بين «الجديد» وسعد الحريري علاقة شائكة، تسودها لغة المصالح والمضاربة السياسية إن صحّ التعبير. الرجل ظهر للمرة الأولى على شاشتها قبل خمس سنوات، وتحديداً في كانون الأول (ديسمبر) 2016، في حلقة خاصة (بعنوان «قلب الوسط») من برنامج «الأسبوع في ساعة» الذي دخلت كاميرته حينها قلب «بيت الوسط». من خلال ذلك، أرادت المحطة محاورة سعد الحريري «الإنسان» قبل السياسي. من المفيد الوقوف هنا، على ما تلاه جورج صليبي في استهلاليّة حلقته، إذ قال: «هو سعد الحريري الذي عبر إلى الزّعامة على وقع الحزن والدمع والألم»، وتابع: «واجه التحدّيات، وعاش النجاح والغربة». لنقارن تلك الاستهلالية بما تلته داليا أحمد في حلقة «فشّة خلق» التي بُثّت في 11 الشهر الحالي. حلقة خُصِّصت فقرة منها، للهجوم على الحريري، ووصفه بـ «المفلس» سياسياً ومالياً. الفقرة التي تضمّنت عرض مقاطع ساخرة لتلعثم الحريري في محافل عدّة، اعتبرت أنه «تأخّر في التخلّص من إرث أبيه»، وأنّه قبل انفجار 14 شباط 2005، «لم يكن هناك أصلاً سعد الحريري». وجالت المحطة على خطفه في الرياض، وعلى إفلاسه مالياً، وفشله في إدارة مؤسّسات والده. ووسط الحديث عن عزوف الحريري عن الترشح للانتخابات، سألت الفقرة: «هل سيُعلن الحريري إفلاسه السياسي؟» بعد إفلاسه المالي، لافتةً إلى أنّه «تعرّض لعملية اغتيال سياسي بطيئة وطويلة». الهجوم المركّز على الحريري، ترافق مع ظهور شخصية «إم خالد» (جوانا كركي) البيروتية التي عرفت كوميدياً بمناصرتها «تيّار المستقبل». حتى أنّها ظهرت معه، في بيروت خلال إعلان اللوائح الانتخابية. حضور «إم خالد» التي دخلت الأستديو غاضبة في اسكتشها التمثيلي، وعاتبت المحطة على الهجوم الذي تشنّه على الحريري، لم يكن سوى «زوبعة» في فنجان الهجوم عليه مجدّداً. رفعت «إم خالد» صورة شخصية لها، مؤكدةً نزولها على لائحة الحريري في بيروت. صورة بدت فيها عابسة، ترتدي الأزرق، لكنها تحمل في يدها دنانير إماراتية، في إشارة إلى التمويل الذي بات الحريري يتلقّاه بعدما هجرته السعودية.
يبقى اللّافت في الهجوم، استثناء بهاء الحريري منه، إذ أشادت داليا أحمد به، وبـ «رفضه ارتداء جلباب الزعامة» لأنه «شعر أنّه ثوب من نار». استثناء مطلوب من المحطة، لرجل الأعمال الذي اقتحم عالم الإعلام في الأشهر الأخيرة، وسيحط «تياره» في الانتخابات النيابية المقبلة. وليس تقرير «بهاء الحريري يطلّ على اللبنانيّين من عكار»، الذي بثّته القناة في 13 الشهر الحالي في نشرتها الإخبارية، سوى دليل إضافي على الترويج السياسي الانتخابي لبهاء وجماعته في لبنان. إذ خصّصت أكثر من دقيقتين، لنقل ما قاله الحريري لأهالي عكار، وما صرّح به سعيد صناديقي المدير التنفيذي لحركة «سوا للبنان» المدعومة من بهاء الحريري. هكذا، سقط سعد الحريري بسحر ساحر من أوراق «الجديد»، بعدما «استخدمته» طويلاً في الأشهر الماضية، كمنصّة للهجوم على رئاسة الجمهورية وجبران باسيل. المحطة التي تعلن على الملأ مقارعتها للحريرية السياسية، بدأت خطتها، في ذكرى اغتيال رفيق الحريري الـ16 في شباط (فبراير) الماضي، عندما خصّصت نصف نشرتها تقريباً لتناول هذه الذكرى وخطاب سعد الحريري، في سياق معركتها مع التيار «العوني»، ووسط أفول الحريري إعلامياً وإقفال محطاته وصحفه. ثم عادت واستكملتها في 15 تموز (يوليو) الماضي، ضمن حلقة «من دون تكليف» الخاصة التي حاورته فيها مديرة الأخبار والبرامج السياسية مريم البسام على مدى ساعتين. حلقة ظهر فيها الحريري الذي كان مكلفاً بتولّي رئاسة الحكومة «ليحسم قراره ويكشف أوراق التعطيل» كما تضمن الإعلان الترويجي للحلقة وقتها. وكان اللافت فيها، أنّ المخرج نضال بكاسيني، أدخل الموسيقى التصويرية المؤثرة، لدى السؤال عن «المحكمة الدولية»، واغتيال رفيق الحريري، لإضفاء نوع من التعاطف والتأثر على حوار سياسي، كسابقة تسجل لهذه الحلقة في عالم «التوك شو» السياسي. إذاً، دارت الأيام، وأُسقط سعد الحريري الذي كان يتربّع على شاشة «الجديد» قبل أشهر، في مقابل إطلاق مختلف أنواع الهجمات على موقع رئاسة الجمهورية وفريقها السياسي، وصلت في بعض الأحيان إلى تحطيم الأدبيات المتعارف عليها إعلامياً وأخلاقياً. ها هي الشاشة عينها، تُنزل الحريري من على شاشتها، عشيّة التحضير لانتخابات نيابية طاحنة، يعزف فيها عن الترشح، ويدخل شقيقه بهاء من بابها الواسع، مستنداً إلى الأموال التي يغدقها على بعض وسائل الإعلام المحليّة، لتغطية أنشطته السياسية والترويج له. مشهدية إعلامية متغيرة كالرمال المتحركة، لا تعرف لغة الثبات، بل تتحكم بها لغة المصالح و«البيزنس».