قبل عشر سنوات، وُلد في قلب بيروت «ملتقى الشباب في مسرح المدينة» (مِشكال). ومنذ ذلك الحين، تحرص «سيّدة المسرح اللبناني» نضال الأشقر على إقامته سنويّاً، للحفاظ على الطابع الشاب للمسرح ووصله بهموم فنّاني اليوم التي لا تنفصل عن القضايا العامّة في البلاد.اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، وفي ظلّ الانهيار الشامل الذي نعيشه، وجدت الأشقر حاجة ملحّة إلى إقامة دورة خاصة تنطلق اليوم الجمعة وتستمرّ إلى الخامس من تشرين الأوّل (أكتوبر) الحالي، أطلقت عليها اسم أسامة العارف «الكاتب المسرحي والمحامي والصديق الذي كان متميّزاً على جميع الصعد»، وفق ما تؤكد لـ «الأخبار». وبطبيعة الحال، سيشكّل الشباب ركيزة الحدث المرتقب. كيف لا؟ وابنة المناضل أسد الأشقر مؤمنة بأنّ «مَنْ يربح معركة الشباب، يربح معركة الحياة»، بحسب ما قالت في تموز (يوليو) 2020 حين نظّمت «هيصة» في فضائها البيروتي حاولت من خلالها كسر «نحس» ذلك العام المشؤوم.
لكن وسط كلّ السوداوية التي تحيط بنا والخيبات والانكسارات المتلاحقة، من أين تأتي نضال الأشقر بالعزيمة والإرادة للاستمرار في العمل وخصوصاً مع الفنانين الشباب؟ «لديّ ثقة مطلقة بالشباب وبالثقافة وبأنّه يمكن للفنون أن تكون علاجاً حقيقياً»، تقول «زنوبيا». وتضيف: «لذلك قرّرت منذ شهرين أنّه من الضروري أن نلجأ إلى العلاج بالمسرح لنتمكّن من إفادة الناس عموماً والشباب خصوصاً، ولكي تبقى بيروت ويبقى شارع الحمرا المكان الأجمل الذي يبثّ شعاعاً من نور وأمل». وتشدّد الأشقر على أنّ هذه المسألة بالغة الأهمية بالنسبة إليها: «علينا الاستمرار أوّلاً مع المحفاظة على الثقة والأمل».
زينة دكاش

هكذا، تقرّر أن تكون دورة 2021 مخصّصة أساساً لورش عمل منوّعة مرتبطة بالعلاج بالمسرح. أما عن سبب إطلاق اسم أسامة العارف عليها، فتؤكد نضال الأشقر أنّه «أوّل من عالج نفسه بالمسرح حين هرب من المحاماة والناس والمشاكل ولجأ إلى الخشبة... إنّه من الأشخاص الذين كان المسرحيون من أعزّ أصدقائه». كما تشير إلى أنّ الهدف من هذه الأنشطة هو «معالجة» الناس الذين لا يزالون يعانون من «الحروب» المتتالية في لبنان، وليس آخرها انفجار مرفأ بيروت والاهتراء الذي ينخر في كلّ مفاصل الحياة حالياً: «هم بحاجة إلى الخروج من أنفسهم والذهاب بها إلى مكان آخر... واللافت أنّ من تسجّلوا للمشاركة هم أشخاص من خلفيات منوّعة بعيدة أحياناً عن الفن. أنا سعيدة جدّاً بدورة هذه السنة وآمل أن نستطيع تكرار هذه المحترفات على مدار السنة».
اليوم الجمعة وغداً السبت، تطلّ الممثلة والمتخصّصة في العلاج بالدراما زينة دكاش. ستحاكي الورشة التي تنطلق عند الساعة الثانية بعد الظهر واقعنا الحالي (من ضغوطات وصدمات) وتأثيره على صحتنا النفسية. كما أنّها تتضمّن سلسلة تمارين لاكتشاف الشخص في داخلنا المتمكّن من مهارات «التعبير والتحدّي وأخذ القرار والتفاوض والتغيير» (Hero’s journey exercises).
يقدّم عوض عوض سهرة موسيقية ــ غنائية عن الوضع الراهن بعنوان «تنفيسة»


وفي اليومين ذاتيهما، يقدّم عوض عوض عند الساعة السابعة والنصف مساءً سهرة موسيقية ــ غنائية عن الوضع الراهن اختار لها اسم «تنفيسة»، من إعداده ومن إخراجه. ويشارك فيها تمثيلاً وغناءً كلّ من: طارق تميم، دونا عطالله، ليا بو كريم، تاتيانا عبود، أدريان ربيز، ترايسي يونس، حسين بدران، فادي سلمان، سيلين حداد، آية أبي حيدر، يارا عماشة، فرح حاج عمر، إبراهيم قادور، محمد قديح، محمد طارق المجذوب، نيفين يقظان، مريانا أبو جودة، ناريه كوركجيان وكريم مكوك. إلى جانب العازفين نجيب جمّال (عود)، ساتي موكان (غيتار)، جوزيف يشوعي (إيقاع)، سامي سعادة (أورغ) وبشّار عون (باص).
في 3 تشرين الأوّل، يقدّم آرثر ليسترينج ورشة بعنوان I Will Begin (سأبدأ). وفيها، سيختبر المشاركون من خلال سلسلة من التمارين اللفظية والحركية والصوتية «إمكانية مشاركة كل شخص في هذا العالم في الكلام والعمل وخلق بداية جديدة»، وفق ما سبق أن قالت هانا أرندت.

نضال الأشقر

أما في الورشة التي تتشارك تقديمها نضال الأشقر مع منى كنيعو وخالد العبدالله، فسيتدرّب الحاضرون على الارتجال حول مشاهد وأغانٍ من مسرحية «إضراب الحرامية» التي وضعت اسم أسامة العارف في الصفوف الأولى لحداثة المسرح اللبناني. النص الذي قدّمه روجيه عساف ونضال الأشقر عام 1971، تحوّل إلى إحدى العلامات الفارقة للمدينة التي كانت تعيش عصرها الذهبي في المسرح والشعر والصحافة والسياسة.
ويختتم الراقص والكوريغراف اللبناني ألكسندر بوليكيفيتش الذي يحاول فتح آفاق جديدة للرقص البلدي الحدث بورشة تركّز على اختبار علاقة الروح بالجسد وطرق تفكيكها وتحريرها له.
وفي نهاية حديثها مع «الأخبار»، تشدّد نضال الأشقر على أنّ معلَماً مثل «مسرح المدينة» يجب أن تبقى أبوابه مفتوحة ويظلّ ملاذاً للناس لـ «التنفّس والحرية والانفتاح والحلم»!

«ملتقى الشباب في مسرح المدينة» (مِشكال): من اليوم وإلى 5 تشرين الأوّل ــ «مسرح المدينة» (الحمرا ــ بيروت). الدخول مجانيّ. (للاستعلام: 01/753010)