لا تمتلك «ناشط» قوى نموذجية ضخمة. هكذا، وجد القيّمون عليها، على رأسهم ظافر الخطيب (رئيس الهيئة الإدارية لهيئة ناشط الثقافية/ الاجتماعية) أن لا قوة تستجرّ القوة إلا بالاستجابة إلى المستقبل لا إلى الماضي. وقع الماضي، غير أنه خلاص منه، لا ارتواء، لأن الماضي جسد في الأجساد. بعيداً من هذه الحقيقة، لا عسل في الحياة. إذن، خروج على الماضي لا خروج منه. الخروج عليه، قبوله كلذّة جرى التصويب عليها. القبول جرأة، مرحلة لتآلف الخلق تكراراً، بحيث تكتشف الروح الجديدة كجزء من روح قديمة لم ولن تقع في مقام الانطفاء. ذلك أن لا مستقبل بلا ماضٍ. ولكن كل مرة بطريقة أخرى. تقليد آدم، لإحداث أعجوبة الحدوث، ما يسمى المكانة. وهذا إذا ما حدث يقع إحداث المواضيع الأولى، أو المواضيع الرئيس. وإذا حدث الأمر، نسل المؤسّسون إلى طرح الأسئلة، تحليلها، تفسيرها، وضعها في حاجاتها الأساسية. هذا ما فعله ناشطو «ناشط» في صيدا للخروج من المنازل الضيقة، حيث أن الثقافة لا تشبع. وإذا شبعت لا تعود ترى ولو بقيت. هكذا، جرى الخروج من المنزلة الضيقة إلى المجتمع الحديث، في واحدة من عمليات التقدم الملحوظة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفكرية، كما لو أن ما يجري تحقيق دعوة لجمع اختلاف الطبائع، ثم جمعها في مجالٍ واحد هو مجال الحياة الإنسانية. جمع من الولادة إلى الولادة بعملية ديمقراطية لا في اختزال المسافات لأن الخطيب وصحبه لم يغرورقوا فرحاً بعدما أوجدوا الرأس والصدر والقدمين، إذ أدركوا بأن لا رأس بلا شعر ولا صدر بلا قلب ولا كلام بلا شفتين ولا قدمين بلا حكاية. وجد الجمع أن تغيير الوحدة الكلية، أن الدخول بعمر آخر لن يحدث إلا بالمجيء من عمر لم ينتهِ. إنها الذاكرة من جديد. إنه الماضي من جديد ، الرواق إلى المستقبل. هكذا وجد الجميع أن تغيير الوحدة الكلية حلم أشبه بقيلولة من لذة، شيء من المستحيلات. إذن، إلى قيام العرس من السرّة. إذن، إلى شيء ضد الختام، ختام الدعوات الخفيضة إلى جمع شكلين اجتماعيين. شكلان لا يختلفان بالعمق. ولو أنهما يمتلكان لياليهم، آلاف الليالي المختلفة بالآليات في الحلقات، كل حلقة بحلقتها، وبالسلاسل. الاختلاف يغني، الخلاف ينقص، إذ يحول الحكاية إلى ثرثرة. هنا، قاد الوعي الجماعي إلى جمع الأبديّتين بقبلة واحدة. ما يخصّ اللبنانيين، أبدية. وما يخص الفلسطينيين. لن تدهم الواحدة الأخرى لأنهما من حبوب مسبحة واحدة. سوف يعفي ما وعاه الجمع من الكلام على أجناس اللغة، لكي لا نقول على جنس الملائكة، بعد استهلاك عظيم سكن البيت للجنس الأخير. أعفت العملية من تتّمة الواجبات. بعدما استفادت الجماعات في كل لحظة من طبائع الاختلاف لبناء هيكل مشترك لا ينوص. موحد إلى حد وبعيد من النمذجة، بعيد من الصور النموذجية. لأن النمذجة تدفع إلى التأتأة. مذّاك، مثل الاختلاف كنقطة انطلاق، كنقطة ثراء، كضوء لم يولد للتو، لم يولد من التو. نقطة إقامة المثال، المثل، من تحقيق الذات على نوع من الحراك الاجتماعي الطامح إلى الجنس الآخر، بدون أن يأكل جنسه. لا استسلام، لأن الواحد من الطرفين لن يعتبر الآخر خرافة بعد. ولأن الدرب واحد، من جوع الطريق إلى الآخر، على الهنيهات لا على عصمة الزمن.