لا يصبح الموت معتاداً وإن كان قدراً، ولا يتوقّف عن كونه مفاجئاً وإن كان منتَظراً. وفي حالات محدَّدة، تصبح هذه الحقيقة أكثر سطوعاً، كحالة الشاعر والروائي الشيخ فضل مخدّر (1965 – 2021) الذي غادرَنا قبل أيام على أثر إصابته بمرض عضال لم يمهله طويلاً. عدم تصديق الخبر يكاد يكون ردَّة فعل جامعة بين محبّيه وعارفيه. صحيحٌ أنَّ كثيرين لم يعلموا بمرضه إلا عند وفاته، وهو ما قد يفسّر حالة الصدمة والذهول، إلا أنَّ الصحيح أيضاً أنَّ الأمر مرتبط بشخصيّة الشيخ: الرجل البشوش المنذور للكتابة، كان نقيضاً للموت وهو المزحوم بالحياة والمشتعل بالنشاط والمتفاني في عطائه. كرَّس سنوات عمره القصير للثقافة والأدب، فترك لقرّائه ما يؤنس وحشتهم في غيابه: «صلة تراب» (2004) و«طواف الروح» (2006) و«شقشقة قلم» (2008) و«اسكندرونة» (2012) و«نصوص مسكونة» (2015) و«الحاكم عند الفارابي» (2016) و«يا صاحبي» (2017) و«المنذور» (2019) و«لو يحكي» و«كهف العاشقين» (تحت الطبع). إلا أنَّ القسم الأكبر من وقته وجهده ذهب لصالح نشاطه على الساحة الثقافية من خلال «الملتقى الثقافي اللبناني» و«منتدى أدب المقاومة» و«منتدى جبل عامل للثقافة والأدب» وأخيراً في «جمعيَّة أسفار للثقافة والفنون» كمنسّق عام لـ «جائزة سليماني العالميَّة للأدب المقاوم» التي أطلقتها الجمعيَّة، فضلاً عن دوره في «اتحاد الكتَّاب اللبنانيين» كنائب للأمين العام لدورتين متتاليتين. الملتقى الثقافي الذي تأسَّس رسميّاً قبل حوالى عشرة أعوام، أتى استكمالاً لمسار بدأ قبل عشرة أعوام أخرى حفلت بأنشطة ثقافيَّة سهر على تنظيمها الشيخ ومجموعته من دون أن يكون العمل ضمن إطار يحمل اسماً محدّداً. كان هذا الملتقى قرَّة عينه ودرَّة تاجه وإنجازه الأكبر، جعله مساحةً احتضنت الجميع ممن يلتقون أو يختلفون معه في قناعاته الفكرية، ولم تشكل صفته الدينيَّة عائقاً أمام ذلك، فهو الذي عُرِفَ بمرونته وسماحته وانفتاحه على الجميع. وقد استطاع بفضل شخصيّته تلك الحفاظ على حبل الودّ قائماً مع الكثير من الأدباء والشعراء العرب في زمن شيطنة المقاومة عربيّاً وتحول التواصل مع كل من يعتنقها فكراً أو يمارسها سلوكاً أو تجمعه بها صلة من قريب أو من بعيد، إلى تهمة، وتجعل صاحبها والمصرّ عليها من الأدباء العرب أقرب إلى «التضحية». ولم يحوّل الشيخ ملتقاه إلى امبراطورية خاصَّة يستخدمها في تعزيز حضوره الشخصي والأدبي، بل وضع نفسه في خدمة الملتقى، ووضع الملتقى في خدمة الشباب من أصحاب المواهب الحقيقيَّة. أدار شؤون الملتقى بشراكة كاملة مع بقية الأعضاء في الهيئة الإدارية، حيث تبقى الألقاب والأعمار والأقدمية في الملتقى أو في عالم الشعر نفسه خارج قاعة الاجتماعات، تماماً كما السيجارة والطرائف واللطائف التي يبرع الشيخ المرح في إلقائها، ويدور نقاش حقيقي وجدّي يكون البقاء فيه للفكرة الأنسب. لعل دموع الشعراء الشباب في يوم وداع الشيخ تكشف الكثير عن علاقته بهم، هو الذي لا ينفكّ يردّد هذه الكلمة أينما حل: «الشباب». الشباب الذين أتاح لهم من خلال الملتقى منبراً أطلقهم في عالم الأدب، حيث كان يتعمَّد مثلاً تقديم الشعراء الشباب في أمسيات مشتركة مع شعراء مكرَّسين من لبنان والوطن العربي متحدياً نوعاً من طبقيَّة شعريَّة غير معلنة كانت سائدة قبله. وفي موازاة الإطار الجامع الذي شكَّله الملتقى ولا يزال، كانت هوية الشيخ واضحة من خلال «منتدى أدب المقاومة» الذي حمل أمانته بإخلاص وانتقل به إلى مكان يليق بالمقاومة التي حمل اسمها، وأيضاً من خلال جائزة سليماني» التي تنتظر حفلها الختامي في كانون الثاني (يناير) المقبل، وقد أصرَّ في أيامه الأخيرة على متابعة مجرياتها لحظة بلحظة رغم حراجة وضعه الصحي
يتقبّل «الملتقى الثقافي اللبناني» (شارع مطعم الساحة الداخلي - خلف الألدورادو - جانب food mart ـــ بناية شاهين ــ الطابق الأول) التعازي بوفاة رئيسه الشاعر والروائي الشيخ فضل مخدر غداً الأربعاء من الساعة السابعة حتى التاسعة مساءً في مركزه في بيروت، على أن تكون للمعزّين مساحة للتعبير بكلمة مقتضبة أو قصيدة عن محبتهم للراحل من على منبر الملتقى. للاستعلام: ٧١٥٠٢٨١٤ - ٧٠٩٨٩٩٤١