■ من ألف لياء: يوْم في نيويورك [1982]
الكنيسة الصّغيرة من خشب
قرّرت الذّهاب إلى المحيط
يصل بحّار عبر
سفينة جديدة
نجدّف على ضفاف
الجنون
بدموع
وقليل من المال
«سفر الرؤيا العربي» (حفر ـــ 29.5 × 20 سنتم ـــــ 2020)

■ هناك [1997]

إلى ذكرى خليل حاوي
والْأرض؟ بعض طين، بعض غراء، نيزك، أهي سيّدة نفسها؟
■ ■ ■
كنت ألقي بذكرياتي من النافذة فتعود، غريبة، في ثوب شحّاذين أو ساحرات، تتركني منغرسة هنا كسيف. ألهذا الشمس بالغة الشحوب، ولم كلّ هذا الحبّ تحت أشعّة الشمس والحقيقة؟
■ ■ ■
هناك. أيْ نعم! رست سفن كولومبس، أين، — مع العفونة، الأوبئة، الجروح والموت، أخشاب لصلب الهنود — ومتى كان ذلك ولم؟ أنت أخي اللّدود إذنْ، ظلّي التوأم، أكنّا في أميركا القارّة ومن بعثنا هناك؟
■ ■ ■
وتحدّثني عن السلام في المقهى، كما في الماضي، أقصد: بين الحملات العسكريّة ولا أحد يدرك كيف كتبت الموسيقى، من طرف من، فوق أيّ طاولة، بالحبر أم بالدم؟
■ ■ ■
هناك. مجتمعين في أحشاء الأرض لبرمجة هجمات قاتلة، هنا بالذات، غير مكترثين بقرارات البحر وها أنت بيننا — ماياكوفسكي في مطبخ فرمير — فاقداً للبوصلة: أكان موتك مبرمجاً، أكانوا سيقتلون جارك الدائم (أكانوا سيمنعونه من مشاهدة الأخبار في هذه الليلة المحتومة، أكانت روحه ستنظر إلى جسده يطفو فوق بركة دمه؟)، نعم، يستطيعون وكنت ستحذو حذوهم، تقتل أوّلاً، والذرائع في ما بعد؟
■ ■ ■
كنّا نعْبر الأدغال — أتذكر؟ — كان الحلم يكبر أسرع من نخلات جوز الهند، كنّا نحرّر العالم من سوئه. كنّا ندفن الفلّاحين البوليفيّين قرْب تشي، كنّا نمثّل من جديد قصّة المسيح بالتنقيب، ضاربين في أعماق التاريخ، أبعد من ينابيع الأمازون. كنّا هناك. هذا السفر محفوظ في سفر الذاكرة الحقيقيّة.
■ ■ ■
هناك. وكان ظلّانا جالسين هناك، وجهاً لوجه. أكنت خلف حجاب، خلف جدار؟ كانتْ عيْناك تمْتصّان أزرق الحزن الذي كنْت أرْمقه في النّيل، النهر الذي ولد في الأفق، نازلاً من المصطبات الضخمة، هائجاً، مرعباً، ثمّ التحقت بي زهرة، اقتاتت من جوهري، استحالت إلهة فراشة وواصلتْ، وجْداً.
■ ■ ■
أنْت تحيا في عتمة الرّوح، في مكان ما جنوب إسبانيا، حيْث تزوّجنا ثم تطلّقنا، كنت عليلاً، تشخص نحونا نظرة الكنيسة، عندما لا تصلبنا أو لا تحرق كتبنا.
■ ■ ■
الطين حيويّ، جوهريّ في الخلق، طبيعيّ في بلدان الأنهار، أنهار المنيّ والملح، فهو يصلح أيضاً لبناء البيوت، هناك، البيوت المطمورة تحت النّاپالم والْعلم الأميركيّ.
■ ■ ■
أقول لك هذا: النيران تبقى بعد موجة الجنون، وقبل أن تحبل زياتين بيْتي بثمار ستأْكلها، هناك، وسط الدفء، موجة الجنون والغبار، وريقات تصير الأحجار.

■ بحْر [2012]

إلى سيمون فتّال

موجة، فتحة: حصان يصل، يخْضع، يغْرق. سماء مخطّطة بالدّم. ما السّماء؟ تسلّق جبال لتأمّل الغيمات. ماء على ماء يعكس آليّات الذاكرة.
■ ■ ■
بحْر مصاب عنْوة بالْأرق، سماء تجْري نحْو الشرق. زبد أبْيض يغطّي الْماء منْ جديد. صمْت محيّر. تبْزغ الطّبيعة الْأنثويّة للمادّة كجوهر للماء.
■ ■ ■
مطر يسّاقط. أرْواح النّار تولّد فزعاً وظمأ في الحاضرين. أيمكن للماء أن يظمأ؟ بينما يركّز الرّعد الطّاقة، تصير متواليات من الموجات مقطوعات موسيقيّة. يقبض الفكر على الْأصوات وينْفثها في العاصفة.
■ ■ ■
مثْل ميديا، ينتسب البحر للأسطورة: يتلاطم على أرْصفته الصّخريّة. يغلي، ويغلي، ينقبض في تموّجات الْألق، يهبّ، ليهوي من جديد خفيفاً قبالة الشاطئ الأماميّ. عندما نرغب في رؤية اليمّ يستحسن في أغلب الأحايين إطباق العينين.
■ ■ ■
المحيط أوّل أبناء السّماء والْأرض. الزّمان يحلّ أخيراً؛ يبصق موجات مهدّدة ويستعيد شكله. هيجان ذو طابع خاصّ. وحش.
■ ■ ■
نقطة انطلاقة اللّانهائيّ تكون دوْماً في المركز، ثمّة حيث تقيم الرّوح. خلف صورة، ثمّة الصّورة. العدم أسّ الكيْنونة، بإخراج مشهدي من الشّعر الذي يجْمع الْايروتيكا والفكر. ليس بحياة، لكنّه حيويّ.

