على وقع المصالحة الخليجيّة التي اكتملت في مدينة «العلا» السعودية خلال شهر كانون الثاني (يناير) الماضي، دُشّنت مرحلة جديدة في بداية 2021، لتُطوى بعدها الأزمات المشتعلة في الخليج بين قطر من جهة، والسعودية والإمارات من جهة أخرى. مصالحة جرّت خلفها مجموعة تغيّرات لا يمكن أن تُعدّ جذرية لجهة التعاطي الإعلامي بين الجبهتَين، بعدما أُشبعت الدوحة بسيل من الهجوم و«تشويه الصورة». هكذا، تبدّلت الأجندات السياسية والإعلامية، مع فتح الحدود مع قطر، واستئناف العلاقات الديبلوماسية والتجارية معها. حلّت المصالحة بعد عقد كيان الاحتلال الإسرائيلي اتفاقيّات التطبيع بكل أشكاله مع بعض الدول الخليجيّة، ومحاولة تكريس «إسرائيل» على أنها «دولة سلام»، في مقابل طمس متزايد للقضية الفلسطينيّة، وكي الوعي العربي حيالها. لكن في بداية أيار (مايو) 2021، أطلّت معركة «سيف القدس» لتقلب المعادلة. في الأثناء كانت مصر تشهد حركة نشطة تمثّلت في تعزيز سطوة نظام عبد الفتاح السيسي، الذي أطبق بفكّيه على الإعلام، ليحوّله إلى مجرّد مساحات للترفيه، وانتقال العديد من الوجوه الإعلامية السياسيّة المعروفة إلى خانة البرامج الفنية والاجتماعية. وفي أقل تقدير، تعرّض إعلاميّون معروفون للإقصاء على خلفيّة محاولتهم رفع الوعي لدى الجمهور من بوابة البرامج الاجتماعية. تزامناً، سجّل تقارب بين تركيا ومصر، أطاح بالتالي بالقنوات والأصوات «الإخوانية»، التي اتخذت من أنقرة مقراً لها للهجوم على نظام السيسي. ترافق ذلك مع إيقاف العديد من الصحف الورقية، خصوصاً المسائية في القاهرة. ولعلّ الأخطر كان تحويل المباني التاريخية التي احتضنت المؤسسات الإعلامية العريقة إلى مساحات للاستثمار التجاري. في تونس، خلقت حركة الرئيس قيس سعيد، من تجميد البرلمان وإقالة رئيس الحكومة، أزمةً موازيةً في الإعلام، تمثّلت في اقتحام مكتب «الجزيرة» في تونس، وطرد العاملين. كما نال الصحافيّون والمصوّرون نصيبهم من الاعتداء بُعيد تقرير حركة «النهضة» الإخوانية تنظيم احتجاج ضد قرارات الرئيس التونسي. وفي الجزائر، «أعيد تنظيم» القطاع الإعلامي، بعد سحب العديد من اعتمادات القنوات الأجنبية
يعتزم «التلفزيون العربي» الإنتقال الى الدوحة في منتصف العام المقبل


