيدة شيئاً ما عن العنوان العريض العام الذي تصدّر بضخامته الغلاف وأكل نصف الصورة: «مجتمع الاستهلاك: واجهة النيوليبرالية». من خلال الإعلانات، يتتبع مقال أباظة التغيرات الاجتماعية في أنماط العيش التي حدثت على وقع التغيرات السياسية وبالتالي الاقتصادية بين عصرَي ناصر والسادات. تمرّ على تاريخ الطبقية في مصر في تلك الحقبتَين، وثقافة النوادي، والسيارات وعلاقتها بمن يركب ماذا، وأي فئة من الناس وأي موديلات وفي أي مناطق. تتناول النخبة وما يميزها عن الطبقة المتوسطة من موظّفي الحكومة والمتعلّمين. لأباظة مقال آخر في العدد نفسه يحمل عنوان «تحوّل مشهدية الموضة في مصر المعاصرة»، وله ذلك الطابع الأنثروبولوجي الذي يصبغ مقالاتها بأعمال حفريات في التاريخ من خلال الثقافة الشعبية والتغيرات الاجتماعية. يتتبع المقال مختلف الاتجاهات الناشئة في صناعة الموضة في مصر والمُرتبطة بتغير أنماط الحياة في البلاد، ويركّز على بروز أنواع مختلفة من الموضة المحلية خصوصاً، وتعايشها معاً، ولا سيّما «الأزياء الإسلامية الراقية» والأزياء الغربية «الراقية» المنتَجة محليّاً، فضلاً عما يُسمّى بـ«الأزياء الإثنية». برزت هذه الأنواع إلى جانب الموضة الغربية المستوردة التي تملك إرثاً عريقاً في مصر. تفسّر هذه الاتجاهات الجديدة كجزء من العمليات التفاعلية للعولمة، ويجادَل المقال بأنّ الزي الإثني والأزياء الإسلامية الراقية يروّجان لاستراتيجيات جديدة من «التمايز والذوق الرفيع».
كذلك ينشر العدد ملخّصاً لمقال مطول كُتب عام 2002، حول تاريخ المُجمّعات السكنية المُسوّرة في لبنان، لأستاذ الجغرافيا جورج غلاسزي ترجمته فيفيان عقيقي. يدرس الباحث هنا أنواع المُجمعات المُسوّرة في لبنان من المُنتجعات الساحلية والجبلية، وتاريخها قبل الحرب الأهلية وخلالها. كانت هذه المجمّعات توفّر أماكن شبه آمنة أو تقدّم الكهرباء والخدمات أكثر من غيرها، ما جعلها تشهد طفرة خلال الثمانينيات. كما يتطرق الكاتب إلى مجمعات تكونت وتأسست بعد الحرب.
دراسة تاريخ المُجمّعات السكنية المُسوّرة في لبنان قبل الحرب الأهلية وخلالها


ملف النيوليبرالية الذي تفتحه المجلة، يتناول تجربتَي بيروت والقاهرة: نجد مقالات «ثقافة الاتكال على السيارات الخاصة في بيروت» لمارك بيري، و«أسوار الحرب وما بعد الحرب» لمات ناش و«رأسمال العفّة» لكريستا سالاماندرا، وكذلك تحضر الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي بشهادة تحت عنوان «هل يمكن الاكتفاء بأقل من هذا؟»، لتحاول الإجابة «حالما أطرح على نفسي هذا السؤال الضروري، أسارع إلى محاولة اعتصار ولو جواباً واحداً عنه، لكن من دون فائدة تُرجى، لدرجة اعتقدت فيها بأنني أعاني من انسداد في الكتابة بعدما استهلكت كل مخزوني الفكري والأدبي. وها أنا فارغة مثل فرضية الكرة الأرضية التي استنزفت مصادرها كافة وها هي تُعاني أزمة نقص حادّة. باختصار، إنني مثال لا لبس فيه على معضلة حدود النمو الملازمة لإشكالية الاستهلاك المفرط».
يضم العدد أيضاً مقالاً للكاتب المصري بلال فضل بعنوان «صديقي الذي قتل»، وللفيلسوفة الأميركية نانسي فريزر مشاركة «حول تعريف موسع للرأسمالية يعترف بشروط وجودها غير الاقتصادية»، وترجمة نصّ للناقد والكاتب البريطاني الراحل جون برجر بعنوان «أخبار سيئة».