■ متوالية الزّيزفونات [2012]

كنْت أحبّ فسْقيّات باريس. لكنّ ذلك اندثر. البحار النّاشفة للقمر والجلبة الضّاجّة للمجرّات أندر الْأشياء التي تسحر قلبي. وعليّ أنْ أعدّ لها نفسي. الانتظار لا يزْعجني.

■ الثمن الذي لا نريد دفعه من أجل الحبّ [2015]

عنْدما نعشق، نصير طيوراً: نشْرئبّ بالأعناق ونصغي لنشيد لم نكن ننتظره. نبقى خرسان. لكنّهم كثر أولئك الذين ليسوا على استعداد للمجازفة بحياتهم من أجل لحظة كهذه. لن يجازفوا حتّى بأقلّ من هذا، لنْ يتحرّكوا. إنّهم هلعون، يفضّلون البقاء في رداءتهم. بوسعنا تفهّمهم: الْأحبّ في كلّ أشْكاله أهمّ أمْر نواجهه، لكنّ الْأخْطر أيْضاً، الْأقلّ توقّعاً، الأكثر إشباعاً بالجنون. رغم ذلك، هو الخلاص الوحيد الّذي أعرفه.

■ ليْل [2016]

طرحت الرّيح حقلاً من شجر الورد أرضاً.
■ ■ ■
ظلال تشبه بغرابة أشجار الْأمْس، الْأماسي والْغدوات جدران سجوننا.
■ ■ ■
زفافات الحكاية والقهوة التّي نحسوها، في أيّامنا التي تزداد قصراً، توْقظ حاجتنا لإعادة ابتكار الحبّ.
■ ■ ■
قوقعات فارغة تترسّب في الشّاطئ في ساعات غير أكيدة دوماً.
■ ■ ■
يرفض الهنديّ الأحمر قطع الأعشاب لأنّها، حسب قوْله شعْر أمّه، وأنا أعده بألّا أكْسر حجراً أبداً، لأنّه قد يكون مسكن روحه.
■ ■ ■
تقودنا الفلسفة نحو البساطة.
■ ■ ■
الْآن، موْجات من الورود تكسو الذّاكرة، لكنّ رغبة الطّفولة باقية، رغبة النّفاذ إلى قلب الزّمن. لا شيء يتحرّك... العشب ينمو بخلاف الكلمات. في هذه الورود، لانهائيّ اللّانهائيّ.
■ ■ ■
الميلاد في بطن مختوم، مع اللّيل كأرومة. أنا متيقّنة أنّ شيْئاً مّا يتبقّى من كلّ شيء، حتّى من العدم.
■ ■ ■
قشرْت الحائط منْ كلّ أثر للضّوء. وانْزويْت في تعاريف ضبابيّة.
■ ■ ■
الْيوْم جميل: الْآلهة ثملة والفتيات يترنّحن تعباً. آن أوان قطْف الخشخاش المتكاثر والإيماء للسّفن التي ولدتْ فرْحانة.
■ ■ ■
قبالة الْمرْآة، يبْدو الرّأْس كوْكباً مضاء. أتساءل: هلْ لنا أنْ نبْقى مليّاً في قلب زهرة. يدور الخيال في حلقة كأمتعة معزولة على مدرّج طائرة.

■ انْبثاق [2018]

تعود الْأمْطار إلى صوت أصولها عندما يهمّ اللّيْل بالتّمدّد؛ اللّيل، في الأطيان، مديدة كالشّوارع المقفرة لمدينة... أو للطّريق نحو المجرّات البعيدة. الحيوانات تستشعر فقْدان الوجهة.
■ ■ ■
الْمعْنى زائل.
■ ■ ■
يمْكن لضوْء شمْعة أنْ ينمّ عنْ كلّ عبث الانتصارات.
■ ■ ■
أنْظرْ للْأحْجار هناك، للحائط المنصدع، للمطر.
■ ■ ■
لديْنا يقينيّات لنسند إليها أكتافنا، ونواصل رغم ذلك فتح المصاريع، استقبال أصدقائنا... في المدن الّتي تجنّبتْها الحرب...
■ ■ ■
يتنفّس النّاس بقوّة بين الكابوس القديم ورتابة النّهار. يمْكن لسؤال بسيط أنْ يرفع حرارة الواقع.
■ ■ ■
الْقمر أكْثر ممّا أنا عليه، لكنّه لا يستطيع أن يمنحك أكثر ممّا هو عليه.
■ ■ ■
الدّنوّ من الشمس، أمر مخيف، مخيف برهبة.
■ ■ ■
لنترك النّوافذ مفتوحة لتهدئة الرّوع النّابع من الْأثاثات. البحر يرشق موجاته أعلى فأعلى. ملْح للْأرض.
■ ■ ■
آه لوْ أمكن النّفاذ في الواقع كما تنفذ سفينة في اللّيل!