«سيف القدس»: احتدام المعركة الافتراضية
في أيار (مايو) الماضي، انطلقت معركة «سيف القدس» في فلسطين المحتلة، بعد محاولة الاحتلال إخلاء البلدات القديمة في القدس المحتلة، على رأسها حي «الشيخ جراح»، واقتحامه «المسجد الأقصى»، وقصفه بعدها المنشآت في غزة، والتجزير بالمدنيّين. معركة أعادت البوصلة إلى فلسطين، وإلى المقاومة المسلّحة، وأيضاً إلى أهمية الشبكات الاجتماعية الافتراضية التي لعبت دوراً أساسياً في هذه المعركة من خلال كشف ممارسات الاحتلال في البلدات الفلسطينيّة. أمر أدّى إلى اعتقال الناشطين البارزين في هذه المعركة الافتراضية أبرزهم الناشطة منى الكرد، التي لعبت دوراً أساسياً في تسليط الضوء على قضية «الشيخ جرّاح» في القدس المحتلة وعلى حملات التهجير التي يقودها الصهاينة. يُضاف إليها، التضييق القاسي على المحتوى الفلسطيني من قبل فايسبوك وإنستغرام، سيّما ذلك الذي يُظهر وحشية الاحتلال واعتداءاته على المدنيّين والصحافيّين في غزة. تضييق تجلّى في رضوخ هذه المنصّات لكيان الاحتلال، وحذفها أيّ مضمون يُشير إلى الجرائم التي تُرتكب في غزّة. شكّلت منصّة «تيك توك» في هذه المعركة المتنفّس الأبرز للصحافيّين والناشطين الذين لجأوا إلى مساحة كانت تعدّ ترفيهية. وإذ بها تسهم في تحشيد المقدسيّين ومساندة المشتبكين مع قوات الاحتلال عبر الانتشار السريع للفيديوات، وبالتالي تفاعل الناشطين بشكل مباشر. ولعلّ تدمير «برج الجلاء» في غزة على مرأى العالم في الأول من حزيران (يونيو) الماضي، شكل الصورة الوحشية الأبرز للاحتلال مع تهديمه برجاً (13 طبقة) يضم 30 مؤسسة إعلامية. اعتداء اندرج، بطبيعة الحال، ضمن محاولة الاحتلال طمس الصوت والصورة في غزة، وسط صمت دولي وحقوقي على ما أقدمت عليه «إسرائيل». أضف إلى ذلك الاعتداءات على الصحافيّين واعتقالهم ومنعهم من نقل ممارسته الوحشية في القدس وكذلك في غزة. وفي الحادي والعشرين من أيار (مايو) بُعيد إعلان وقف إطلاق النار في غزة بعد 11 يوماً من العدوان، أعلنت المقاومة الفلسطينية انتصارها، على إثر صمودها طيلة أيام هذا العدوان ومواصلتها إطلاق الصواريخ التي وصلت إلى عمق الأراضي المحتلة. بعدها، انبرت المنصّات الخليجيّة للتشكيك في تحقيق المقاومة هذا النصر، وراحت تقزّم إمكانياتها، وتركز على الخسائر المادية والبشرية التي أحدثها العدوان، في محاولة لمساندة الاحتلال المهزوم أصلاً في غزة.

أعادت معركة سيف القدس البوصلة الى القضية المركزية في فلسطين (عن الإنترنت)


«التلفزيون العربي» إلى الدوحة و«العربية» إلى الرياض
في أيلول (سبتمبر)، الماضي، أعلن «التلفزيون العربي» الذي انطلق عام 2015 في لندن، عن انتقال مقرّه إلى الدوحة. خبر أثار بلبلة لدى الموظّفين الذين لا ينوون الانتقال إلى قطر، وترك العاصمة البريطانية. خبر تزامن مع إعلان ولادة شاشة أخرى، تحمل اسم «العربي 2»، تُعنى بالترفيه إلى جانب القناة الأساسية الإخبارية، في سبيل دخول المحطة القطرية مجال المنافسة مع الشبكة السعودية mbc، وتطبيق «شاهد»، والاستحواذ على المتابعين الخليجيّين من خلال بوابة الترفيه والدراما والفن. قرار انتقال «العربي» إلى الدوحة، تزامن مع إعلان موازٍ لقناة «العربية» بالانتقال من دبي إلى الرياض، بعد قرابة 18 عاماً من تمركزها هناك، ضمن مهلة لا تتعدى منتصف العام المقبل. أجواء من الحيرة سادت بين الموظّفين، قابلها تقديم تسهيلات بالجملة لمن يودّ الانتقال إلى العاصمة السعودية، في قوانين العمل وحركة التنقل والمعيشة. تأتي الخطوة ضمن خطة سَعوَدة القناة، بعد استغنائها في الأصل عن العديد من الموظفين متعدّدي الجنسيات. في التوازي، توجّهت الأنظار إلى شبكة mbc، وقرار انتقالها إلى الرياض أيضاً، من دون تحديد موعد ثابت. وجاء إعلان الشبكة السعودية عن تعليق عمل مكتبها في بيروت كورقة ضغط اندرجت ضمن المعركة الخليجية الدائرة والمفتوحة على الوزير السابق جورج قرداحي.

