كورونا والمنافسة المحتدمة على صعيد البثّ التدفّقي. عنوانان أساسيّان طبعا المشهد الدرامي في العام المنصرم، عالمياً وعربياً. فعلى الرغم من «الانفراج» الذي شهدته صناعة المسلسلات والسينما خلال 2021، إلّا أنّ الضبابية عادت إلى الواجهة مع اقتراب السنة إلى نهايتها مع انتشار متمحوّر «أوميكرون». وإن كان لا يبدو أنّ الخسائر ستكون «فادحة» كالسابق، في ظلّ غياب الميل صوب الإغلاق الشامل. هكذا، يحاول القائمون على المشاريع والأحداث السينمائية والدرامية التأقلم مع الواقع الجديد وتفادي السلبيات التي قد تتأتّى عن الأزمة الصحية العالمية. في هذا السياق، نرى مثلاً مهرجانات تتبنّى صيغاً هجينة (الدورة المرتقبة من «مهرجان صندانس السينمائي» للمرّة الأولى في تاريخه) فيما تتّجه الأنظار صوب الدورة الرابعة والتسعين من الأوسكار وغيرها من احتفالات توزيع الجوائز الشهيرة.عالمياً، واصلت شبكات الـ «ستريمينغ» التوسّع في بقاع الأرض المختلفة، محاولةً استقطاب المزيد من الجمهور. مثلاً، انطلقت في تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي HBO Max في أوروبا، في ظلّ تنافس شديد يشهده سوق خدمات البثّ التدّفقي، بعدما سبقتها إليه منصات عملاقة أبرزها «نتفليكس» و«ديزني بلاس» و«أمازون برايم فيديو» و+Apple TV.
قبل ذلك، أبصرت «باراماونت بلاس» النور، على أمل أن تساعد في تعظيم أرباح أفلام استديوات «باراماونت» للإنتاج التي تأثّرت بشكل كبير جرّاء جائحة كورونا. وتوفّر هذه المنصّة للمستخدمين محتوى أرشيفياً واسعاً ومنوّعاً، فيما تحمل في جعبتها أيضاً أفلاماً جديدة بعد شهر أو 45 يوماً من عرضها في السينمات.
أما «ديزني»، فأوضحت في أيلول (سبتمبر) أنّ كلّ الأفلام التي تنوي عرضها في غضون نهاية السنة ستقدّم بداية في صالات السينما قبل أن تتوافر لجمهور الـ «ستريمينغ»، قاطعةً الشكّ باليقين بالنسبة إلى القائمين على قاعات العرض السّاعين إلى استقطاب الجمهور من جديد.
وفي أقلّ من عامين على انطلاقتها، باتت «ديزني بلاس» تضمّ 116 مليون مشترك، بما فاق بأشواط توقّعات محلّلي السوق، بعدما سجّلت حوالى 12مليون اشتراك إضافي منذ أواخر آذار (مارس) الماضي. هنا، رجّحت شركة Ampere Analysis أن تتفوّق +Disney على Amazon Prime Video في عام 2024 لتصبح ثاني أكثر خدمات البث شهرة في العالم. وتابعت: «ستظلّ Netflix في المقدّمة حتى عام 2025 على الأقل، عندما يتوقّع أن يصل عدد المشتركين إلى 247 مليوناً و286 مليوناً على التوالي. ومع ذلك، مع الأخذ في الاعتبار +ESPN وHulu، ستتقدّم شركة Walt Disney بشكل عام على Netflix في غضون عامين أو ثلاثة». وفي خطوة تشكّل مؤشراً جديداً إلى تطبيع العلاقات بين هوليوود و«نتفليكس»، وقّع السينمائي الأميركي ستيفن سبيلبيرغ، من خلال شركته «أمبلين بارتنرز»، اتفاقاً لإنتاج أفلام عدّة سنوياً لصالحها.
تتمتّع «شاهد» بميزانية هائلة رُصدت لها منذ 2019 بطلب من محمد بن سلمان


في غضون ذلك، بقيت عيون شبكات البثّ التدفّقي شاخصة على السوق العربية، وسط النشاط الذي شهدته من قِبل لاعبين محليّين. أبرز هؤلاء منصة «شاهد VIP» المنضوية تحت مظلّة شبكة mbc السعودية والتي تتمتّع بميزانية هائلة (مليارات الدولارات) رُصدت لها منذ 2019 بطلب من ولي العهد محمد بن سلمان، ضمن الجهود الرامية إلى منافسة «نتفليكس» وأخواتها وجذب أكبر عدد من المتفرّجين العرب. خطوة تندرج بطبيعة الحال ضمن خطة MBS لتلميع صورته والترويج للمملكة في عهده على أنّها محطّة ترفيهية وفنية عربية رئيسة. بناءً على هذه المعادلة، يُراد للرياض أن تستحيل وجهة إنتاجية عربية، وإن كانت الأسماء الأجنبية (خصوصاً البريطانية منها) تغلب على فرق تنفيذ الإنتاج. وفي هذا السياق، لا بدّ من الإشارة إلى أنّه مع «الفورة» التي يشهدها «شاهد» لم تعد قنوات mbc تتمتّع بالأهمية نفسها لناحية إطلاق الأعمال الدرامية. فعلى سبيل المثال، تبصر غالبية المسلسلات المهمّة النور عبرها بعد 24 من وصولها إلى «شاهد». وبما أنّ لصناعة الدراما على هذه الأخيرة خصوصيّتها وشروطها، راحت شركات الإنتاج تتقيّد بسياستها. ورأينا في 2021 على «شاهد» و«نتفليكس» وosn مسلسلات بالجملة ناطقة بلغة الضادّ، خرجت مروحة واسعة منها مخيّبة للآمال مع استثناءات معدودة. اعتمدت هذه الأعمال على نصوص منوّعة بين الدراما النفسية التشويقية التي تكسّبت شعبية واسعة على امتداد العالم في الآونة الأخيرة («دور العمر»، «قيد مجهول»، «بارانويا»...) والكوميديا والرعب والفانتازيا والأحداث الخارقة للطبيعة (ما وراء الطبيعية المستوحى من سلسلة روايات شهيرة للكاتب المصري الراحل أحمد خالد توفيق)، من دون أن تخلو من قصص الحبّ والرومانسية. وكان لافتاً الاتكاء إلى قوائم أبطال مرصّعة بالنجوم، ناهيك عن أسماء مخرجين خاض بعضهم تجاربهم الدرامية الأولى. ومن بين هؤلاء هناك اللبنانيّين رندة علم، ليال راجحة، سعيد الماروق، جو بو عيد، أمين درّة وآخرين.
