لم تستطع وسائل الإعلام اللبنانية أن تنأى بنفسها عن الانتخابات الرئاسية السورية، سواءً كانت مؤيدة للأسد أو من أشد معارضيه. انغمست شاشاتها وصفحاتها في تغطية الحدث، لكن بموّال مختلف غنته كل واحدة منها، على ليلاها.لم يكن أداء «المستقبل» مفاجئاً في تغطيتها أمس. اختارت القناة أن تستخدم عبارة «الانتخابات المهزلة» في تغطيتها، متعمّدةً ذكرها بين الكلمة والأخرى. توزَّع مراسلو المحطة على النقاط الحدودية (العريضة والمصنع). أما في ما يخصّ مضمون مراسلات المندوبين، فقد بدا واضحاً أنّ التصريحات «معلّبة» و«مسبقة التحضير»، إذ تشابهت بشكل ملحوظ. في كل تصريح أدلى به، كرّر زياد منصورة، مراسل القناة إلى معبر العريضة الشمالي، أمس أنّ معظم «المتواجدين عند مراكز الاقتراع الحدودية هم لبنانيون يحملون جنسيات سورية»، فيما شدد وأعاد التشديد، بنبرة التأكيد، على أنّ «معظمهم أيضاً اقترعوا في السفارة السورية في بيروت ويقترعون مجدداً على الأراضي السورية».

كذلك، لم تغِب عبارات مثل: «تنعدم الحركة، أقلّ من عادية، توافد بعض المئات، حركة عادية جداً..» عن لسان المراسلين. فقد كان اليوم الانتخابي «معدوم الحركة» في المطلق، بحسب المحطة.
أما عن نشرة «من الميدان» (نشرة أخبار الظهيرة) لقناة «المستقبل»، فقد تضمنت 5 تقارير مطولة، من منظور القناة الخاص، عن الانتخابات السورية. اقتصرت التغطية هنا على استصراح أشخاص وقعوا ضحية فخ السؤال، فبدوا للمشاهد بأنّهم موالون للأسد، وبالتالي تحققت «موضوعية» القناة المفترضة، بينما صبت جميع تصريحاتهم، من دون قصدهم، في خانة الإساءة للأسد ولأنفسهم. مثلاً، قال أحد الأشخاص المندفعين: «جينا ننتخب سيادة الرئيس، ما أصلاً فينا وبلانا رح يطلع». يذكر هنا أنّ المونتاج حذف السؤال الحقيقي الذي طرحه المراسل على الأشخاص كي يأتي الجواب بالصيغة التي تبتغيها القناة. على هذا المنوال، تحدثت تقارير النشرة عن «عدد هزيل جداً للناخبين، وردود المناطق المعارضة، والردود السياسية الدولية المنددة بالانتخابات، والقصف السوري على مناطق حلب»، بالإضافة إلى مؤتمر نهاد المشنوق الذي شدّد على نزع صفة النازح عن السوريين الذين يعبرون الحدود»، مستخدمة عبارات كـ«يقتل القتيل ويمشي في جنازته»، و«جاء ينتخب على أرواح وأجساد الناس».
في المقابل، تميز أداء «المؤسسة اللبنانية للإرسال ومراسليها» من سوريا في نقل «جميع ألوان» الانتخابات. على صعيد تنوع مناطق التغطية، كان النقل كافياً ومنصفاً للواقع من دمشق، إلى معبر العريضة، ومنطقة المصنع – جديدة يابوس. أيضاً، برز جهد المراسل ادمون ساسين من دمشق، وحفاظه على خط موضوعي في نقل الأحداث، بالإضافة إلى طلاقة محببة في استعمال اللغة العربية الفصحى، الأمر الذي يغيب عن الـLBCI أحياناً. قدمت الأخيرة تغطية منصفة وعادلة، بحق جمهورها المتلقي، أو بحق سوريا شعباً معارضاً وموالياً. نقلت في تقاريرها وجهات النظر المختلفة، تلك المقاطعة من مناطق المعارضة، والأخرى المؤيدة من المناطق التي تدعم الأسد.
بدورها، قدمت قناة «الجديد» للمشاهدين تغطية إخبارية بامتياز. حرصت مراسلة المحطة إلى سوريا نانسي السبع (الصورة)، من خلال طلاتها المتكررة على شرح بعض التفاصيل التي قد تغيب عن ذهن المشاهد، أكان لجهة «قرار نزع صفة النازح» عن اللاجئين وتفاصيله، أو معلومات أساسية عن مرشحي الرئاسة السورية، أو حتى كيفية الاقتراع وغيرها. حرصت القناة والمراسلة على بثّ «نقل توضيحي» يعطي للناس معلومات وتفاصيل تتعلق بالحدث وتنقصهم. أرادت بهذا عدم الوقوع في فخ الانحياز الفاضح، أو حتى خداع الجمهور. أثناء حديثها للمقترعين الوافدين من لبنان على سبيل المثال، ذكرت نانسي السبع حرفياً أنّ «هذه العينة البسيطة قد لا تمثل، وقد تمثل جميع من دخلوا»، محافظة بذلك على مسافة واحدة مما يحدث هناك.