السيسي يبتلع الإعلام
حركة إعلامية لافتة شهدتها مصر، في 2021، تقاطعت مع حركة سياسيّة أدّت في نهاية المطاف إلى قلب الطاولة على الإعلام المصري المعارض المتمركز في تركيا وكتم صوته بعد التقارب بين المحروسة وأنقرة. فقد أوقفت تركيا، في منتصف العام الحالي، كافة البرامج السياسية على القنوات المعارضة المصرية، التي يدور أغلبها في فلك «الإخوان»، بعد التقارب التركي ــ المصري، وصولاً إلى طلب أنقرة من هذه القنوات الامتناع عن بث أي مضمون «معاد» للدولة المصرية تحت طائلة وقف البث بشكل نهائي. على المقلب القطري، سجّلت عودة «الجزيرة» إلى القاهرة في آب (أغسطس) الماضي، بُعيد إغلاق استمر ثماني سنوات، على خلفية أحداث «ثورة يونيو»، مع تحسن العلاقات القطرية ــ المصرية. عادت الشبكة القطرية إلى البثّ من هناك، وتصدّرت المشهد مراسلتها الفلسطينيّة شيرين أبو عاقلة التي تابعت وقتها زيارة وزير الخارجية الجزائري إلى مصر. وفي الداخل، قرّرت «الهيئة الوطنية للصحافة» في أيلول (سبتمبر) الماضي، وقف طباعة ثلاث صحف مسائية: «الأهرام» (مؤسسة الأهرام)، و«الأخبار» (أخبار اليوم)، و«المساء» (دار التحرير للطبع والنشر)، وتحويلها إلى إصدارات إلكترونية. قرار تزامن مع بيع «الأهرام» وحداتها السكنية في منطقة «غاردن سيتي»، وفي «الجيزة»، وتحويل مبناها في شارع «الجلاء» إلى مجمّع للبنوك ولشركات الأموال والأعمال. وتوقّع مراقبون أن تلجأ «الهيئة الوطنية للصحافة» إلى دمج بعض المؤسّسات الصحافية، المملوكة من الدولة، بهدف خفض الإنفاق وتقليص مديونيّتها لدى مصلحة الضرائب و«هيئة التأمينات الاجتماعية». وعلى خط الإعلام المرئي، الذي تستحوذ عليه المخابرات المصرية، تدهورت الأحوال، واستُبعدت وجوه إعلامية معروفة، وأخرى بقيت مع استغنائها عن السياسة ودخولها فلك الترفيه والفن. وكان لافتاً استبعاد الإعلامي المصري محمود سعد، عن شاشة «النهار»، بعدما أُقصي قبلاً عن البرامج السياسية، ودخل ضمن سلّم البرامج الاجتماعية. استبعاد سعد، تزامن مع إقصاء إعلاميّتين مصريّتين هما مفيدة شيحا وسهير جودة عن شاشة cbc.
تضييق على المحتوى الفلسطيني على فايسبوك وانستغرام، وبروز «تيك توك» منصّة بديلة خلال معركة «سيف القدس»

لكن ظلّ الخبر الأبرز لهذا العام، استبعاد تامر مرسي، الرئيس السابق لـ«الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» الذي يُعرف بالرجل الأوحد في الإعلام المصري. أُقصي الرجل بعد قضائه خمس سنوات، على رأس هذه الشركة، بعد تردّد معلومات عن استياء رئيس «هيئة التّرفيه السعودية»، تركي آل الشيخ منه وبثّ شكواه إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عن تقييد مرسي حركة الاستثمارات السعودية داخل المحروسة. هكذا، لبّى السيسي الطلب ونزل عند رغبة آل الشيخ في الاستبعاد، بعد توقيع «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» بروتوكولاً مع مجموعة mbc فور حصول عملية الإقصاء.

«رقابة» للكوبي أليكس فالغو شانغ (cartoonmovement.com)