صحيح أنّ هذا الوضع أفقد رمضان رونقه وأهميّته كأبرز موسم درامي على امتداد العالم العربي مع اكتساح المسلسلات القصيرة، غير أنّ السباق في شهر الصوم لم يخلُ من الإنتاجات التي تابعها الملايين. باللحم الحيّ! هكذا يمكن وصف عملية ولادة الدراما اللبنانية ومشاركتها في السباق الرمضاني لعام 2021. الأزمة الصحية معطوفة على الأزمة الاقتصادية والمالية دفعتا هذه الصناعة، التي تعاني أصلاً من مشكلات وآفات وعقبات كثيرة تحول دون تطوّرها، إلى تقليص عدد المسلسلات التي تضعها في متناول المشاهد في شهر الصوم. ومع عيش المنتجين على وتيرة الدولار المتصاعد بجنون، أمسى حال هذه الصناعة من حال المجتمع اللبناني الرازح تحت المصائب (أنظر مقال الزميلة زكية الديراني).
ورغم الجائحة وما تسبّبت به من تدمير لصناعة السينما والدراما، ما دفع أكبر كيانات الإنتاج في العالم إلى الانحناء أمام المأساة وتقليص أو إلغاء خططها الإنتاجية، إلا أنّ الدراما المصرية ظلّت حيّة في عالم آخر، لم يسمع عن «كوفيد-19» ولم يكتوِ بالأزمة الاقتصادية. إذ وصل عدد المسلسلات التي أنتجتها الشركات المصرية لموسم رمضان 2021 إلى ما يقرب من الثلاثين (أنظر مقال الزميلة شيماء سليم).
بدورها، تمكّنت المسلسلات الخليجية من تحدّي إجراءات الحدّ من انتشار كورونا، فيما انحصرت المنافسة في شهر الصوم بين العمالقة، في ظل عدد الأعمال الذي اعُتبر قليلاً نسبة إلى ما كان يتم إنجازه في زمن ما قبل الوباء.
في سوريا، يمكن القول إنّها شهدت سنة جديدة من التراجع رمضانياً، إذ لم يحقق أي عمل أصداءً تساعد في اعتباره قد صنع صدمة إيجابية للصناعة الشامية الأبرز (أنظر مقال الزميل كنعان).
وفي خضمّ كلّ المتغيّرات الدرامية المتسارعة، ومع استفحال الأزمة الصحية العالمية والضائقة المالية، فضلاً عن تبعات انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب (أغسطس) 2020 على أصعدة مختلفة، ظلّت المسلسلات المشتركة حاضرة في رمضان 2021، وإن كان العدد متواضعاً مقارنةً بالأعوام السابقة. وهي التي شكّلت منذ سنوات تجربة جديدة كانت عُرضةً لسيل من الانتقادات، وإن أمّنت بالنسبة إلى بعض الممثلين ــ خصوصاً السوريين ــ ملاذاً ومتنفّساً في ظل تأزّم الأوضاع في وطنهم بسبب الحرب المستمرّة منذ عقد. وبالتوازي، ربّما ساهم هذا الصنف في تأمين انتشار عربي أوسع بالنسبة إلى كثير من الفنانين، ولا سيّما اللبنانيين.
بالتوازي مع الزحمة التي تشهدها أروقة «شاهد»، تبرز إلى الواجهة منصّات عربية أخرى تحاول حجز مساحة، ولو متواضعة، لنفسها، نذكر منها: «ويّاك»، !WATCH iT و«جوّي». ومع تحوّل لبنان إلى مجرّد مكان لتصوير المسلسلات لأسباب عدّة، على رأسها الكارثة المالية التي يعانيها وأزمة العلاقات اللبنانية ــ الخليجية، شكّلت بيروت في الأشهر الماضية نقطة التقاء لعدد من النجوم السوريين الذين صوّروا مسلسلات قصيرة، أمثال تيم حسن وقصي خولي ومكسيك خليل...
على المقلب الآخر، صارت اسطنبول وجهة أساسية لمنتجي المسلسلات، ولا سيّما تلك التي تندرج ضمن إنتاجات «شاهد» الأصلية، مع مواصلة الرهان على تعريب مجموعة من الأعمال الدرامية التركية الناجحة.