في إحدى الجلسات المغلقة التي جمعت القائمين على الإعلام في الدوحة، مع إعلاميين من جماعة الإخوان أسّسوا قناة «الجزيرة» ولا يزالون يعملون فيها، طلب الإخوان منهم تأسيس محطة ترفيهية تخاطب الجيل الجديد، على أن تشبه إلى حدّ ما «روحيّة» شبكة mbc السعودية التي تُعتبر رقماً ترفيهياً صعباً في المشهد الإعلامي الخليجي، إذ إنّ إعلاميّي المحطة التي تأسّست عام 1996 لا يمكنهم تقديم برامج فنية ترفيهية بسبب الصورة «الجدية» التي طُبعت عنهم وفق ما دار يومها في الاجتماع. من هنا انطلق البحث عن وسيلة إعلامية قطرية جديدة يكون قوامها الترفيه، من دون أن تؤثر على أداء وجمهور الشبكة التي تُعدّ الذراع الإعلامية للسياسة القطرية في المنطقة.من هذا المنطلق، أراد القائمون على الإعلام القطري أن يكون عام 2022 عام بروز الدوحة على الخارطة الإعلامية العربية عموماً، والخليجية تحديداً. بعد غياب قطر عن المنافسة لسنوات طويلة واقتصار وسائلها المرئية على «الجزيرة» و Bein بمحطتَيها الرياضية والدرامية فقط، قرّر صنّاع القرار في الدوحة توسيع خطوتهم نحو الفنّ والترفيه والثقافة... إذ إنّ هذا العالم الذي يستهوي فئة الشباب تحديداً، يشهد حالياً منافسة خليجية تزامنت مع توسّع عالم منصات الـ «ستريمينغ»، لجذب أكبر عدد من المشاهدين.
في الثاني من كانون الثاني (يناير) الحالي، أبصر «العربي 2» النور ليحجز مكاناً له بين الشاشات. هذه الولادة أتت مبكرة نوعاً ما، بعدما استعجلها القائمون على القناة بسبب زحمة الأحداث المقبلة، أبرزها إقامة «المونديال» (كأس العالم) في الدوحة أواخر العام الحالي، ناهيك بالتغيرات السياسية التي طرأت على الإعلام الخليجي عموماً، وتقرّر بموجبها نقل قناة «العربية - الحدث» من الإمارات إلى الرياض بسبب الخلافات بين «الأخوين» السعودي والإماراتي. هذه الخطوة وسّعت دائرة المنافسة الخليجية، وبدأت تسحب من تحت أقدام دبي مكانتها كمدينة إعلامية خليجية.
بعد أقلّ من عام ونصف عام من التحضير وإنجاز الأمور المتعلّقة بالتلفزيون أهمها بناء استديوهات ضخمة في الدوحة لتصوير البرامج، انطلق بثّ القناة مع حلول العام الجديد. أتت هذه الخطوة بعد قرار إدارة الشاشة بإغلاق مكتب «التلفزيون العربي» في لندن حيث انطلق عام 2015، ونقل جميع موظفيه إلى قطر لتعزيز مكانة العاصمة إعلامياً. ورغم أن هذه الخطوة قابلها رفض بعض الموظفين بسبب عدم رغبتهم في ترك لندن لأسباب متعددة، إلا أنها تمّت رغم العثرات. وكما بات معروفاً، فإنّ قرار نقل الشاشة إلى بلدها الأم، نتجت عنه استقالة مدير «التلفزيون العربي» عباس ناصر الذي كان من مؤسسي القناة. استقالة ناصر الذي قرر البقاء في العاصمة البريطانية، تركت فراغاً في «التلفزيون العربي»، لأنّ ناصر كان يقود دفّة المحطة الإخبارية منذ لحظتها الأولى، وخرج منها قبل أن تبصر الشاشة الترفيهية النور.
هكذا، وُلدت «العربي 2» محطة فنية وترفيهية، انضمّت إلى المحطة الأم «التلفزيون العربي» التي باتت تحمل اسم «العربي: أخبار» وتتخصّص في النشاطات السياسية والاقتصادية وتوابعهما. في بيان صحافي وزّعه القائمون على الوسيلة الإعلامية، شرحوا قائلين بأنّه «مع انطلاق القناة الجديدة، تختتم «العربي» عملية تحوّلها إلى قناة إخبارية متكاملة تُعنى بمتابعة الحدث وخلفياته وتقديم الخبر. وسوف تظهر القناة الأصلية من الآن فصاعداً باسم «العربي: أخبار»». وتابع البيان: «على أن يكون الملفّ الصحي وملفّ القضية الفلسطينية من أهم الملفات الحاضرة من خلال البرامج التي تستعد القناة لعرضها».
