لا تخرج إلى العالم الكثير من المشاهد والصور عن الحراك في السعودية التي حطّمت أرقام «غينيس» في كتم الأصوات المعارضة. من هنا تحديداً تأتي أهمية «الحراك السري للسعودية» الذي عرضته «بي. بي. سي» يوم الجمعة الماضي. فيلم الصحافية والكاتبة السعودية صفاء الأحمد ضمَّ للمرة الأول مقابلات مع زعماء المعارضة المناهضين للنظام السعودي في المنطقة الشرقية في المملكة. العمل الذي ساعد في إخراجه الصحافي البريطاني أندرو هاموند، بحث في تاريخ المعارضة الشعبية وتحوّلها من سلمية إلى استخدام العنف خلال ثلاث سنوات من التحرّكات الشعبية.
صوّرت الأحمد شريطها على مدى عامين، وتحدّثت فيه عن النظام الملكي الذي يقوم على منع أيّ إصلاحات أو أحزاب سياسية. ويمنع أيضاً أيّ نشاط سياسي أو حقوقي مستقل عن سلطة آل سعود. تطرق الوثائقي الذي أنتجته القناة البريطانية إلى أشكال المعارضة في مملكة لطالما مارست القمع ضد أيّ تحرّك لا يوافق سياستها. الاعتقال أو القتل هو ما واجهه الناشطون والمتظاهرون، منذ بداية 2011 حتى اليوم. صوّر الفيلم لحظة خروج الناس مع بداية الربيع العربي في الجارة القريبة البحرين، مطالبين بالإصلاح وإطلاق السجناء، وبتحوّل المملكة إلى الحكم الديموقراطي والمشاركة الشعبية في القرار السياسي. خاطرت الصحافية السعودية بالخروج في شوارع القطيف وبلدة العوامية (شرق المملكة) تحديداً لتوثيق حراك لم يهدأ. كذلك رافقت النشطاء، وحضرت اجتماعات سرية، ودخلت بيوت المطلوبين للسلطة. مغامرة مُكلفة في الوقت الذي تمنع فيه السلطات وصول أيّ صحافة محلية أو أجنبية لتغطية الأحداث هناك. وسط هذا التعتيم، تحركّت كاميرا الأحمد التي تداخل صوتها وهي تتحدّث عن مهمتها الصحافية المحاطة بالسرية، مع خلفية هتافات المتظاهرين المنادية بالموت لآل سعود. سجّلت عدسة «بي. بي. سي» حصرياً ما دار خلال السنوات الماضية خلف جدران مملكة الصمت.
نجح الوثائقي في خلق بيئة متوازنة بين خطاب السلطة والرواية الشعبية، واعتمدت الأحمد على مقابلة ناشطين مطلوبين، قتل أحدهم بعد أسابيع. وحصلت أيضاً على مادة تسجيلية نادرة وثّقها نشطاء الحراك في المنطقة. ستعبر في التوثيقي صور لرجل الدين المعتقل نمر النمر الذي اتهم بقيادة الشارع ضدّ السلطة، وينتظر حكماً بالإعدام. قابلت الصحافية أهالي المعتقلين والشهداء في إحدى المناطق التي استدرجت إلى العنف، فتحوّلت إلى أكبر ثكنة عسكرية في الداخل السعودي.
الملفّ السعودي ظلّ مُخفىً عن العيون لفترة طويلة، ساعدت في ذلك الماكينة الإعلامية الضخمة التي سخّرها النظام الحاكم، ليُري العالم ما يريد الحاكم أن يراه عن مملكته. فقط، أدى تسلُّل صحافية شجاعة من المنطقة إلى فضح القشرة المضلّلة عن أكبر تظاهرة سياسية مستمرّة ضد الفقر والتهميش في المملكة الغنية بالنفط.