تونس: انقسام وإغلاق قنوات
في تموز (يوليو)، تعرّضت تونس لخضة سياسية واسعة، تمثلت في إقدام رئيس البلاد قيس سعيد على تجميد البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، إلى جانب إقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي. خطوة أثارت البلبلة في تونس، وأثرّت بشكل مباشر على القطاع الإعلامي المنقسم بين تأييد لقرارات الرئيس وبين أحزاب «الإخوان» التي رأت فيها «انقلاباً» في البلاد. فقد تعرّض مكتب «الجزيرة» على هذا الأثر إلى اقتحام من قبل قوات الأمن، التي طردت العاملين فيها، وطلبت إغلاق الهواتف ونزع التوصيلات الكهربائية عن الحواسيب. وتلقّى الصحافيّون التونسيّون نصيبهم من الاعتداءات أثناء تغطيتهم تظاهرة دعت إليها حركة «النهضة» الإخوانية، وتم نقل بعضهم إلى المستشفيات. وأفادت «النقابة العامة للإعلام» يومها عن تعمّد بعض المحتجّين الاعتداء بالحجارة على الصحافيّين، ورفع شعارات معادية للإعلام، وكان تحذير آنذاك من خطورة عودة البلاد إلى مرحلة التحريض على الإعلام، ومواصلة بث خطاب الكراهية. وفي تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أقدمت القوات الأمنية التونسية، بصحبة «الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري»، على إقفال استديوات قناة «نسمة» المتهم مالكوها بتبييض الأموال، فقطع بثها، إلى جانب إقفال «إذاعة القرآن الكريم». وبرّر الأمر يومها بأنّ الإذاعة تبث خارج القانون، وتنشر خطاباً متطرفاً يتعارض مع الدستور التونسي. كما أقفلت فضائية «الزيتونة» لعدم امتلاكها ترخيصاً للبث، وأوقفت قناة «حنبعل» للسبب عينه.

أنديل ـــ مصر


الجزائر: إعادة تنظيم؟
في أوائل شهر أيلول (سبتمر) الماضي، أعادت الجزائر، تنظيم القطاع الإعلامي، الذي اتخذ مساراً قانونياً وأحيل وقتها إلى البرلمان لمناقشته. إذ يهدف إلى تسوية أوضاع القنوات الجزائرية وتلك العاملة على أراضيها، ويستهدف تعديل قانونَي الإعلام السمعي والبصري وإعادة تنظيم قطاع الصحافة والقنوات والإذاعات المستقلة في البلاد، بعد سنوات من الفوضى سادت منذ عام 2012، تاريخ انطلاق عمل القنوات المستقلة التي تعاني من غياب إطار قانوني فعليّ لها. في هذا السياق، كان بارزاً سحب الجزائر اعتماد شبكة «فرانس 24» الفرنسية، بسبب ما وصفته وزارة الاتصال بأنه «تحامل» متكرّر على بلادها، و«تحيّز» صارخ للقناة من «أعمال تقترب من أنشطة تحريضية معادية للبلاد».

المغرب في مدار التطبيع
في العاشر من كانون الأول (ديسمبر) الماضي، انضم المغرب إلى الدول العربية والخليجية التي أبرمت اتفاقيات تطبيع مع كيان الاحتلال. سبقت عقد الاتفاقية التطبيعية زيارة وزير الأمن الصهيوني بيني غانتس، للرباط للمرة الأولى، وإبرامه تعاوناً أمنياً مع المغرب. الخطوة التطبيعية المغربية، مهّدت لها وزارة الخارجية الإسرائيلية، التي دعت في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، وفداً صحافياً مغربياً يضم ثمانية أشخاص، لزيارة الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقتها، استنكرت «النقابة الوطنية للصحافة المغربية»، متمثّلة برئيسها عبدالله البقالي، الذي اعتبر أنه من «العار في حق الصحافيين أو الإعلاميين والمثقّفين أو النخبة أن يزوروا الكيان الصهيوني باستضافة من الحكومة الإسرائيلية». واختتم البقالي تصريحه قائلاً: «نحن نرفض هذه الزيارة وهذه الأشكال المشينة من التطبيع».
وقف طباعة ثلاث صحف مسائية مصرية: «الأهرام»، و«الأخبار»، و«المساء»

إبرام المغرب التطبيع مع كيان الاحتلال، لم يحجب حركة الاحتجاج الشعبي في الشوارع، الرافضة لهذه الاتفاقية، وأيضاً لزيارة الوزير الإسرائيلي. حركة قوبلت طبعاً بقمع من القوى الأمنية. إلا أنّ ذلك لم يمنع الإعلام المغربي من التغلغل سريعاً في الموجة التطبيعية: سرعان ما شرعت بعض القنوات المغربية، بعد أيام قليلة من عقد اتفاقية التطبيع، بتخصيص مساحات للتعريف بالتراث اليهودي وبتاريخية العائلات اليهودية في المغرب، مع ظهور مطّرد لشخصيات رسمية مغربية على التلفزة الإسرائيلية، أبرزها ظهور وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة على قناة إسرائيلية ناطقة بالفرنسية، عندما كان متواجداً في فلسطين المحتلة، وأطل وقتها مبتهجاً بهذه المقابلة.

* غداً حصاد الإعلام اللبناني لعام 2021