حين تعرّف الجمهور إلى «علا عبد الصبور» قبل 12 عاماً، أحبّها كثيراً واستحالت من أكثر الشخصيات الكوميدية القريبة من قلوب الناس على امتداد العالم العربي. حصل ذلك في رمضان 2010 من خلال المسلسل المصري الساخر «عايزة أتجوّز» (تأليف غادة عبد العمل، وإخراج رامي إمام).يومها، قوبل المسلسل بآراء نقدية سلبية، خصوصاً لناحية أداء الممثلة التونسية الشهيرة هند صبري لشخصية «علا» الصيدلانية المستميتة لإيجاد عريس قبل أن «يفوتها القطار». إذ وُصف أداؤها بـ «المفتعل والمبالغ فيه». وهناك من النقّاد والصحافيين مَن ذهب إلى درجة التأكيد على أنّ صنّاع العمل اعتمدوا على نجومية صبري إلى جانب ضيوف الشرف، لكنّهم «فشلوا» في تقديم عمل كوميدي له أسس واقعية.
غير أنّ موقف المتخصّصين لم يؤثّر على جماهيرية العمل الذي ما زال من الأكثر شعبية في صفوف المشاهدين خلال السنوات الماضية، ولا سيّما أنّه اعتمد على شخصيات من الطبقة الوسطى، قريبة من الناس (علا التي تشبه شريحة واسعة من بنات جيلها، والدتها التي تقشّر البطاطا أثناء الدوام...). هذا ما أثبتته نسب المشاهدة العالية التي حصدها حين حطّ رحاله على «نتفليكس»، والحماسة التي تمّ التعبير عنها على مواقع التواصل الاجتماعي لدى الإعلان عن اتفاق مع منصّة البثّ التدفّقي الأميركية على إنجاز مسلسل كوميدي قصير يتمحور حول «علا عبد الصبور»، من بطولة هند صبري التي شاركت أيضاً في مهمّة تنفيذ الإنتاج.
وكما كان متوقّعاً، وحالما انطلق عرض العمل المؤلّف من ست حلقات يوم الخميس الماضي في 190 دولة مترجماً إلى 32 لغة ومدبلجاً إلى أربع لغات، تصدّر قائمة الترندات على السوشال ميديا في العالم العربي ومعدّلات المشاهدة في عدد من الدول.
«البحث عن علا» من تأليف غادة عبد العال وقصة وسيناريو وحوار مها الوزير وإخراج هادي الباجوري، فيما تتشارك هند صبري بطولته مع الرائعة سوسن بدر (سهير)، هاني عادل (هشام)، محمود الليثي (منتصر)، ندى موسى (نسرين) وغيرهم، إلى جانب حضور من ضيوف الشرف البارزين، أمثال: يسرا، شيرين رضا، بيّومي فؤاد، خالد النبوي، فتحي عبد الوهاب...
بعد انفصالها عن زوجها «هشام» (هاني عادل) الذي اتخذ منفرداً قرار الطلاق، تذهب «علا» في رحلة للبحث عن نفسها التي بقيت خلال السنوات الـ 13 الأخيرة «على الرفّ» كرمى لعيون الزوج والأولاد. هكذا، قرّرت البطلة تغيير حياتها لبلوغ السعادة، ضمن مشوار تخوض خلاله العديد من المغامرات والتجارب على أصعدة عدّة.
هنا، الأداء الكوميدي نظيف وهادئ. تركيبة خفيفة الظلّ تشكّل مصدر متعة للمشاهد، لا شكّ في أنّه بحاجة إليها. حوارات رشيقة، وكاميرا أنيقة (تتوافق مع لغة «نتفليكس» البصرية الهادفة للجذب والإبهار)، وكاريزما واضحة بين الممثلين الرئيسيين، خصوصاً ثنائية «علا» ووالدتها «سهير» التي أجادت لعبها سوسن بدر بطبيعة الحال. علماً بأنّه يمكننا القول إنّ برودة هاني عادل شكّلت استثناءً ضمن هذه المعادلة.
بين طيّات الكوميديا، حوارات ومواقف مشغولة بعناية تطرح مسائل أساسية في المجتمع الذي يغصّ بحكايا التعنيف والقتل والتحرّش والاغتصاب. من دون تكلّف، يسلّط «البحث عن علا» الضوء على نوع من القمع المنتشر بكثرة، حتى صار «عادياً» ومألوفاً. إنّها الهيمنة الذكورية التي تعتبر لدى كثيرين «طبيعية». فـ «علا» امرأة تتعلّم كيفية التخلّص من واقع لازمها لسنوات، واختصر دورها بكونها مجرّد شخص موجود لخدمة كائن آخر: الرجل! هي نموذج عن كثيرات من العالقات في دوّامة، يصارعن ضغط المجتمع والزوج والأهل والأولاد، من دون أن يقدرن على التعبير عن أنفسهّن وتحقيق ذواتهنّ. سلاح المرأة في هذه البقعة من الأرض هو خليط من «الكتمان» و«الصبر» و«القدرة على التحمّل»... وبعض الحبوب المهدئة!
حوارات رشيقة وكاميرا أنيقة وكاريزما بين الممثلين الرئيسيين


من الخاطئ اعتبار «البحث عن علا» جزءاً ثانياً من «عايزة أتجوّز»، لأنّ الاختلافات بين العملَيْن كبيرة. وهذا ما أشارت إليه مروحة واسعة من المتابعين الذين عبّروا عن امتعاضهم من أنّ الحكاية تتمحور حول طبقة ميسورة من المجتمع المصري. الصيدلانية التي كانت بسيطة ومتواضعة في المسلسل السابق مثلاً، صارت تقود سيّارة حديثة رباعية الدفع، تسكن في شقّة فارهة داخل مجمّع سكني راق، وتُكثر من استخدام اللغة الإنكليزية في حديثها، كما تتميّز بستايل ملابس عصري يُترجم في إطلالات لافتة ومختلفة...
في هذا السياق، كان لافتاً اختيار مصمّمة الأزياء أمنية علي لأسلوب عملي ومريح لـ «علا»، منكّه بلمسة كلاسيكية. إلى جانب سترة الـ «بليزر» التي رافقت إطلالات عدّة مع سروال الجينز، تميّزت صبري بالأسلوب الشرقي الذي برز إمّا من خلال نقشات التصاميم أو ألوانها أو موديلات القفاطين أو حتّى الأكسسوارات.
صحيح أنّ «علا» كانت طوال الحلقات تبحث عن «عريس»، لكنّها في النهاية أيقنت أنّ مصادر السعادة والقوّة في حياتها منوّعة، قد لا يكون الرجل أحدها.
ملاحظات كثيرة يمكن تسجيلها على «البحث عن علا» الذي بدأت التكهّنات حول احتمال عودته بجزء ثانٍ. غير أنّه من دون شكّ وجبة خفيفة ومسليّة لا تحتمل الكثير من التأويل.

* «البحث عن علا» متوافر على «نتفليكس»