صيف لا يُقهر

  • 0
  • ض
  • ض

منذ حوالي عامين، توقّفت الأرض عن الدوران. الأزمة الوبائية زجّتنا في صوامعنا، أحدثت تحوّلاً، نزوحاً افتراضياً للخشبة والفن السابع وغيرهما من الفنون، أفرزت مفردات وظواهر وحتى «ثقافة» خاصّة بها. هذا على كوكب الأرض الذي حاول إيجاد توازن ما على حبل الجائحة. لكن هنا تحديداً، فوق هذه البقعة، توقّفت الأرض تماماً عن الدوران. مشهد أبوكاليبتي، أضافت إليه الروايات «الشعبية» شكلاً أشد رعباً. بيروت المستوحشة بظلمتها، بكربها، بضيقها، بظلامها، استحالت سجناً كبيراً لقاطنيها، لا يملكون ترف الهجرة ولا المواصلة بأدنى مستويات العيش. يُحكى عن أُناس، مواطنين، أفراد يضعون أكياساً سوداء على رؤوسهم ويخرجون ليلاً للبحث في مستوعبات النفايات عما يسدّون به رمقهم. الشوارع المظلمة استحالت مكبّ نفايات شاسعاً. حوادث انتحار، ونشل وسرقة، وهجرة، والناس زومبي يسيّرون حياتهم بلا «أوهام». وسط هذا الظلام الممتدّ، «جمهوريات» صغيرة مضيئة بليل السهر و«الفريش دولار». حتى بات «الخلاص» الفردي إنجيلاً للهالكين. حين أردنا إنجاز حصاد العام 2021 الثقافي في لبنان، وقفنا حائرين: الأحداث والأنشطة مشتّتة هنا وهناك ـ كمبدعي المدينة ـــ تعدّ على الأصابع، معظمها لا يرقى ليكون حدثاً في جردة العام، خصوصاً لبيروت التي كانت تنغل بأفكارها ومبدعيها ومهرجاناتها و«صورتها» المبهرجة التي عرفت تماماً كيف تسوّقها «منتوجاً» جذاباً للخارج. بيروت تخلّت عن نفسها في ظرف عام أو اثنين، استحالت قرية نائية مسكتينةً بضجرها ووحشتها ووحدتها. الدعم المالي الخارجي للمبدعين، رمى حجرة في المياه الراكدة. لكن إلى أي مدى كانت «الغلّة» أصيلةً؟ وحده الزمن كفيل بالإجابة. نعرف أنّ من رحم الأزمات والحروب والخراب و«التروما» (الدارجة هذه الأيام)، تولد حركات ومدارس وتيّارات فنية جذرية. من عباءة الحرب العالمية الأولى، خرجت السريالية والدادائية وغيرهما من الاتجاهات في الفن والأدب والفكر والفلسفة والشعر... وبيروت، بليلها الطويل اليوم، الذي تنبت على حوافه تجارب ورؤى فنية «هامشية» هنا وهناك، تنظر إلى التاريخ بعين، وترنو إلى الغد بأخرى، تضمّ تعويذةً سحريةً إلى صدرها، ولسان حالها كما ألبير كامو «في عمق الشتاء، أدركتُ أنّ بداخلي صيفاً لا يُقهر».

0 تعليق

التعليقات