يحمل ملف العدد الجديد الخاص من مجلة «الدراسات الفلسطينية» (عدد 128)، عنوان «كلام الأسرى، عيون الكلام». يكتب الأسرى أفكارهم ورؤاهم حول قضايا فلسطين الراهنة. لا يُفاجأ القارئ لهذا العدد بالعمق والاتّساع فقط، بل يشعر أنّ هناك طاقة ولغة جديدتَين كامنتين في الأعماق. لغة تنتقد وتشارك وتسهم في معركة الحرية التي تراها من مكان عميق. يكتب الياس خوري في المقدمة عن «الجغرافيا السادسة»، و«فلسطين التي تحت». يقترح هذا التصنيف لأنه يرى أن الأسرى هم فلسطين التي في الأعماق، فهم كما يقول «يحملون أعباء الوطن، ويعبّرون عن فكرة فلسطين في صورتها الحقيقية والمشتهاة». وجّهت أسرة التحرير شكراً وتقديراً للشاعر والأكاديمي عبد الرحيم الشيخ الذي أعدّ وجهّز معظم محتويات العدد، وأدّى دور رئيس تحرير زائر. قدّم الشيخ أيضاً ملف الندوة التي تحمل عنوان «ندوة الحركة الفلسطينية الأسيرة: الجغرافيا السادسة»، مشيراً أن إعداد هذه الندوة قد استغرق قرابة أربعة أشهر، شهدت إلغاء الانتخابات الفلسطينية، ومعركة سيف القدس، ومقتل نزار بنات.
تهدف هذه الندوة إلى إسماع صوت نخبة من قادة الحركة الوطنية الفلسطينية الذين غيّبهم الأسر في سجون الاحتلال الصهيوني. رغم الاصطفاف الوطني الكبير خلال هبة القدس، فإن الساحة الوطنية، افتقدت صوت قيادة الحركة الوطنية الأسيرة، القابعة في سجون الاحتلال حيث تقع «الجغرافيا السادسة». تستطلع الندوة آراء الأسرى على نحو حواري يبحث واقع فلسطين كهويّة وقضيّة. كان من المخطّط أن يُشارك في الندوة جيلان من الأسرى: نخبة قيادية من الجيل الأول، كوليد دقة، وباسم خندقجي، ومروان البرغوثي، وثابت مرداوي، وأحمد سعدات، وعبد الناصر عيسى، ووجدي جودة، ومجموعة شبابية من الجيل الثاني تمثل الأسيرات مثل أماني الحشيم، وليان كايد، وبشرى الطويل، ومنى قعدان، وميسون جبالي. غير أن ظروف التواصل مع الأسرى في السجون الصهيونية، لم تسمح لهذا المخطّط، بأن يكتمل، فالقائد أحمد سعدات لم يتمكّن من المشاركة ولم تمرّر الخلاصات مع أسيرات الجيل الثاني، فاستعاض فريق التحرير عن ذلك بحوارية مع الأسيرات المحررات.
في جوابه عن سؤال حول المشهد الفلسطيني، يؤكد مروان البرغوثي أنّ معركة القدس الأخيرة أثبتت أن المعاناة لن تجعل شعبنا يتخلى عن حقوقة الوطنية الثابتة. وأكد في المحور الأول الذي يحمل عنوان «أزمة القيادة في المؤسسة السياسية الرسمية» أن التغيير الجوهري يتعدّى تغيير الشخوص شكلاً، ليصل إلى الأفكار والبُنى وسياق العمل والفعل السائد والمسيطر جوهراً.
تكتب قسم الحاج أربع قصص عن الحرية


أما وليد دقة، فيرى أن هناك قيادة شابة رفضت نهج القيادة التقليدية التي تبنت بشكل أساسي «استراتيجيا» السعي الدبلوماسي لدى الدول العظمى لاستجداء الحق الفلسطيني، ولكنه يناقش كيف تحولت هذه القيادة إلى المواقع نفسها التي انتفضت ضدها وتخلّت عن العنف الثوري.
وفي المحور الرابع الذي يُناقش أولويات العمل فلسطينياً وعربياً وإقليمياً وعالمياً، يقول باسم الخندقجي بأن هناك حاجة ماسة وملحة إلى تأسيس بناء جامع للشعب الفلسطيني، وهو تأسيس المؤتمر الفلسطيني العالمي الذي يتم تمثيله في إطار فلسطيني في جميع تجمعات فلسطين 48، والقدس والضفة الغربية وقطاع غزة ومخيمات الشتات والأسرى في السجون الصهيونية والتجمعات الفلسطينية في أنحاء العالم بألوان الطّيف السياسي والاجتماعي والاقتصادي كله.
في حوارية مع أربع أسيرات محررات، تكتب قسم الحاج أربع قصص عن الحرية، بدأتها مع الأسيرة المحررة ميس أبو غوش التي سردت تجربتها في السجن ومعاناتها وما تعرضت له من تعذيب، وكيف قاومت بذاكرتها وحواسها التي حاول المحقّقون إضعافها من خلال التحقيق. وهناك قصة سماح جرادات التي اعتُقلت أيضاً على خلفية عملها ونشاطها الطلابي في جامعة بيرزيت ومورست عليها أيضاً ضغوط نفسية كبيرة. وسردت قصة شذى حسن التي تقول بأن لحظات الاعتقال الأولى كانت الأصعب، وأن أقسى المحطات في السجن هي البوسطة التي تصفها بأنها «قبر متنقل». أما ايلياء أبو حجلة، فتسرد قصتها مع التعذيب واللحظات الساخرة خلال مداهمة منزلها عند سؤالها عن صورة الحكيم جورج حبش، فكان جوابها «هذا ابوي وهو كبير».
يشتمل العدد أيضاً على مجموعة مقالات متنوعة ومهمة، منها «المؤسسات الفلسطينية العاملة في مجال الأسرى» (بقلم تسنيم القاضي) و«الثابت والمتحول في السياسة الاعتقالية الاسرائيلية» (أماني سراحنة). وكتب الأسير الفلسطيني في سجن جلبوع باسم الخندقجي دراسة بعنوان «أثر سياسات المعرفة في الخطاب البحثي الأكاديمي». أما الأسيرة في سجن الدامون ليان كايد، فكتبت عن السجن كنص، وعن اللغة التي تقرأها السجينات وكيف يفرض السجن نفسه كحقيقة. تكتب في نصها: «السجن يريد عزلك عن شعبك وبلدك، كما يريد إبعادك عن حلمك بأن تعتبر السجن مآل الحالمين».
لا يخلو العدد من القصص والقصائد أيضاً. تضمنت الصفحات الأخيرة أربع شهادات عن القمع للشاعر زكريا محمد، والناشطة السياسية هند شريدة، والناشط الشبابي فادي قرعان، والأستاذ المساعد في جامعة بيرزيت خلدون بشارة.