وجد ظافر الخطيب ورفاقه، أن شروط المثول لا تقع في دوران الرؤوس على الشراكة وحدها، على ما يكفي لتحديثها بإيقاظ كل شيء من أجل ذلك، حتى زغب الجسد. هذا رغيف ناشط وحنطتها الأولى وحنكتها في رحى مسامها. سوف تبقى الأرض على دورانها، وما دائرة الشراكة بين المثقفين الفلسطينيين واللبنانيين سوى دورة تكفي عالماً في خلقه الأول. شراكة بحواس ست لا بحواس خمس. كل شيء يدور كما بتدفق التيارات وجنون التيارات بخروج الشراكة من ألوان العيون. إشعال النيران، إيقادها بلا توقف، افترض تزييت الأيام. ثمة ما هو مدهش في رؤية العالم بطرق مستقيمة، حين أنه يدور كما تدور الكرة الأرضية. من أشعل النار لن يخشى الجمر. إلّا أن الموضوع لا يحسب على الشيطنات. احتاج الأمر إلى مشروع تنظيمي معقّد، واسع النطاق وضخم إلى حدٍ كبير، أُقيم بجهود شاقة، بجهود مضنية، على مدى أعوام طويلة كامل الوظيفة، لا في «ناشط» وحدها، لأن الأجزاء، إذا ما وجدت، تتغذى من بعضها. كما لا يحدث في عالم مصاصي الدماء، حين يطير الواحد بين أنياب الآخر. وبالعكس. العكس هنا. لأنّ «ناشط» المبتدأ لا المنتهى. سوف تصاب ناشط بالشيخوخة المبكرة إذا وجدت كولد وحيد داشر، يهبط الشوارع ليجد نفسه في دموعه. «ناشط» حافة الكون. غير أن الكون عالم أوسع من حافة وجدت كما يجب أو بطرق أخرى. المذاق الفاصل في سهرة «النورس» الثقافية. «ناشط» حلم الأجناس الإضافية. الأخيرة ذات مذاق لا يقل شأناً من السهرة إلى مطبخ سيدات فلسطين أو زوادتنا. لكل وظيفته الكاملة، وظيفة لا تتحقق إلا بالاتساع الدائم، لا بالإقفال على الذات كما يقفل الرمل الصحراء بالرمل. لن يغمض أحد على قياس الوضع بالآخر. قياس الاقتصادي بالاجتماعي والاجتماعي بالثقافي والاجتماعي/ الثقافي بالفكري. بلوغ هدف محدد، بلوغ هدف حدث بصورة أساسية منذ أن جرى تأسيس الهيكل الأول على صب فكرة الكرة الكاملة وهي تتمادى بالتأرجح بالهواء كفتاة صغيرة لا تأخذها إلى صباها إلا أقوال الأحلام. مني ولدت وأبقى أولد فيك. هكذا، صعد المشروع من أسفل الجسد إلى أعلاه على الرحابة والاتصال بالآخر بلا تأوّه وبلا تبتّل.
لم يجرِ الدخول بصورة كاملة وشاملة منذ البداية. أي منذ عشر سنوات حين اقترح المنظّمون أنفسهم كمثال من أمثلة على الوحدة بين اللبناني والفلسطيني. ذلك أن السكن لا يقوم إلا بالامتناع عن الشوق إلى السخونة الواضحة. دخول اللحم باللحم. دخول الأظافر باللحم. نحت على ما يرى وما لا يرى. الطهارة بالخروج على النظام العشائري وعلى الفكر التوتاليتاري. هكذا، تم القفز من النطاق المحدود إلى النطاق الشامل. التصميمات تتوسع، تهدد نفسها. ثم