يتجدّد موعد الجمهور اللبناني مع السينما التونسية عبر منصّة «أفلامنا». إذ تعرض الأخيرة «ريح السّد» الذي يمثّل علامة فارقة في تاريخ السينما التونسية وفي تجربة أشهر مخرجيها وأكثرهم إنتاجاً النوري بوزيد. «ريح السّد» الذي عُرض للمرّة الأولى في العاصمة التونسية في أيار (مايو) 1986وتوّج بالتانيت الذهبي لـ «أيام قرطاج السينمائية» في السنة ذاتها، وشارك في المسابقة الرسمية لـ «مهرجان كان» في السنة ذاتها أيضاً أول أفلام النوري بوزيد (1945) الذي درس السينما في بلجيكيا بين 1968و1972وعاد إلى تونس ليدخل السجن ضمن تجربة اليسار التونسي والتنظيم المعروف باسم «العامل التونسي».يروي الشريط قصّة الهاشمي، نجّار شاب من مدينة صفاقس، يتبع نصيحة والديه بالزواج؛ إلّا أنّه لا يزال مصدوماً منذ الطفولة بعدما اغتصبه أحد المكلّفين بتعليمه المهنة هو وصديقه فرفط. تلقي هذه الجريمة البشعة ظلالها على مساره الحياتي وتترك ندوباً عميقة في روحه.
في تاريخ السينما التونسية، يُعتبر هذا الشريط نقطة تحوّل كبرى بعد التجارب السابقة للسينما التونسية التي انطلقت في منتصف الستينيات مع عمار الخليفي وعبداللطيف بن عمار ومحمود بن محمود وإبراهيم باباي والناصر القطاري ورضا الباهي. تجارب تناولت قضايا التحرّر الوطني وبناء الدولة مثل أفلام عمار الخليفي أو تحوّلات المجتمع التونسي بعد التجربة الاشتراكية في أواخر الستينيات وظاهرة ما يُعرف بـ «النزوح» (الهجرة الداخلية من الريف إلى المدن الكبرى وبخاصة العاصمة) في فيلم «وغداً» مثلاً أو الهجرة إلى أوروبا في فيلم «السفراء». إلّا أنّ فيلم «ريح السّد» مثّل انزياحاً وتحوّلاً في مسار السينما التونسية التي عُرفت مع النوري بوزيد وشريطه «ريح السّد» اقتحام المسكوت عنه. فهذا الشريط يطرح للمرة الأولى مواضيع محظورة مثل اغتصاب الأطفال وهي جريمة متستّر عليها غالباً في الأوساط المهنية والعائلية والتعليمية.
وقد انتقلت السينما التونسية مع هذا الشريط المرجعي ومع أفلام النوري بوزيد اللاحقة مثل «صفائح من ذهب» و«ما نموتش» و«حرب الخليج» و«بزناس» وغيرها من الحفر في بنية المجتمع وتحوّلاته إلى حفر في البنية النفسية للإنسان وكشف الأزمات التي تعصف بالإنسان المعاصر في مجتمع عربي إسلامي.
وقد تميّز النوري بوزيد في هذا الشريط كما في غيره، بجرأة عالية لم تكن معهودة وقتها في السينما التونسية. إذ كان في كل أفلامه يفكّر بصوت عال، ما جعله دائماً في مواجهة المتشدّدين. علماً أنّ الشريط تمثيل الراحل مصطفى العدواني، ومنى نورالدين، والحبيب بلهادي في أول تجربة له كممثل وخالد الكسوري وعماد معلال ويعقوب بشيري.

* يمكن مشاهدة «ريح السدّ» مجاناً على منصة «أفلامنا» لغاية 16 شباط (فبراير) ــــ https://www.aflamuna.online/