كان فيلم «رجل الملك: الخدمة السرية» (2014) مفاجأة سارة، لا سيّما أنّ أبطال القصّة الهزلية هم عملاء سريّون بريطانيّون يجسّدون الأناقة والنُبل. الجزء الثاني «رجل الملك: الدائرة الذهبية» (2017) كان أقل تأثيراً. ورغم أنه لم يكن سيّئاً بتاتاً، إلّا أنّه حمل بالتأكيد عيوب الفيلم التكميلي النموذجي. هذا هو السبب الذي دفع مخرج الأفلام السابقة ماثيو ڤون إلى تبنّي اتجاه مختلف تماماً في الجزء الجديد والعودة إلى الوراء، إلى أصول المنظّمة السريّة. هذه السنة، وصل الجزء الثالث من السلسلة «رجل الملك» إلى الصالات. فيلم ليس منعشاً وجديداً كالجزء الأول، لكنه أفضل من الثاني. تبدأ قصة «رجل الملك» عام 1902، عندما زار دوق أوكسفورد (رالف فينيس) الجنود الإنكليز الذين يقاتلون في حرب البوير. خلال الزيارة، يتعرّض الجنود لهجوم فتُصاب زوجة الدوق وتموت. الدوق يعد زوجته المحتضرة بحماية ابنهما وإبعاده عن كل أنواع الحروب. بعد 12 عاماً، أصبح الأمر أكثر صعوبة.

الابن كونراد (هاريس ديكنسون) يريد الانضمام إلى الجيش لـ «خدمة وطنه» مع اندلاع الحرب العالمية الأولى. بعد 20 دقيقة من الفيلم تقريباً، يبدأ باتخاذ منحى أكثر تشويقاً، بالتحديد مع بداية الحرب العالمية الأولى وظهور الشخصيات التاريخية الحقيقية التي يلعب بها ماثيو ڤون كيفما يريد، ويعبث بالتاريخ بكثير من المرح. سيتعيّن على كونراد، الحريص على خدمة بلاده، التعامل مع الحماية الزائدة والموقف المناهض للحرب الذي يتّخذه والده، الذي يُدير سراً حلقة التجسّس الصغيرة التي رأيناها في الفيلمَين الأولين. تبدأ الحرب العالمية، فيتعيّن على رجل واحد والمنظمة السرية التسابق مع الزمن لوقف العقول المدبّرة والإجرامية التي تحاول القضاء على ملايين البشر. الفيلم لا يأخذ نفسه على محمل الجد، وكذلك علينا ألا نحمّله أكثر ممّا يحتمل. ماثيو ڤون جمع الشخصيّات التاريخيّة ووضعها في فيلمه كيفما أراد. أعاد كتابة التاريخ كما يريد. هربرت كتشنر، وغريغوري راسبوتين، وايريك جان هانوسن، والملك جورج، وفرانس فرديناند، وفيلهلم الثاني، ونيقولا الثاني، وڤلاديمير لينين وحتى أدولف هتلر كلّهم استحالوا جنوداً عند ماثيو ڤون ليشكّل تاريخه الخاص.
مبارزات راقصة لا تنسى، مثل مشهد مبارزة راسبوتين


من الطبيعي أن يكون الفيلم الأول من هذه السلسلة هو الأفضل، لكن تغيير النغمة والنوع في الجزء الثالث نادراً ما يحدث، وهذا يسجَّل لصالح الفيلم والمخرج. «رجل الملك» فيلم مناهض للحرب، ينتقد الاستعمار البريطاني (بنعومة)، ويناقش وطنية المملكة المتحدة. قصة جديدة عن تأسيس المنظمة السرية، وأي شخص يعرف الفيلمين السابقين واستمتع بهما، يصعب أن يستمتع بالفيلم الجديد، لكن من الجيد مشاهدته فقط للمحاكاة الساخرة للتاريخ التي اعتمدها المخرج. بنقص في العنف والدماء التي كانت علامة الفيلمين السابقين، يمنحنا الفيلم الجديد مغامرات تاريخية وتسلسلات الحرب بنبرة كلاسيكية. مشاهد العنف والدماء استُبدلت بمشاهد المعارك والمبارزات الراقصة التي لا تنسى، مثل مشهد مبارزة راسبوتين.


يترك ڤون الحرب العالمية الأولى بين أيدي الملوك الأطفال ذوي الشوارب. بطريقة كاريكاتورية، يرسم شخصيّاتهم ويصنع فيلماً يلعب دور دراما حرب وقصص جاسوسية مع العبث التاريخي الفكاهي. أفلام «رجال الملك» من بينها الشريط الحالي، نحبّها بتناقضها بين العنف والفكاهة، والمظهر الخبيث للشخصية البريطانية، وكيف أنّ كل شيء يتعلق بأناقتها كأنّنا أمام زيّ في حفلة تنكّرية. يعرض ماثيو ڤون مرة أخرى قدرته الخارقة على الانتقال بسلاسة بين الكوميديا والتوتّر وبين الإثارة والدراما، يمكن للمشاهد أن يبتسم ويستمتع بمشاهد الأكشن. وبعد ثوان يتلقّى ضربة عاطفية رهيبة بأكثر الطرق غرابة وغير المتوقعة.
بشكل عام، الجزء الجديد من سلسلة «رجال الملك» فيلم متوسط، مغامرة ممتعة كان من شأنها أن تحمل الكثير من الحلول الجريئة والنضارة المنعشة، لكن المخرج قرّر أن يعود للماضي. وعلى الرغم من أنّه نجح في مكان ما، خصوصاً في المحاكاة الساخرة للتاريخ وشخصيّاته، إلّا أنه أفرغ السلسة ممّا كان يميّزها وأضعفها بتقليل الفكاهة والإثارة. مع ذلك، «رجل الملك» هو أفضل أفلام الكتب الهزلية لعام 2021 رغم أنّه لا يحتوي على الكثير من التأثيرات الخاصة والميزانيات المرتفعة التي تذهب إلى أفلام «مارڤل».

The King’s man
في الصالات