الراحلُ الكبيرُ الصديق الشيخ فضل مخدّر كان يتعاطى مع الكلمات على أنها إيقاعُ روحِهِ، يغنّيها كما يغنّي الجمرُ في الموقد، وكما تغني الريحُ في الوديان. كلماتُهُ حيناً التماعاتُ ندى، وأحياناً إشعاعاتٌ معرفيّة إنسانيّة تحفرُ في الأعماقِ ما يعجز عن محوِهِ الزمن. لم يعانقْ عينيه ضوءٌ إلا وكان الحرفُ رفيقَهما، ولم يسترحْ ليلٌ في حدقتيه إلا وكان حلمُ المعرفةِ ثالثَهما، كتفُهُ على كتف الجبل، عينُهُ إلى عين الشمس، ضحكتُهُ إلى ضحكة الفجر، عَبْسةُ الليل إلى عَبْستِهِ، وعطاؤهُ مشتهى الينابيع والأنهار.
أيها الراحلُ الكبيرُ: نراك في عيون الشعراء المبدعين والمثقّفين الأنقياء، وفي أرواح الكتب علامةَ استفهامٍ عن مصير هذا الوطن، وعلامةَ تعجّبٍ من واقع هذه الأمة، وفاصلةً بين جملتين حائرتين، ونرفض نرفض أن نراك نقطةً في آخر السطر.
أيها الراحلُ الكبيرُ: كم كنتَ حريصاً على خلق مناخٍ من الألفة والمحبة والتفاعل بين المبدعين والمثقفين على اختلاف انتماءاتهم!؟ في كل عروةِ قميصٍ من قمصانِ كلماتك ألفُ وردةِ حب، وعلى كل دقيقةٍ من دقائق تعبِكَ ألفُ عقدٍ من الياسمين.
أيها الضوءُ المسافرُ في فضاءِ الكونِ نحن في انتظارك.
* شاعر لبناني ــ رئيس «الحركة الثقافية في لبنان»