بروست... «أيام القراءة» والحياة


في نهاية سنة حافلة بأدب الرسائل والسّيرة الذّاتية من «دار الرافدين» (بغداد-بيروت)، اختتمت الدّار باقتها من هذا الجنس الأدبي بهدية قيّمة للقارئ العربي، إذ نشرت كتاب «أيام القراءة» للروائي الفرنسي الكبير مارسيل بروست بترجمة اللّبنانية زهرة مروّة. تنبع أهميّة «أيام القراءة» من اشتماله على زبدة الأفكار التي كوّنها وعايشها بروست عن القراءة ودورها لا في صقل موهبته الأدبيّة فحسب بل في تكوين شخصيّته وإعطاء معنى للحياة وتقوية إرادته في العيش هو المريض منذ الطفولة بداء الربو والذي عانى من اضطرابات نفسية وعصبية كانت تقوده إلى المشفى حيناً وإلى الانطواء والعزلة أحياناً. ما مكّنه من تحمّل هذا كلّه وصنع منه كاتباً كبيراً جعل من سيرة حياته الحميمة سلسلة من الروايات الخارجة عن مقاييس الرواية التقليدية من حيث السّرد وبناء الشخصيّات والنهايات المفتوحة وقوة التفصيل التي طبعت معظم عمله الروائي ولا سيّما «بحثاً عن الزمن المفقود» ما حمل الكثير من النقّاد على اعتباره رائد الرواية الحديثة.


نيغاتيفات
عباس بيضون



تبدو مجموعة «الحياة تحت الصفر» للشاعر اللّبناني عباس بيضون والصادرة هذا العام عن «دار نوفل» أشبه بهدية مجانية للأشياء التي تحدث في الخلف: تزويق شعريّ لحياة تحت الصفر، كثّفتها العزلة وحجر «الكورونا» لتصير قابلة لأن تتجمَّد، كما لو أنها حُبِست في مرآة خزّنت فيها الصور التي التقطت على مراحل في الشارع والمقهى وصوت الحياة. يضع الشاعر كلّ هذا في متناول أيدينا عند نقطة «الصفر» على طريقة رولان بارت، عند شيء أشبه بنيغاتيف الصورة في الكتاب الآخر لبارت «الغرفة الواضحة». يطرح بيضون في عزلته أسئلته القلقة على الأشياء وقد أخذ منها مسافة تسمح بتأمّلها شاحبة كانت أو عنيفة متوهّجة، ملتفتاً إليها بلغة شعريّة سائلة وشفّافة، حيث يُصبح الشعور بالفراغ والهشاشة مثل وحي مرافِق للشاعر ووجوده، وبدونه لا تصبح الحياة حقيقة؛ هذا «البرق» نلمحه مباشرة في قصائد بيضون حابسين أنفاسنا، ولو كان على هيئة الصفر: «كان ذلك الصفر كروياً/ ولم ينطفئ إلّا بعد جهود/ أحضرناه من الحديقة حيث كان يضيء».


المجتمع الفرنسي...
عوالم سفلية



هدية جميلة للمكتبة العربية قدمتها «منشورات الجمل» بترجمة رواية «بؤساء بلفيل» للكاتب الفرنسي رومان غاري (تعريب: صالح الأشمر)، إذ إن غاري (1914-1980) الذي كتب الرواية باسم مستعار إميل أجار هو الفرنسي الوحيد الذي نال «جائزة غونكور» المرموقة مرتين. تكمن قوة الرواية في تصوير العوالم «السفلية» في المجتمع الفرنسي بعد الحرب الثانية من خلال العلاقة بين مربية الأولاد اليهودية «السيدة روزا» مع الطفل العربي محمد أو «مومو» المتروك في عهدتها والذي يتولّى مهمّة السرد. ينجح غاري في تسييل أعقد القضايا المتعلّقة بالهجرة والاندماج والتعايش بين الأديان في أسلوب يمكن وصفه بالسهل الممتنع لكنه يحتوي على ذكاء غاري ومزجه الجدّ بالهزل وقوّته المحترفة على طرح أعمق المسائل الاجتماعية والثقافية والوجودية على لسان فتى مراهق في نضارة بعيدة عن التكلّف والتعقيد.


عبد الفتاح كيليطو...
حكايات الدهشة



لا نشبع من هدايا المغربي عبد الفتاح كيليطو المفتون بـ «ألف ليلة وليلة». ففي كتابه الأخير «والله إن هذه الحكاية لحكايتي» (منشورات المتوسّط) تتناسل الحكاية من الحكاية على طريقة اللّيالي العربية. من علاقة بين الرسَّامة نورا وحسن ميرو وهو يشتغل على أطروحة دكتوراه موضوعُها أبو حيَّان التوحيدي وكتب متخيّلة أو مفقودة للعلامة الأندلسي، يأخذنا كيليطو كعادته نحو مرجعيّاته الفكرية والأدبية عند الجاحظ والحسن البصري والتوحيدي وكتب التراث وكأننا نزور مكتبة بورخيس التي لا تنتهي، ويباغتنا بأسئلة وجودية، وهواجس في صميم الإبداع والفن، ويفتتح الدهشة في روايته بجملة مخاتلة: «لا تفتح هذا الباب، أمنعُكَ من ذلك مع علمي أنك ستفتحه»، مع علمه أن توق القارئ لسماع حكاية شهرزاد لا بدّ سيدفعه في نهاية المطاف إلى أن يُدير ظهر المِجنّ للجزء الأول من النصيحة ويستجيب لجزئها الأخير مرافقاً الراوي في إحدى أجمل حكاياته.


