القاهرة | اشتعلت أخيراً حالة من الجدل في الوسط الثقافي المصري، على خلفية بيان «دار ديوان للنشر» الذي أعلنت فيه عن حصولها على الحقوق الحصرية لنشر أعمال نجيب محفوظ (11 ديسمبر 1911 – 30 أغسطس 2006). الفقرة محلّ الجدل تتعلّق بنيّة ««ديوان» إعادة إحياء تراث نجيب محفوظ وتقديم أعماله المُنقّحة والمُراجعة بأحدث تقنيّات النشر الورقي والرقمي والصوتي». عبارة قوبلت بالكثير من التكّهنات والتخوّفات بشأن المقصود بعبارة «تنقيح ومراجعة» لأعمال صاحب «نوبل». وأقبل المثقّفون والكتّاب المصريّون على التعبير عن موقفهم ورأيهم على صفحات التواصل، فتساءلت منى أنيس، عبر صفحتها على فايسبوك: «يعني إيه إعادة إحياء تراث نجيب محفوظ وتنقيحه؟ دا كلام عيب ويدلّ على إنكم مبتدئين وما بتعرفوش أصول النشر»، موجهة حديثها لـ «دار ديوان»: «إنتوا مش جهة بحث. نجيب محفوظ له 56 كتاباً منشوراً، ومهمّتكم إعادة طبع هذه الأعمال، ممكن تصلحوا أخطاء مطبعية موجودة في طبعتي «مكتبة مصر» و«الشروق»... ولا إنتوا عثرتوا على خبيئة تراث إحنا ما نعرفوش؟!»، فيما علّق الروائي والكاتب المصري أيمن السميري على البيان المثير للجدل عبر صفحته على فايسبوك قائلاً: «أقلقني جداً البيان الصحافي الصادر عن «ديوان» في مناسبة حصولها على الحق الحصري لنشر أعمال الروائي العظيم نجيب محفوظ لمدة 15 سنة»، متسائلاً: «هل مكتبات «ديوان» تنوي بعبارة «المُنقحة والمُراجعة» أن تُدخل أدب نجيب محفوظ الغسّالة وتعبث به لإرضاء حالة السُعار الديني المستشري في المجتمع؟».
في «أصداء السيرة الذاتية»، غيّرت الرقابة في النصّ، فوضعت «سيأتي الطوفان ويكتسح النساء» بدلاً من «سيأتي الطوفان ويكتسح الفساد»!

تواصلنا مع الكاتب والروائي أحمد القرملاوي، مدير عام النشر في «دار ديوان» طلباً لتفسير المقصود بالـ«التنقيح والمراجعة» الوارد في البيان، فأجابنا: «كما يعرف جميع المتخصّصين والمهتمّين بأعمال الأديب العالمي نجيب محفوظ، فقد صدرت أعماله في طبعات متعدّدة في أزمنة مختلفة، منها ما صدر في مجلّدات الأعمال الكاملة، ومنها ما صدر في كتب منفصلة أو في حلقات في الصّحف المصرية. ومن المعروف أنّ ثمة اختلافات بين الطبعات نتجت عن الحذف الذي جرى لاعتبارات كانت موجودة آنذاك ولم تعد كذلك». وتابع القرملاوي: «لذا تهتم «ديوان» بإصدار طبعاتها الجديدة خاليةً من أي حذف أو تغيير حدث في أي طبعات سابقة، بالرجوع إلى جميع الطبعات الأولى والمسودات المتاحة وكذلك أرشيفات الصحف التي نشرت فصولاً مسلسلة».