تكسر نفسها وهي تندفع إلى البحث عن جواهر الخصائص الجديدة. لذا، سقطت الأيدي في طشت الماء الواحد ذات الرغوة المكبوتة، في مسيرة طويلة اشتاق أصحابها إلى افتضاح حضورهم، كل واحد كملاك حارس لفكرة واحدة، وهم يحملون ورقتهم الرابحة لكي يزيدوا من نصيب الفقراء. ثمة قوة، ثمة مكر لا خبث، بالوقوف على اكفهرار الجلد القديم أو الصور الجامدة، بإخراجها من قعودها وقعورها وثغورها وشعورها إلى أعلى الحكاية وتلمظ الشفاه بعد روايتها. لم تعد الطبائع حافية وهي تضحي زوادة القطاف. آن أوان الخبز المشبع. كتل من الإشارات تدور في الزفاف. الإشارة النوعية جارة الإشارة الكيفية. طبيعة تكوين اجتماعي، تنوجد في تكوين اجتماعي آخر (جاءت الفكرة في عام ٢٠١٢، على نقاشات جدية بين مجموعة من الناشطين الفلسطينيين المهتمين بالثقافة حول الثقافة وجه الفلسطينية في لبنان، دورها، حدودها، واعتبار الفلسطيني، في الحياة اللبنانية مترنحاً أو وثناً منصوباً في دغل، كلما جرى التوغل فيه، أصيب المتوغل بنقمة الشبع الناقص. لم نرد أن نضيف إلى جسدنا أجساداً، على ما يقول ظافر الخطيب. ولم نرد أن نظهر كوحوش الدغل العارية، العاوية. ثم، لم نفكر في البحث عن الغابة. قامت المعادلة على تكرار، إذا كنتُ العتمة، كن ضوئي. وإذا كنتَ العتمة أكون الضوء. بالأخص، أن هناك قبلاً. ولأنه هناك قبلاً، هناك بعد. قاد الشعور بالتقصير إلى الخروج من متعة التفرج علينا إلى حديث السندباد في مجموعة من الرحلات الذاتية، بالسفر إلى مجموعة من الحقائق المؤجلة، أولها لا فاعلية المثقف الفلسطيني في لبنان بعد عام ١٩٨٢، ما لم يؤمن مذاك، سوى بعض المنتجات الثقافية ذات المعايير الواطئة أو ذات الضعف المبين. الأهم ، قرار الشبع من الخطايا السياسية. هكذا، ازداد فيض العاملين في «ناشط»، بعدها في سهرة «النورس» الثقافية، لأن الكلام بالسياسية لن يؤدي إلا إلى الاختلاف أو إلى العودة إلى سلالة العراة الأولى. وهذا ما لم يشتهه أحد. لا ادعاء بالتصوف، لا ادعاء بالخلق. لم نطرد من الجنة، لذا لن نعود إليها. هذه هي القاعدة الأولى. القاعدة الأخرى، حفظ الحماس وزيادة القوى الدافعة. الأساس لا في الشعار بل بالهدف، لأنهما مقام واحد بالعودة من الصحراء: نحو حركة ثقافية فلسطينية جامعة في لبنان. تحقّق الهدف سوف يبقى موؤوداً إذا لم يقع الانفتاح على الحركة الثقافية اللبنانية).
تحول بالنهاية من الشكل الأصلي إلى الشكل الأصلي الآخر. هكذا ، راحت سهرة «النورس» الثقافي تتطور ، بعدما أضحت ذات مستوى مرتفع نسبياً على الوحدة الكلية. تعرضت الأشياء القديمة والتقليدية إلى الهجوم، من الداخل، ثم إلى التحطيم. لكنها لم تندثر بظهور الأشياء الجديدة والحديثة. تم إنجاز ما قام وبان، ليلعب كل منه دوره الوظيفي الذاتي، ثم الاتصالي بحيث أقام بيئة تتمتع بداخلها بكل طبائع الانتقال. أحاديات، لأنها «أنتي» سلطة. أقسام بأعداد إجمالي القوى العاملة. سهرات