طوال حياته، ظلّ بيار جاميجيان (1949 ــ 2021) عاشقاً للبحر الذي حرص على البقاء بالقرب منه حتى آخر أيّام حياته، محافظاً على شبابه لأنّه «لم يتزوّج» كما قال ذات مرّة في حديث مع «الأخبار». أمس الخميس، فارق ابن جلّ الديب (قضاء المتن) الحياة عن عمر 72 عاماً في مستشفى «هارون» في الزلقا بعد فترة وجيزة من نقله إليها إثر اشتداد العارض الصحّي الذي تعرّض له بعد ظهر اليوم السابق، ليتبيّن لاحقاً أنّ الوفاة حدثت بعدما تجمّع الماء في الرئة في ظل معاناته من ضعف في عضلة القلب.

قبل بدء شعوره بصعوبة في التنفّس، أمضى بيار جاميجيان يومه في مقرّ «نقابة ممثلي الإذاعة والسينما والتلفزيون والمسرح» برفقة عدد من الزملاء والأصدقاء كعمر ميقاتي وعبدو شاهين وختام اللحام، و«ضحكنا كما لم نفعل من قبل... كأنّه جاء لإلقاء تحية الوداع»، على حدّ تعبير النقيب نعمة بدوي في اتصال مع «الأخبار». كعادته، بثّ الراحل خلال زياته هذه الكثير من الطاقة الإيجابية وأطلق النكات متحدّثاً عن ازدحام جدول أعماله بمشاريع من بينها مسلسلَا «الهروب» (كتابة حنين عمر ــ بطولة باسم مغنية وشجون الهاجري وغيرهما) الذي يصوّر في البقاع تحت إدارة المخرج محمد جمعة و«للموت 2» (كتابة نادين جابر وإخراج فيليب أسمر) من إنتاج «إيغل فيلمز».
في «ثانوية الجودة»، تكوّنت علاقته بالتمثيل. إلا أنّ الانطلاقة إلى مسارح الحمرا كانت من ملعب كرة السلة الشاسع لـ«الرابطة الاجتماعية بقنايا ــ جل الديب». فالأخيرة كانت تستعيد سنوياً إحدى مسرحيات الرحابنة وتقدّمها بحضور عاصي ومنصور ومساعدتهما. بين «يعيش يعيش» و«المحطة» و«هالة والملك»، سلك بيار درب الاحتراف حتى كانت مشاركته بدور النادل «عزّو» في مسرحية «سهرية» لزياد الرحباني في عام 1973. صحيح أنّ علاقته بزياد وصلت مع الوقت إلى حدود الزمالة والصداقة (شارك في «نزل السرور»، «فيلم أميركي طويل»، «شي فاشل».../ انظر الكادر) إلا أنّ العمل مع عاصي وأمام فيروز على خشبة «البيكاديللي» كان اختباراً صعباً، سرعان ما اجتازه عبر مسرحية «لولو» التي ظهر فيها في عام 1974 بشخصية «رعد المجنون»، لتكرّ السبحة مع «ميس الريم» (1975)، و«بترا» (1977). بعد هذه المرحلة الذهبية، كان حضور بيار جاميجيان على الخشبة خجولاً، إذ اقتصر على أعمال من بينها «بيارو حظه زيرو» (1987) و«بيارو أو لا أحد» في التسعينيات.
العمل مع عاصي و فيروز على خشبة «البيكاديللي» كان اختباراً صعباً


بعيداً عن المسرح، كان لجاميجيان نصيب وافر من إنتاجات «تلفزيون لبنان». على الشاشة الوطنية، ظهر مثلاً في بعض حلقات مسلسل «يسعد مساكن» مع «أبو ملحم» (أديب حداد)، إلى أن كانت المشاركة الأبرز المطبوعة في ذاكرة أجيال متعاقبة من اللبنانيين. في 1981، تعرّف المشاهدون إلى «بيارو» في المسلسل الكوميدي الشهير «المعلّمة والأستاذ» (قصة وسيناريو وحوار إبراهيم مرعشلي، إخراج أنطوان ريمي) أمام كوكبة من النجوم، على رأسهم إبراهيم مرعشلي وهند أبي اللمع وليلى كرم وشفيق حسن وأماليا أبي صالح وجان خضر ويوسف فخري وآخرون.
على الرغم من «الفساد الإنتاجي المستشري فيها»، حرص جاميجيان على الوجود في الدراما التلفزيونية في سلسلة من العناوين التي تشمل: «الغالبون» و«تحليق النسور» و«الهيبة» و«كاراميل» و«نص يوم» و«كلام على ورق» و«أولاد آدم» و«حكاية أمل» و«السبيل» و«امرأة من ضياع» وغيرها.
أما سينمائياً، فانضم إلى أشرطة محلية، طغى على غالبيتها الطابع الكوميدي، نذكر منها: «فيتامين» وWelcome to Lebanon و«كذبة بيضا و«تايم آوت» و«فدعوس وفتاة الأوتوستوب» و«السيدة الثانية» و«24 ساعة حب»...
كان بيار جاميجيان ناشطاً على الصعيد السياسي أيضاً، إذ انضم إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي ضمن نطاق منفذية المتن الشمالي. وقد نعاه الحزب في بيان، واصفاً إيّاه بأنّه «نهضوي ملتزم مثّل روح المبادئ القومية الاجتماعية ونظرتها إلى الحياة والكون والفنّ».

يصلّى عليه اليوم الجمعة عند الساعة الرابعة والنصف من بعد الظهر في «كنيسة مار تقلا» (بقنايا ـ جل الديب)، وتُقبل التعازي في صالة «الرابطة الاجتماعية بقنايا ــ جل الديب» من الساعة الحادية عشرة قبل الظهر وحتى السادسة مساءً.