اخترق صدى الثلاثي الألماني من أصل فلسطيني مارسيل نديم أبو رايقة، ومالكولم أوهانوي، ويونس العمايرة، جدار الصمت في ألمانيا بعدما رفعوا أخيراً الصوت ضدّ خطاب الكراهية. خلال فترة وجيزة، حقّق الثلاثي ملايين المتابعين على صفحتهم على يوتيوب، قبل أن يتعرّضوا لحملة من قبل الأطراف المتصهينة، فتمّ تجميد عملهم الافتراضي بعدما وُجّهت إليهم تهمة «معاداة السامية». واجه الشباب التهمة الشمّاعة إياها، لأنّهم أضاؤوا على «الرهاب من الفلسطينيين» والمضايقات التي يتعرّض لها العرب والفلسطينيون في ألمانيا. حادثة الشباب الثلاثة لم تكن الوحيدة في ألمانيا، فهناك عشرات الحوادث المشابهة واجهها صحافيون وإعلاميون في شتى المجالات، كُرمى لـ «عيون» إسرائيل.خير دليل على ذلك ما حصل في أيلول (سبتمبر) الماضي، مع الصحافية الألمانية من أصل فلسطيني نعمة الحسن. بعد ساعات من توقيع عقدها مع تلفزيون القناة الألمانية (WDR) لتقديم برنامج علمي، ألغت الشاشة تعاونها معها. القرار جاء على خلفية صورة نُشرت لنعمة خلال مشاركتها في إحدى التظاهرات المناصرة للقضية الفلسطينية عام 2014. لم تمرّ أشهر على قضية الحسن، حتى خرجت إلى السطح قضية العاملين (السابقين) والمتعاقدين في قناة «دويتشه فيله» (DW) الألمانية الناطقة بالعربية. التهمة ذاتها (معاداة السامية)، وجِّهت إلى مدير مكتب القناة في بيروت اللبنانيَيْن باسل العريضي، وداوود ابراهيم والسوري مرهف محمود، والفلسطينيّتين مرام سالم (شحاتيت) وفرح مرقة.

أركاديو اسكيفيل ــ كوستاريكا

بدأت حكاية موظفي DW قبل شهرين تقريباً، عندما انطلقت الصحافة الألمانية بما يشبه عملية «تجسّس» على صفحاتهم الافتراضية، ونشرت تقارير عنهم وتحقيقات تضمّنت أسماء قنوات عربية من بينها «رؤيا» الأردنية و«معاً» الفلسطينية و«الجديد» اللبنانية (متعاقدة مع DW)، متّهمة إياها بـ «معاداة السامية». تضمّنت التقارير التي نُشرت على مدى أسابيع في صحف ومجلات متنوّعة في ألمانيا، تغريدات ومواقف وطنية سجّلها الصحافيون إلى جانب القضية الفلسطينية. هكذا، تمّ تشكيل لجنة تألّفت من وزيرة العدل الألمانية السابقة زابينه لويتهويزر شنارنبرغر، والاختصاصي النفسي الفلسطيني أحمد منصور، لدراسة ملفّ الصحافيين. واللافت أنّ هذه المواقف والتغريدات كانت قبل انضمام الصحافيين إلى الشاشة الألمانية! أول من أمس، أعلن المدير العام لـ DW بيتر ليمبورغ عن قرار اللجنة بفكّ تعاقد المحطة مع الصحافيين الخمسة، في سقطة مدوّية في تاريخ الإعلام الغربي والشاشة التي ترفع شعار «الحرية»! هكذا، سقطت ورقة التوت وشعارات حرية الرأي والتعبير التي اتّضح أنّها مفصّلة وفق معايير القناة الألمانية.
في هذا السياق، تلفت المعلومات لـ «الأخبار» إلى أنّ الخناق تجاه الصحافيين المناصرين للقضية الفلسطينية، قد اشتدّ في السنوات الماضية، خصوصاً مع تطور السوشال ميديا وبروز الأصوات القوية في ألمانيا التي طالبت بحقوق الفلسطينيين. ولا يخفى على أحد أنه تشكّل لوبي ألماني من سياسيين وأطباء، طالب بوقف عمل الجمعيات التي تُعنى بحقوق الفلسطينيين. ورغم أنّ الناشطين المناصرين للقضية الفلسطينية والمقيمين في ألمانيا طالبوا المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل حينها، بالتمييز بين «معاداة السامية» والموقف ضد الاستعمار الصهيوني في فلسطين، إلا أن التضييق على الحريات لا يزال مستمرّاً، بل إنّه يبشّر بفصول صعبة في الأسابيع المقبلة.
على الضفة نفسها، تلفت معلومات لـ «الأخبار» إلى أن تقرير اللجنة في قناة DW تألّف من قرابة 56 صفحة، تضمّن ألغاماً خطيرة سيتمّ تطبيقها تباعاً في القناة الألمانية. هذا الأمر سيكون فصلاً جديداً من فصول الاشتباك بين القائمين على القناة وبعض الموظفين العرب، وتحديداً اللبنانيين والجزائريين والعراقيين.
من بين تلك القرارات أن المؤسسة ستتخذ مجموعة من الإجراءات في المستقبل القريب، منها الطلب من الموظفين توقيع تعهّد بـ«محاربة العداء للسامية والاعتراف بحقّ «إسرائيل» في الوجود». وستوسّع الشبكة عمل مكتب القدس وتفعّله للحصول على المزيد من التقارير من هناك «لإيصال صورة معتدلة وحقيقية عما يجري هناك».
وعن الصحافيين المصروفين، اعتبر مدير القناة، بأن المؤسسة «تأكّدت عبر دراسة الإجابات لأسئلة وُجّهت إلى الصحافيين، أن هناك توجهاً معادياً للسامية لدى الأشخاص الخمسة وصولاً إلى نكران المحرقة والتشكيك في حق إسرائيل في الوجود. ولذا، فانّ تجميد العمل معهم كان قراراً صائباً وينصح بوقف التعامل معهم».
من جانبه، لم يكن الفلسطيني أحمد منصور أرحم من مدير القناة. الاختصاصي الإسرائيلي الهوى، أعلن عن مجموعة توصيات «تركّز على موضوع العداء للسامية وحق إسرائيل بالوجود في برامج القسم العربي خلال العامين القادمين، عبر برامج حوارية وتقارير إخبارية وأفلام وثائقية. كما يجب توعية العاملين في القسم العربي بأهمية هذا الموضوع عبر دورات تدريبية وورش عمل». وفي نهاية المؤتمر الذي أقيم عن بُعد، أعلن المدير العام عن استقالة مدير قسم الشرق الأوسط في DW ناصر شروف، شاكراً إياه على الخدمات التي قدّمها للمؤسسة، ليتضح لاحقاً أن تلك الاستقالة جاءت على خلفية قرار تجميد عمل الصحافيين، وعدم تمكّن شروف من حمايتهم.
في هذا الإطار، لا يبدو أن تداعيات أزمة موظفي «دويتشه فيله» ستنحصر بطرد الموظفين الخمسة. تكشف المصادر لنا أن اللجنة التي تألّفت من أحمد منصور ووزيرة العدل الألمانية السابقة زابينه لويتهويزر شنارنبرغر، قد قامت بما يشبه عملية «تجسس» أخرى بحقّ مجموعة أخرى من الموظفين العاملين في الشبكة. وأفضت إلى تقديم نحو ثمانية أسماء جديدة بهدف فضّ التعاقد معها. وتشير المصادر إلى أن قضية الإعلاميين في القناة الألمانية ستشهد فصولاً جديدة في الأيام القليلة المقبلة، إذ يواصل الإعلام الألماني نشر تقارير حول المواقف الوطنية لمجموعة من الصحافيين. يوم السبت الماضي مثلاً، نشرت الصحف الألمانية تحقيقاً تضمّن أسماء جديدة، وُجّهت إليها تهمة «معاداة السامية»، فأحيل الصحافيون إلى التحقيق، وتم تجميد العمل معهم، على أن يصدر خلال الأيام القليلة المقبلة، قرار بشأنهم.
وتلفت المعلومات إلى أن معظم الصحافيين المصروفين سيتجهون إلى القضاء الألماني ضمن معركة باتت تهدد الحريات التي تُعتبر مدماك العمل الإعلامي.
عقود جديدة ستتضمّن موافقة العاملين على عبارة «حق إسرائيل في الوجود»