«سيلَما» طرابلس
كما رآها هادي زكاك



يتجاوز هادي زكّاك في كتابه الجديد «العرض الأخير: سيرة سيلما طرابلس»، سيرة سينما طرابلس فحسب. إذ إن المجلّد الذي يستعيد حياة أحد أهمّ معالم عاصمة الشمال منذ الثلاثينيات حتى نهاية القرن العشرين، يروي أيضاً سيرة المدينة بطريقة أو بأخرى. تتوالد قصص الكتاب من بين جدران السينما وذاكرة روّادها، ونجومها، وطقوسها، والأفلام التي عُرضت على شاشتها. بعدسة تُشبه عدسته السينمائية، يلتقط زكّاك تلك العلاقة ما بين الـ «سيلَما»، كما كانت تسمّى، وما بين القصص الخارجية في المدينة وتاريخها المعاصر، التي تكاد تصبح أفلاماً قائمة بذاتها ولو كانت مريرة. من هنا تأتي أهميّة كتاب المخرج السينمائي، الذي وثّق من خلال أفلامه طوال سنوات فترات من تاريخ البلاد وأحداثها السياسية والاجتماعية. إنه هديّة مثاليّة لكلّ مهتمّ بالفن السابع وبالذاكرة السينمائية للبنان، بعيداً عن مركزيّة
العاصمة.

فيروز الصّامدة الوحيدة


عاد العيد وعادت هداياه. لكن الواقع اختلف كلياً. فمبدأ الهدية الموسيقيّة لم يعُد موجوداً لأسباب شرحناها قبل سنة. لذا، اقتراحاتنا لهذا الموسم رمزيّة وليست بالضرورة جديدة. في جولة بيروتيّة، وجدنا أنّ فيروز وحدها الصامدة وأنّ تسجيلاتها الأساسية متوافرة في السوق، على CD، أي بالشكل القابل لأن يكون هديّة موسيقيّة مادّية. بماذا يُنصَح لفيروز؟ بفيروز! لكن بما أنّنا في زمن الميلاد، يُمكن للألبومَين التاريخيَّين اللذين خصّصتهما كبيرتنا للمناسبة أن يكونا خياراً جيّداً، أقرب إلى الوثيقة الموسيقيّة التاريخيّة: الأوّل بعنوان «تراتيل الميلاد» وهو حميم الأجواء ويحوي ترانيم فولكلورية شرقية وكلاسيكيّات غربيّة (الكلام العربي والإعداد للأخوين رحباني). أما الثاني، فهو «أغاني الميلاد» (الصورة) الاحتفالي الأجواء، مع أوركسترا (أعضاء من «أوركسترا الحُجرة في لندن») بقيادة البريطانية كاترين إينيس التي رحلت ليلة الميلاد السنة الماضية. وفيه إسقاط لألحان كلاسيكية على نصوص ميلادية (الأخوين رحباني، جوزيف حرب).

ثالوث الكلاسيك المقدّس


بعيداً عن السوق المحلّية، وبما أنّ «جماعة الكلاسيك» هم الأكثر تمسّكاً بالوسيط المادي للموسيقي، أي الـCD أو حتى الـ Vinyl، اخترنا ثلاثة إصدارات جديدة يمكن أن تساعد الآتين إلى لبنان في هذه الفترة ويودّون إهداء المهتمّين «المحرومين» من الديسكات في السوق المحلّي. هذه الخيارات الثلاث يمكن إيجادها بسهولة خارج لبنان، والأهم أنّها ذات قيمة عالية وليس في اختيارها كهدية أي مجازفة. الأوّل، هو ديسك الروسي دانييل تريفونوف المخصّص لباخ ولغيره من المؤلّفين في عائلته (من بينهم أولاده) وهو صادر عند «دويتشيه غراموفون» بعنوان Bach: The Art of Life (الصورة). أما الثاني، فصادر أيضاً عند الناشر الألماني نفسه وهو مخصّص لباقة من أعمال موزار وبعض معاصريه، ويحمل توقيع عازف البيانو الآيسلندي فيكينغور أولافسن صاحب الأصابع الخفيفة كالريشة. أما الثالث، فجديد البيانيست الإيطالية بياتريتشه رانا المخصّص لشوبان (السكيرزو الأربعة والمجموعة الثانية من التمارين، أي المصنّف 25).