أثمان باهظة دفعها السوريون ولم تكتمل معالم الكارثة التي حلّت بهم حتى الآن. مع ذلك، هناك من يعتبر أن ما حصل هو نتيجة طبيعية رداً على تهوّر الشعب العاطفي الذي خرج في تظاهرات سلمية طالبت بداية برفع القبضة الأمنية والحد من الفساد المستشري في الدولة، ثم انزلقت إلى مواجهات مسلّحة واقتتال طائفي وتطرّف تكيفري وفوضى عارمة.
في مقابل ذلك، هناك من يجد أن الانتخابات الرئاسية التي تجري اليوم هي الانتخابات التعددية الأولى في تاريخ سوريا المعاصر، واستحقاق للشعب بعد التضحيات التي قدّمها. صحيح أنّها تقام على ركام البلاد ودماء الأبرياء، إلا أنها خطوة يقوم بها النظام مرغماً على خلاف 40 سنة خلت كانت انتخاباته مختصرة بكلمتي «تجديد البيعة». هذه الفكرة تقابلها آراء معارضة وصفت ما يحصل بمجرّد مسرحية هزلية لن تقدم ولن تؤخر، فالرئيس بشار الأسد باق في قصره سواء جرت هذه الانتخابات أو لم تجر.
في هذا الوقت، كانت التغطيات الإعلامية تسير على قدم وساق للمرشحين الثلاثة ماهر حجار، وحسان النوري وبشار الأسد. انطلقت الحملة الانتخابية للرئيس السوري تحت شعار «سوا»، وكُثّفت في المناطق التي يبسط النظام السيطرة عليها. بعدها، تحولت دوائر الدولة بتوجيه رسمي إلى خيم احتفالية بـ«مخلص البلاد» و «أملها الوحيد»، وانتشرت الأغاني المؤيدة لـ «قائد الأمن والأمان» و«رائد الصناعة والتنمية والازدهار» بحسب اللافتات التي غصّت بها شوارع دمشق. أُنجزت هذه الأغنيات خصيصاً للاحتفال بالحملة الانتخابية، فعلت أنغامها من مكبرات السيارات الفارهة المطلية بالعلم السوري وصور الأسد التي تجوب شوارع العاصمة يومياً. مثلاً، غنّت ريم مصطفى نصري «يا سيد الأباة»، فاستثمر الإعلام السوري الأغنية كون صاحبتها شقيقة النجمة أصالة المناهضة للنظام، ثم كرت سبحة الأغنيات المشابهة، فأعادت مشتركتا الموسم الأخير من «ذا فويس» هالة وحنين القصير تقديم أغنيتي أصالة «الأمل الواعد» و«حماك الله يا أسد» اللتين غنتهما لبشار وحافظ الأسد. بعد ذلك، انحدر المستوى الفني حتى وصلت الأمور إلى صدور أغنية تقول كلماتها: «كايدهم والله كايدهم بالضحكة الحلوة مجننهم... قالو ارحل على بكير نسيوا إنو الأسد كبير، أوباما لساك صغير بالسياسة والتفكير... أردوغان مغرور وشايف حالك، البوط السوري شو بيحلالك».


استثمر الإعلام أغنية ريم مصطفى نصري «يا سيد الأباة» كون صاحبتها شقيقة أصالة


في المعكسر المقابل، نشطت صفحات بعض ناشطي «الثورة السورية» ووسائل الإعلامية المعادية للنظام، فالتقطت صوراً من الحملة الانتخابية للرئيس كتبت عليها «لا عرين إلا للأسد» وعُلِّقت على جدار يعج بأوراق النعوات وأوراق أخرى تعلن عن حاجة مرضى إلى الدم! واصطادت كاميرات الناشطين لوحات إعلانية للمرشح الأبرز علِّقت على مواقف باصات تتفيأ في ظلّها عائلات سورية مهجّرة، إضافة إلى لوحات أخرى تقول «سوا الليرة بتقوى» وضعت في أسواق فقيرة يقف فيها السوريون على بسطات متواضعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أحوالهم المادية المعدمة. وعلى يوتيوب، بثت تقارير يبدو أنّها صوِّرت بشكل سري في شوارع دمشق وحرصت على إظهار الخراب الذي طال البلاد. أحد هذه التقارير افتُتح بصوت النجمة منى واصف وهي تقول «بلد رجالها ونسوانها إيديهن بإيد بعض، بضل راسها مرفوع للسما، وما حدا بيطالها» ثم تبدأ اللقاءات من غوطة دمشق الشرقية حيث الدمار يصل ذروته. يسأل شاب سوري بطريقة ساخرة عن الطريقة التي سيصوِّتون بها هناك، ثم يقترح أن ترسل الحكومة «صناديق الاقتراع مع البراميل التي تسقط عليهم». بعدها، تدخل الكاميرا البدائية أحياء دمشق من الجامعة إلى المتحف الوطني مروراً بالمسجد الأموي وصولاً إلى مناطق شعبية تصوِّرها على حقيقتها قلعة محصّنة بالحواجز، ثم تبدأ اللقاءات التي تجمع على أنّ «انتخابات تقوم على دماء الأبرياء وصرخات حشود من المعتقلين هي انتخابات باطلة». تلك هي شكل الحرب الإعلامية التي اشتدّت مع الانتخابات الرئاسية، لكن ماذا عن المرشحين الثلاثة؟ عمدت القنوات السورية الرسمية وحليفاتها وبعض صفحات التواصل الاجتماعي للنيل من كل من تسوّل له نفسه الترشح في وجه بشار الأسد على اعتبار أنه أكبر من أن يقارع في معركة انتخابية. بعدما انهالت السخرية على حسان النوري الذي ظهر في لقاءات تلفزيونية مكرساً جزءاً منها للحديث عن مآثر «القائد الخالد» و«خليفته»، أثارت إطلالة ماهر حجار على «الإخبارية السورية» كثيراً من الجدل. رغم الترويج لشائعة مفادها أنّه رفع لافتة كتب عليها «انتخبوا ماهر حجار رئيساً لسوريا الأسد»، إلا أنّ ظهوره في برنامج «دومينو السياسة» (13/5/2014) غيّر قواعد اللعبة التي أرادت إظهاره كنكرة أمام «سيد الوطن». إذا به يقلب الطاولة ويظهر كرجل اقتصاد وخبير حقيقي، إضافة إلى كونه شيوعياً عتيقاً مارس العمل السياسي طويلاً. اغتنم فرصة الظهور بشكل حي ومباشر ليتهم النظام وإعلام السلطة بالمسوؤلية المباشرة عما آلت إليه سوريا من دمار. وبرّر «للمستضعفين من السوريين الذي دفعهم الفقر والعوز والجوع إلى الحراك المنطقي والمبرر» ثم «حملهم السلاح في وجه الدولة». هنا، انفعلت مذيعة الإخبارية السورية رانيا الذنون وراحت تتعاطى مع الضيف بذهنية ضابط مخابرات، حتى سحب اللقاء عن يوتيوب وأجريت عليه ضربات مونتاج محددة ليعاد تحميله من جديد! الحجار حلّ لاحقاً على الفضائية السورية، فحاورته أليسار معلا بمنتهى الهدوء من دون أن تدفعه لإعادة الهجوم مجدداً، ما فسّره بعضهم بأنّه إجراء احترازي من الإعلام السوري الذي تهاوى تحت ركلات المرشح الصائبة.