وجهها سبب من أسباب عشقنا للسينما، غزتنا بذكائها وموهبتها وجمالها، والشاشة الكبيرة تلألأت ببريق عينيها. الصالة صمتت بسبب صوتها الميلنكولي. ممثلة قادرة على التحرك بخفة بين التراجيديا والكوميديا، أصبحت أيقونة للأناقة بفضل شخصيّتها وصورتها القوية، ومرجعاً للمرأة الإيطالية المتحرّرة. طوال حياتها المهنية، كانت بعيدة عن الصور النمطية التي ميّزت بعض فنّاني عصرها. مونيكا فيتّي (1931 ــــ 2022) هي المرأة الوحيدة التي كانت قادرة على الارتقاء إلى مستوى ما يسمى «العقداء الخمسة» في السينما الإيطالية (ڤيتوريو غاسمان، أوغو توجناتزي، نينو مانڤيريدي، مارسيلو ماستورياني، ألبيرتو سوردي)، إن لم تكن قد تغلّبت عليهم. «كان والداي صارمَين للغاية. كان لشقيقيّ القوة والحرية. وكنت ضعيفة ومنعزلة» هكذا تصف. الممثلة الإيطالية طفولتها الحزينة التي أثرت عليها مدى الحياة. لم ترغب أبداً في تكوين أسرة، كانت حذرة دائماً من الزواج. «عندما كنت في الرابعة عشرة والنصف، قررت أنني تقريباً انتهيت من الحياة، أدركت أنه يمكنني التمثيل، والاستمرار في التظاهر بكوني شخصاً آخر، وجعل الناس يضحكون قدر المستطاع على المسرح والشاشة. في الحياة كان الأمر أكثر صعوبة». ولدت في روما عام 1931، ووقعت في حب المسرح عندما غرقت بلادها في الحرب العالمية الثانية. كانت بدايتها على خشبة المسرح في سن الرابعة عشر، حين لعبت دور امرأة عجوز بشعر مستعار أبيض. بسبب نظرة عينيها الغامضة وشعرها الأشقر ونبرة صوتها، أعطت فيتّي لوناً مختلفاً لكلاسيكيّات شكسبير وموليير وبريخت. انتقلت إلى السينما بعدما التقت بالمخرج مايكل أنجلو أنطونيوني. لقاؤها بالمخرج الإيطالي العظيم كان غريباً. لم تدرك مونيكا أنه جاء وكان يقف خلفها ويراقبها. بعد فترة، قال: «لديك رقبة جميلة، يمكن أن تكون في السينما» فردت عليه: «لدي أيضاً وجه، أم تريد أن تصورني فقط من الخلف؟». كانت هذه نقطة التحول في حياتها. كل منهما شغوف بعمله. وقعا في الحب على المستوى المهني والشخصي. كانت بالنسبة إليه الملهمة والعشيقة. ظهرت في أفلام عدة من توقيعه مثل: «الكسوف»، «المغامرة»، «الليل»، «الصحراء الحمراء». تعاونهما كان مختلفاً نوعاً ما. كان جمالها في أفلامه تجريبياً أكثر، وهو ما يتماشى مع جمال أسلوب أنطونيوني البصري غير المستقر وكثير التساؤل.
ابتعدت عن سينما أنطونيوني بعد انفصالها عنه. قالت إنه هو من أنهى علاقته معها. لكن حضورها في السينما لم ينته. بل غيرت اتجاهها ولمعت في الكوميديا الإيطالية («الفتاة ذات المسدّس»، «الغيرة الإيطالية»، «ساعدني يا حبي»، «هكذا نحن النساء»). كان مدهشاً كيف كانت فيتّي قادرة على الانتقال من أفلام فيها أعظم الألغاز التي بحثنا عنها في عينيها، إلى إضحاكنا بصوت عال بسبب ضحكتها الدافئة وحركات وجهها وتلقائيّتها.
تبنّى المخرجون الآخرون نظرة أنطونيوني وفيتّي النسوية، ولكنّ أحداً لم يقدّمها كما قدمها هو


تبنّى المخرجون الآخرون نظرة أنطونيوني وفيتّي النسوية، لكنّ أحداً لم يقدّمها كما قدّمها هو. مع غيره؛ كانت معظم أدوارها كوميدية. تعاونت مع لويس بونويل في «شبح الحرية»، ومع كارلو دي بالما الذي عرف كيف يستفيد منها في الحزن وفي الضحك. دي بالما وضعها هي وكلوديا كاردينال في مغامرة على دراجة نارية في فيلم «شقراء ببزة جلدية سوداء». في نهاية حياتها المهنية، انتقلت إلى الشاشة الفضية، وعملت مع روبيرتو روسّو في فيلمين من إخراجه.
كانت مونيكا فيتّي كل شيء: العميقة، الغامضة، الحسية، الذكية، الشعبية، الحزينة، المرحة، الذكية، اللعوب. ظهرت في السينما في أكثر من خمسين عملاً. في عام 1995، تزوجت من المخرج روبيرتو روسّو، أصيبت بالألزهايمر ولم تظهر إلى العلن لأكثر من خمسة عشر عاماً. في عام 2018، أكّد زوجها أنها لا تزال تعيش في المنزل معه في روما وأنه يعتني بها. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، احتفلت بعيد ميلادها التسعين. وفي 2 شباط (فبراير) 2022، رحلت «ملكة السينما الإيطالية».