وكشف لنا أنّ الدار ستقوم بكل ما يلزم لمراجعة جميع الطبعات التي صدرت لأعمال محفوظ ومطابقتها تحت إشراف لجنة عليا من النقاد والمتخصّصين، بحيث تتوصل إلى أدقّ وأكمل صورة تُطابق ما كتبه صاحب «أولاد حارتنا»
وكان الصحافي والناقد محمد شعير المنكبّ منذ سنوات على مشروع إرث نجيب محفوظ (صدر له كتابان لغاية الآن هما: «أعوام نجيب محفوظ: البدايات والنهايات»، و«سيرة الرواية المحرّمة») قد ردّ على منشور الكاتبة منى أنيس، موضحاً: «محفوظ ويوسف إدريس وإحسان عبدالقدوس تعرّضوا لمذبحة بعد المصالحة العربية والسماح بدخول أعمالهم للتوزيع في بعض البلاد، وتحديداً بعد عام 1988. وأظن بمراجعة صحف أوائل التسعينيات، سنعثر على تقارير ومقالات ومناشدات تطالب بوقف العبث الذي تعرّضت له أعمال هؤلاء الثلاثة تحديداً». وأضاف: «بمراجعة دقيقة لشغل محفوظ، سنجد فقرات وجملاً محذوفة من الروايات وقفزات غير مبررة، بخلاف الأخطاء المطبعية التي تغيّر أحياناً المعنى كلياً، إلى جانب تدخلات المصحّحين في النص، وطبعاً مع إعادة الطباعة مرات ومرات، لم يتوقف أحد أمام هذه المحذوفات ولا اهتم بمراجعة شغل محفوظ على الطبعات الأولى الكاملة. ولهذا السبب، تكاد تكون المجلّدات الخمسة الصادرة في بيروت، مع الطبعات الأولى فقط الصادرة في «مكتبة مصر» هي الأكمل»، مشيراً إلى أنه «حتى طبعات محفوظ في «الكتاب الذهبي» (كتاب شهري كان يصدر عن مؤسسة «روز اليوسف») التي صدرت في الخمسينيات، تعرضت لاعتداء رقابي بشع. يكفي حذف المشهد الختامي من «زقاق المدق» مثلاً. والطبعات الأولى والثانية من «الحب تحت المطر» غير كاملة في «مكتبة مصر»، بدأت الرواية تكتمل بدءاً من الطبعة الثالثة بعدما خففت الرقابة قبضتها».
محفوظ ويوسف إدريس وإحسان عبدالقدوس تعرضوا لمذبحة بعد المصالحة العربية

وتابع شعير بأنّ ««أولاد حارتنا» طبعة «دار الآداب» غير كاملة، والطبعات الأخيرة من الرواية الصادرة عن «الشروق» كاملة، وعمل صغير مثل «أصداء السيرة الذاتية» (1994) على سبيل المثال يحوي ما لا يقل عن 50 خطأ، بعضها كوارث: «سيأتي الطوفان ويكتسح النساء» بدلاً من «سيأتي الطوفان ويكتسح الفساد». وكتبت مقالاً عن هذا العمل بعد مراجعة المخطوط الأصلي الموجود في مكتبة «الجامعة الأميركية» في القاهرة. و«الشروق» أصدرت أخيراً طبعةً مصحّحةً. وبالتالي نجيب محفوظ يحتاج طبعة جديدة من كلّ أعماله مراجعةً ومدققةً تبعاً للأصل والطبعات الأولى»..
وكانت «ديوان» قد وقعت قبل أيام، عقداً مع أم كلثوم نجيب محفوظ للحصول على نشر أعمال صاحب «ثلاثية القاهرة» ورقياً وصوتياً بشكل حصري، وإلكترونياً بشكل غير حصري، حيث تتشارك مع دار «هنداوي» في الحقوق الإلكترونية. وتستمر مدة العقد 15 عاماً؛ تبدأ في أيار (مايو) المقبل، وفق قيمة مالية لم يفصح عنها الطرفان، وتظلّ سرّية مثل بقية بنود التعاقد طوال مدة العقد. وفي سياق آخر؛ أعلنت «دار الشروق» قبل أيام، عن طبعة جديدة للأعمال الكاملة لمحفوظ في عشرة مجلّدات بأغلفة جديدة من تصميم أحمد اللبّاد، قبل أن ينتهي تعاقدها على حقوق النشر المقرّر في 30 نيسان (أبريل) المقبل، لتنهي بذلك 20 عاماً من الاستحواذ على حقوق نشر أعماله بعدما حصلت على موافقته عام 2000 مقابل مليون جنيه (حوالى 295 ألف دولار وقتها).