غاب بيار جماجيان عن «بالنسبة لبكرا، شو؟» (1978) وعن الثلاثية المذهلة «بخصوص الكرامة والشعب العنيد»، و«لولا فسحة الأمل» و«الفصل الآخَر» (1993/1994)، لكنّه شارك في جميع مسرحيات زياد الرحباني الأخرى بين الأعوام 1973 و1983. فهو ابن جلّ الديب (ساحل المتن الشمالي)، أي المنطقة التي كانت ملعب زياد الفني الأول (بقنّايا) بالقرب من أنطلياس، وكان من الطبيعي أن ينخرط في هذا المشروع (وكذلك في آخر مراحل مسرح الأخوين رحباني وفيروز).

«إعلان هام: نظراً إلى غلاء الفول والحمص وارتفاع أسعار الحشائش على أنواعها، نعلن للزبائن الكرام أنّنا اضطررنا إلى رفع سعر الصحن من 35 إلى 40 قرشاً»… بهذه الكلمات يفتتح بيار جماجيان، بدَور «عزّو»، النادل في مقهى «نخلة التنين» (جوزيف صقر)، مسرحية «سهرية» (1973)، ويفتتح بها كذلك مسرح زياد الرحباني. هكذا، رحل بيار جماجيان بالأمس، تاركاً ذاك الإعلان المهم يتجدّد اليوم بأرقام مختلفة.
بعد «سهرية» بسنة واحدة وقبل الحرب بسنة واحدة، حقّق زياد الرحباني نقلة نوعية ستبقى تتكرّر وتكبُر في ما سيأتي من الأعمال المسرحية، فكان العمل الأكثر شعبية في تاريخ المسرح اللبناني «نزل السرور»، حيث لم يتغيّر كثيراً دور بيار جماجيان، وهو «تينو» عامل الاستقبال في النزل. وكما مع «أنطون» السكّير في «سهرية»، كذلك مع «زكريا» المشرّد والمطرود من بيته، هنا حواره مع زياد الرحباني سيصبح علامة فارقة ضمن العلامة الفارقة. عام 1978، غاب جماجيان عن «بالنسبة لبكرا، شو؟»، العمل المسرحي العظيم الذي سيليه آخر بنفس المستوى، بعد أقل من سنتَين، بعنوان «فيلم أميركي طويل»، سيكون لبيار جماجيان دورٌ محورّي فيه، وهو الطبيب المسؤول عن مستشفى للأمراض النفسية والعصبية. هنا أيضاً، سيلاقي «رشيد» في حوار ثالثٍ محورّي في مسرح زياد الرحباني ومعه. الطبيب العاجز عن حلّ مشاكل مرضاه وهي في الأساس انعكاسٌ لمشاكل البلد. سيكون «رِفعَت» في «شي فاشل» عام 1983، وهو نجّار من الجبل (وهنا بمعنى جبل لبنان، وتحديداً الشوف) في عزّ الحرب الطائفية بين الدروز والمسيحيين وفي ظل وجود كمية هائلة من الجيوش غير اللبنانية على أرض لبنان. مهمّة «رِفعَت» إنجاز شلال لمسرحية «جبال المجد» التي تتمحور «شي فاشل» حول بروفاتها والتحضيرات لها، ونقله إلى المسرح في هذه الظروف الصعبة. هنا حوار رابع بين زياد (نور — مخرِج «المسرحية» في المسرحية) وبيار، ينطلق من هدوء مريب من جانب «المخرِج»، كجمر تحت الرماد، وينتهي بالصراخ. لكن بيار جماجيان، الذي تحوّل إلى العمل التلفزيوني والمسلسلات الساخرة في السنوات الأخيرة من الحرب، سيغيب عن قمّة ما أبدعه زياد في مجال المسرح السياسي/ الاجتماعي بعد الحرب، ليظهر مجدداً على الشاشتَين الصغيرة والكبيرة، في مسلسلات وأفلام محلية، حتى الأمس القريب. خلال نحو نصف قرنٍ تقريباً من العمل، راكم الراحل مساهمة كبيرة في مجال التمثيل على الساحة المحلية، لكن حضوره في مسرح زياد الرحباني يبقى، بدون شك، العلامة الفارقة في مسيرته.