في السابق، كانت سهرة الاثنين من كل أسبوع تشهد معركةً طاحنةً على الشاشات اللبنانية، تتمثل في المنافسة بين مقدّمي البرامج الاجتماعية. كان القائمون على القنوات المحلية يضعون تلك البرامج في مواجهة بعضها كي تحصل على أكبر نسب مشاهدة، فيما تتسابق المحطات على استقدام حالات اجتماعية وقصص مأساوية تتنوّع بين الفقر والاغتصاب والقتل سعياً وراء «الرايتينغ». حتى إنّ الضيف نفسه صاحب القضية كان يحلّ على برنامجين أو ثلاثة دفعةً واحدة. هذا ما أدّى إلى تخمة وانتقادات طالت هذه البرامج. ثم جاءت التغيرات السياسية والأزمات الاقتصادية، بدءاً من تظاهرات تشرين الأول (أكتوبر) 2019 في لبنان ولاحقاً انتشار فيروس كورونا لتغيّر المعادلة. انسحبت البرامج الاجتماعية من الواجهة، لتحلّ مكانها برامج تركب موجة «الثورة» وتفتح الهواء للمواطنين والسياسيين. ثم احتلّ الأطباء صدارة الضيوف، وراح المحاور يفنّد كورونا. هكذا أخذت البرامج الاجتماعية قسطاً من الراحة، لتدخل نفق كورونا الذي كان الشغل الشاغل للعالم. بعد عامين على تغيير مسار البرامج الاجتماعية ومع انطلاق برمجة الخريف الحالي، بدأت التساؤلات: ماذا سنشاهد في مضمون تلك المشاريع؟ هل نعود للمحتوى القديم الذي يستهلك الضيف؟
تعاقدت «الجديد» مع الممثل عمار شلق لتولي برنامج يحمل مبدئياً اسم «المفاوض»

بجولة سريعة على القنوات اللبنانية، يبدو أنها تتحضّر لمرحلة تغيّر في مضمون البرامج الاجتماعية، وهذا التغير لن يكون في المحتوى فحسب، بل أيضاً في المقدّمين. إذ سنشهد غياب مقدّمين عن الكاميرا بعد سنوات من تقديم برامجهم، في مقابل بروز وجوه جديدة قرّرت دخول عالم البرامج الاجتماعية، ولو متأخرة.
يتصدّر طوني خليفة لائحة الغائبين عن البرامج الاجتماعية التي قدّمها لسنوات، بين قناتي «الجديد» و mtv التي لم يصمد فيها كثيراً، قبل أن يحطّ على lbci ببرنامج «طوني خليفة». العام الماضي، قرّر خليفة ترك «الجديد» والانتقال إلى lbci ببرنامج اجتماعي («سؤال محرج» على «صوت بيروت انترناسيونال» و lbci) لم يكتب له العمر الطويل. لم يضف البرنامج بصمة في رحلة خليفة الاجتماعية، فالأخير يعتبر واحداً من مؤسسي هذه البرامج، أوّلها «للنشر» الذي تولاه سنوات طويلة على «الجديد». بعد سنوات من تربعه على رأس تلك الأعمال، سلّم خليفة مفاتيح تلك المشاريع لزملائه. فقد قرّر الهجرة إلى الإمارات العربية المتحدة لإدارة إحدى القنوات هناك. وبموجب هذه الخطوة، يغيب برنامج «طوني خليفة» عن الشاشة هذا الموسم ويكتفي المقدّم بـ «سؤال محرج». يوضح خليفة لنا أنه سيزور بيروت مرّة كل شهر لتصوير حلقات «سؤال محرج» الذي يستضيف فيه سياسيين من مختلف المجالات. وهذا الأمر لن يمكّنه من استكمال برنامجه الاجتماعي «طوني خليفة» لأنّه يحتاج إلى التفرّغ لتحضير الحالات ومواضيعها.