لا تزال تردّدات «الزلزال» الذي ضرب القناة الألمانية يتفاعل مع العاملين في المؤسسة. تكشف المعلومات لنا أن الصحافيين في القسم العربي يشعرون بالخزي والصدمة جراء القرارات الأخيرة الظالمة بحقّ زملائهم. كما لا يستبشرون خيراً بالقرارات التي ستتخدها القناة قريباً، خاصة في ما يتعلق بالحديث عن عقود جديدة ستوقعها الشبكة مع جميع موظفيها. وتلفت المصادر إلى أن تلك العقود ستتضمّن موافقة العاملين على عبارة «حق إسرائيل بالوجود». علماً أنّ القانون اللبناني يحظّر الاعتراف بـ «إسرائيل» تحت خطر الملاحقة القانونية.
تلفت الأخبار المتداولة إلى أن شبكة البرامج العربية التي تقدّمها المحطة، ستكون في ورطة حقيقية على رأسها برنامج «جعفر توك» الذي يقدمه اللبناني جعفر عبدالكريم. البرنامج الذي يرفع شعار الحريات والشباب، يجد نفسه أمام معضلة معالجة قضايا اجتماعية وسياسية من دون الإتيان على ذكر المجازر الإسرائيلية!
بعد استغناء «دويتشه فيله» عن مدير مكتب بيروت باسل العريضي، تواجه الشبكة مسألة مستعصية، إذ تلفت المصادر إلى أن المحطة كانت قد قرّرت عام 2019 افتتاح مكتب لها في بيروت واعتباره إقليمياً. لكن بعد قضية العريضي، فإن مصير المكتب بات على المحكّ، بخاصة أن موجة التطبيع مع العدو الإسرائيلي تغزو الدول الخليجية والعربية، فكيف ستعيّن المحطة اسماً مكان العريضي تكون صفحاته «بيضاء» على السوشال ميديا؟! وتكشف المصادر أن الشبكة الألمانية تتجه لتعزيز مكتبها في القدس المحتلة وإسقاط مكتب بيروت، إذ يمكن للمراسلين هناك التنقل في الدول الخليجية والعربية (باستثناء بعض الدول غير المطبّعة مع العدو الإسرائيلي) والأوروبية بشكل مريح!