في هذا السياق، انطلقت «العربي 2» (ترددات نايل سات 11258 H وسهيل سات 11310 V) ببثّ الحلقة الأولى من برنامج «ضفاف»، ولاحقاً كرّت سبحة المشاريع التلفزيونية من بينها الموسم الثالث من برنامج «طرب مع مروان خوري» الذي يتولاه المغني اللبناني مروان خوري. كذلك، تعرض القناة الوليدة مروحة برامج ترفيهية تُعنى بالسفر والطبخ والفنّ. أما البرنامج الذي سيكون تحت الأضواء، فهو «صباح النور» الذي يُعتبر جولة صباحية على النشاطات الفنية والثقافية والاجتماعية في العالم العربي. لكنّ البرنامج يواجه تحدّيات جمّة وسط البرامج الصباحية الأخرى، بخاصة أن مدّة عرضه طويلة (تتخطى الثلاث ساعات). لعلّ أهمّ الإنتاجات المتوقعة لـ «العربي 2» هو مسلسل «بستان الشرق» الذي تنتجه شركة «ميتافورا» خصيصاً للقناة، ويُعرض خمسة أيام أسبوعياً. المسلسل (تأليف الكاتب السوري ممدوح حمادة وإخراج محمد خير العمري) لن يمتدّ على حلقات عدّة، بل سيكون على مواسم متتالية وربما يستمرّ عرضه على مدى أربع سنوات، بحسب الأخبار المتداولة. يشارك في الـ «سيتكوم» نجوم عرب من بينهم مازن الناطور، وأندريه سكاف، وعبد الحكيم قطيفان، ومحمد حداقي، ونزار أبو حج من سوريا. ومن لبنان عباس شاهين، ومن مصر منى هلا وأحمد سلطان ومحمد جمال خضر، ومن فلسطين حسن عويتي، ومن الأردن عمر زوريا، ومن قطر فيصل رشيد، وغيرهم. يُصوّر البرنامج في أحد فنادق الدوحة، وينقل حياة مجموعة من النزلاء من مختلف الجنسيات، مستعرضاً معاناتهم سياسياً واجتماعياً في الدول العربية.
هكذا، كانت الأجواء كلّها مهيّأة لولادة التلفزيون الذي يديره الكاتب عزمي بشارة وأعوانه، لكن كيف ولماذا أبصرت «العربي 2» النور؟ يأتي المولود الجديد في ظلّ ظروف سياسية وإعلامية يعيشها الخليج. تلفت مصادر لـ «الأخبار» إلى أن القطريين قرروا إنشاء «مدينة إعلامية» تشبه النموذج الذي شكّلته دبي. وتوضح المصادر أنه في الوقت الذي قرّرت فيه السعودية نقل مكاتب قناتها «العربية الحدث» (ولاحقاً شبكة mbc و «الشرق») من دبي إلى الرياض بقرار من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، تأتي ولادة «العربي 2» لتعزز مكانة الدوحة وتوجيه الأنظار إليها، مع العلم أن الدوحة كانت غائبة عن السباق الإعلامي الترفيهي، مكتفية بـ «الجزيرة» التي خاضت أشرس الحروب الإعلامية الخليجية في الأعوام الأربعة الأخيرة بعدما اشتدّ الصراع بين الأشقاء الخليجيين.
في هذا الإطار، باتت المدن الخليجية الثلاث أيّ الدوحة والرياض ودبي، تتنافس على استقطاب المشاهدين بعدما كانت الإمارات هي المسيطرة طوال سنوات. وعليه، يمكن القول بأنّ 2022 هو عام الصراع الإعلامي الخليجي بين الأشقاء الثلاثة الذين لا تخلو علاقتهم من صراعات داخلية طفت مراراً إلى العلن. وستعمل كل شاشة على تلميع صورة الحاكم وتمرير أجندته السياسية.
«العربي 2» لم تبرز بعد هُويتها الإعلامية وهنا تكمن المشكلة


وتلفت معلومات لـ «الأخبار» إلى أن مشروع «العربي 2» لا يزال في المقتبل ويحتاج إلى التطوير، على أن تتبعه خطوات عدّة من بينها الإنتاج الدرامي وإنشاء المنصات، وتقديم نسخات عربية من برامج أجنبية تُعنى بمجال الغناء واكتشاف المواهب، أيّ ما يشبه البرامج التي تقدّمها شبكة mbc. وتوضح المصادر أن القناة تعيش امتحاناً منذ يومها الأول، فهي أتت في وقت يعاني فيه الإعلام من مشاكل عدّة إثر الحرب الخليجية على اليمن، إلى جانب الأزمات الاقتصادية، ناهيك بتداعيات انتشار كورونا على قطاع الإعلام. وماذا عن المنافسة؟ يجيب المصدر بأنّ القناة ستسعى إلى «استقطاب جيل شبابي بمروحة برامج متنوّعة. ومع حلول شهر رمضان (في نيسان المقبل)، ستطلق برمجة جديدة عبارة عن برامج ومسلسلات من وحي المناسبة، ناهيك بتحضيرات «المونديال»».
على الضفة نفسها، تلفت المعلومات إلى أن اللافت أن «العربي 2» لم تبرز بعد هُويتها الإعلامية وهنا تكمن المشكلة، إذ إنّها تتخبط منذ لحظاتها الأولى بشأن كمية البرامج التي تعرضها والمحتوى الجديد الذي ستكشف عنه. وتشير المعلومات إلى أن انطلاقة الشاشة كانت عادية جداً، مع العلم بأنّ الميزانية التي وُضعت لها كبيرة، لكنّ هناك خوفاً من فشل المشروع بسبب غياب قيادة تحدّد له هُوية إعلامية واضحة. يبقى أنه لا يمكن فصل المشهد السياسي عن ولادة «العربي 2» التي أتت في وقت يشهد فيه الخليج العربي موجة تطبيع مع العدو الإسرائيلي. فأيّ رسائل سياسية ستمرّرها الشاشة الجديدة ولو تحت ستار الفنّ والترفيه؟ وكيف سيتلقّف الشباب الخليجي هذه التجربة التي يمكن وصفها بأنّها متأخّرة نوعاً ما؟.