يغيب نيشان وطوني خليفة عن الشاشة


بعد غياب خليفة، تكتفي lbci بعرض موسم جديد من «أحمر بالخط العريض» الذي يقدمه مالك مكتبي. يحضر المقدّم لموسم متنوّع، لكنه لن ينطلق مباشرة مع برمجة الخريف، بل سيبصر النور خلال الفترة المقبلة. في المقابل، تحضّر lbci لبرنامج اجتماعي جديد بنكهة مغايرة عن البقية، يتطرق إلى القضايا النفسية والاجتماعية، لكن المحطّة لم تبدأ تصويره بعد.
ليس خليفة الغائب الوحيد عن الشاشة الصغيرة، بل كذلك زميله نيشان ديرهاروتيونيان الذي كان يتولّى برنامج «أنا هيك» على «الجديد». إذ تلفت المعلومات لنا إلى أن المقدم قرر الغياب فترة عن الشاشة، ولم يعرف ما إذا كان نيشان قرّر كخليفة، الانتقال للعيش في الإمارات بعد حصوله على الإقامة الذهبية هناك، أو الغياب بشكل مؤقت. وكان نيشان قد انتقل سريعاً من الحوارات الفنية إلى الاجتماعية، محاولاً اللعب على وتر القضايا المستهلكة لرفع نسب المشاهدة، كاستضافة حالات تعرضت للاغتصاب أو أجرت عملية تحوّل جنسي.
غياب نيشان لن يوقف عجلة المشاريع الاجتماعية على «الجديد»، فقد قررت الأخيرة التعاون مع جو معلوف لتقديم برنامج اجتماعي يحمل اسم «فوضى» سينطلق خلال الأسابيع المقبلة. يدور العمل في فلك القضايا الاجتماعية، لكنه سيكون عبارة عن ملفات يفتحها جو ويطلب حلولاً لها. معلوف القادم من قناة mtv حيث كان سيتولى «بالوكالة» وتجمّد إثر تظاهرات خريف 2019، انضم إلى شاشة تحسين خياط في تجربة ستكون محطّ الأنظار. في المقابل، تكثّف «الجديد» من أعمالها الاجتماعية، إذ تعاقدت مع الممثل عمار شلق لتولي برنامج يحمل مبدئياً اسم «المفاوض». العمل اجتماعي، يقوم على الصلحة بين شخصين متخاصمين. ويبدو أنّ البرنامج سيكون أشبه بـ «المسامح كريم» الذي قدّمه جورج قرداحي في السابق. وتعرض «الجديد» حالياً إعلاناً تطلب فيه مقابلة أشخاص يريدون الصلحة مع بعضهم، ليحلّوا ضيوفاً على «المفاوض». هكذا، تكثّف «الجديد» من المشاريع الاجتماعية على اختلاف صبغتها، في محاولة للمس اهتمامات المشاهد.
رغم الحركة اللافتة في البرامج الاجتماعية في «الجديد» و lbci، إلا أنّ تلك الأعمال يخفّ وهجها عندما نجري جولةً سريعة على برمجة mtv، إذ أنّ القضايا الاجتماعية تذوب في البرامج السياسية. تلفت المعلومات لنا إلى أنّ مشاريع المر التلفزيونية تقدّم خلطة في برمجتها تمرّر فيها رسائل سياسية موجهة حسب سياسة القناة. مثلاً، يتطرق مارسيل غانم في إحدى فقرات برنامجه «صار الوقت» (كل خميس 21:45) إلى حالات اجتماعية معينة، ويمرّر رسائله لتلميع صورة أطراف على حساب أخرى. كذلك تطل غادة عيد في برنامجها «مشروع دولة» الذي بدأت mtv عرضه لتتطرق إلى ملفات اجتماعية وسياسية. تقول عيد لـ «الأخبار» إنّ «مشروع دولة» يتطرق إلى قطاعات عدة، ويطرح الحلول لها وإدارتها ويحاول أن يعالج بعض قضايا الفساد. باختصار، تشهد برمجة الخريف تغيرات عدة في شكل البرامج الاجتماعية، وهذا الأمر يضع المقدمين أمام امتحان ستُعرف نتائجه قريباً.