يُفترض بالمختصّين في ميدان الترجمة، أكثر من غيرهم ــ بما أنهم أوثق العارفين باختلاط الألسن والأجناس ورواج الثقافات ونسبية المَعارف ــــ أن يتمتّعوا بقسط وافر من اتّساع الآفاق والنزاهة الفكرية البعيدة عن كل حَمِيَّة أو نزوة أو أهواء شخصية. إلّا أنّ هذا لم يكن بتاتاً شيمة مدير «لجنة جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» الإخواني الهوى والمُشيد بتفاهمات الأميركان مع «طالبان» في الدوحة، على أساس أنّها أفضت إلى ما صرّح به، قائلاً: «فَتْح كابول أصبح مَعْلَماً مهمّاً في زماننا». إذ صادر الأحمري، حق المترجم والكاتب السوري ثائر ديب بالحصول على «جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» في «فرع الإنجاز والتميّز لعام 2021» على كامل مشروعه الشخصي. مشروع شخصي أشاد به موضوعياً كلّ من الأكاديميّ الراحل وفيق سليطين، وأستاذ الفلسفة أحمد برقاوي، والراحل سماح إدريس، والأكاديمي والمترجم نوفل نيوف، والأكاديمي الراحل جابر عصفور، والسوسيولوجي التونسي اللامع ومدير «المنظمة العربية للترجمة» الطاهر لبيب، والأكاديمي والمترجم الفرنسي ريشار جاكمون.وكان ثائر ديب قد أطلعنا على مضمون كَمٍّ واضحٌ من الرسائل والمكالمات التي احتفظ بها من ضمن متعلِّقات ترشّحه للجائزة، ويتبين منها أنَّ الأحمري كان صوتاً نشازاً في خروجه على نتائج التحكيم والتصويت، محتجّاً في الأساس على كتاب الإيراني علي الدشتي عن السيرة النبوية، الذي ترجمه ديب («23 عاماً ــــ دراسة في السيرة النبوية المحمّدية» ـــ رابطة العقلانيين العرب ــ 2004). هكذا، استجلب الأحمري شخصاً من خارج اللجنة لكتابة تقرير ضدّ عمله، في ضرب صارخ للوائح الداخلية للجائزة ولنتائج التصويت. ويبدو أن الإرهاب الفكري مورس على أصحابها لحجب الجائزة من أساسها. هذا ما تظهره أيضاً الرسالة المفتوحة التي وجّهها ثائر ديب إلى مجلس أمناء الجائزة. إذ تحدّث فيها عن الحيثيات والملابسات التي رافقت ترشّحه، وكيف أنّه وصله من أحد مسيّري الجائزة الذي اقترح عليه الترشّح للجائزة أنَّ الأحمري «لن يسمح بفوزه ما دام ترجم هذا الكتاب بالذات (كتاب علي الدشتي) على الرغم من رأيه ورأي المسيّر الآخر وليد حمارنة». وأشار ديب إلى امتلاء سجلّ الأحمري «من حيث إدارة الجائزة وتسييرها، بالخروق التي تسيء إلى مبادئها وقواعدها المُعلنة، بدءاً بمنحها في إحدى الدورات لواحدٍ من مسيّريها، في خرق لمبدأ أساس من مبادئها، يمنع من الترشّح إليها أياً من أمنائها أو مسيّريها؛ مروراً بمنحها لمترجمين غير أكفياء (إلى جانب منحها لأكفياء، بالطبع) وحجبها عن بعض مستحقيها لأسباب لا علاقة لها بالترجمة وما يحفّ بها، بل بأهواء الأحمري؛ وصولاً إلى استغلاله عملية الفرز الأولي المناطة بالمسيّرين كي يمنع من الوصول إلى لجان التحكيم المستقلّة كتباً ومترجمين ما كان لأيّ فرز نظيف ومنصف أن يمنعهم من ذلك».
منذ ما قبل 2011، ترك النظام القَطَري، بشكل فاقع، الإخوان المسلمين وباقي تيارات الإسلام السياسي، بما في ذلك حركات السلفية الجهادية، تستحوذ على الكثير من المنابر والمراكز والمواقع الثقافية والفكرية، ويبدو أنّ «جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» لم تكن في منأى عن ذلك. هكذا، غرقت في نزوات شخص أبعد ما يكون عن قيم التفاهم الدولي وبناء جسور التواصل بين الشعوب وتحكيم الضمير بتجرد فكري في تقييم المشاريع الشخصية بحسب الأهداف التي وضعتها الجائزة على سلم أولوياتها!

للاطلاع على رسالة ثائر ديب إلى مدير «لجنة جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» أنقر هنا

سيرة في سطور
اشتغل ثائر ديب (مواليد اللاذقيةــ 1962/ الصورة) خبيراً في مديرية التأليف والترجمة (الهيئة العامة السورية للكتاب ــ وزارة الثقافة)، ثم مديراً للترجمة فيها. أسّس مجلة «جسور» كفصلية تعنى بالترجمة (صدرت عن «الهيئة العامة السورية للكتاب»)، وترأس تحرير أعدادها الخمسة الأولى. وفي الفترة بين 2012 و2014، عُيِّن مدير تحرير لمجلة «تبيُّن» الفصلية المعنية بالدراسات الفكرية والثقافية التي تصدر عن «المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات»، ثم عضواً في هيئة تحريرها لفترة؛ ثم نائباً لمدير وحدة ترجمة الكتب (ترجمان) في «المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات» بين الدوحة وبيروت. بعدها، عُيِّن عضواً في الهيئة الاستشارية لوحدة «ترجمان» في المركز نفسه، فعضواً في الهيئة الاستشارية لمشروع «نقل المعارف» بين اليونسكو ووزارة الثقافة في البحرين. نشر مقالات فكرية ودراسات في الترجمة في مختلف الصحف العربية، كما شارك في عشرات المؤتمرات العربية والدولية المعنية بقضايا الثقافة والترجمة. ترجم مئات المقالات المنشورة في دوريات عربية متخصصة، إضافة إلى ترجمة ما يفوق خمسين كتاباً في صنوف معرفية كثيرة تراوح بين النقد والأدب والفلسفة وعلم النفس والتاريخ والأنثربولوجيا والسياسة وعلم الاجتماع... يجمع بينها كلها انتماؤها للفكر النقدي. في عام 2019، كرّمه «المركز القومي للترجمة» في مصر، بمناسبة يوم المترجِم، بوصفه واحداً من أهمّ المترجمين العرب. ولسنتين على التوالي (2020-2021)، كان عضواً في هيئة تحكيم «جائزة نجيب محفوظ للأدب»، التي تمنحها دار النشر التابعة للجامعة الأميركية في القاهرة. دقّق وراجع مئات الكتب في مديرية التأليف والترجمة (الهيئة العامة للكتاب ــ وزارة الثقافة السورية)، كما في وحدة «ترجمان».