بصور رئيسية معروفة. ثم مرحلة تأسيس المرحلة الجديدة، بالخروج من الحال الانتقالي إلى التعايش مع الصور الأوسع والأرحب. تنظيم أنشطة الأعمال الواقعية في وظيفة التنظيم الاجتماعي والثقافي. ندوات وأمسيات وآليات سيطرة أخرى على النفس وآليات إقالة الثنائيات بين اللبناني والفلسطيني في نظام جماعي خفي. ندوات وأمسيات ولقاءات وعروض على قيم الإنتاج لا على الهياكل العددية، بوضع تعايش بين العلوم والتكنولوجيا الحديثة مع وسائل الإنتاج، حيث تقع التجمعات السكانية في أشكالها الطبيعية. اندثرت الأشكال السياسية المباشرة لصالح الطبقات العميقة بالثقافة، لا الطبقات السطحية بالثقافة. امتدت السهرة الثقافية إلى بيروت. بعدها، إلى الأرياف والمدن ومدن الأرياف وأرياف المدن. لم تعد سهرة «النورس» الثقافي داخل التنظيم الاجتماعي الواحد. من صيدا، إلى صور والنبطية وبنت جبيل وجبيل وجونيه والعاصمة. وإخراج المسيرات القديمة من بطئها بالتركيز على التوازن الفعال بين المجالات والجوانب والأشخاص والأسماء. النموذج لا بالتركيب، النموذج بإنزال الفجر على ضيوف الزفاف وأصحابه سواءً بسواء. هكذا، كلما تمت هيكلة العلاقات بين المثقّفين الفلسطينيين والمثقفين اللبنانيين، تداخلت أساليب الحياة واتّسعت الإدارات بالصفات العامة. أصدقاء «النورس» من زنّار النورس، من أضحوا جزءاً من المشروع لا من يتعايشون معه فقط. رفيق علي أحمد وزاهي وهبي ونعمة بدوي (نقيب الممثلين في لبنان)، وفريد بوسعيد (نقيب الموسيقيين في لبنان). أصحاب هذه الأسماء، لا تقيم بالكسل. كما لا يقيم «الناشطون» و«النورسيون» بالكسل وهم يعملون كالذئاب على استكمال تفاحتهم، بعيداً من ذكورة لا ترى النتائج سوى بالذرية، سوى بالذريات. ينابيع الخلق بالعبور المباشر إلى مفاعيل ما يربّيه التعدد والنوع ومعجزاتها. ثم، سدّ الحاجات بعيداً من الفلكلور، سدّها بتوأمة المجالات والفاعليات والمواقف والمفاهيم المفيدة بالحياة والأبحاث واللغة، بعلاقتها المفتوحة على الفكر والمجتمع الندي، النابض، العابر والعائد، ثم العابر من جديد بالكرّ والفر. بهذه الحالة، لن يقع شيء في النقصان والتشويه. ما حدث ليس سهلاً، لم يحدث بسهولة. حدث بالدخول إلى الأفعال الجديدة لا المصطلحات الباردة، الموضِّبة الفراغ بالفراغ. حدث بالتخصّص ومن خلال الخاصيات والخصوصيات. جراء الأمر، سوف تباشر سهرة «النورس» الثقافي بإصدار الكتب كإضافة تخرج من ثيابها، تعمّق مفهوم الإنجاز. نجاز مقطعي، كما هي الإنجازات السابقة، ليجري دمجها، لا خلطها، في النظام المنسكب في ممرات آدم الجديد. وضع مغاير لأن «النورس» حقق ما يتحقق بالكلام المنطوق والكلام المكتوب واتصال العلامات. أشياء بين البصريات والفونيميا. كلُ قيمٍ، لا نظري، في المسير المميز، يصبح مفهوماً في السطوح لا السطوح. في المركبات النجمة ذات الملامح الحبلى بالملامح. عناصر سباقية لها وظائفها الواضحة، في سياقات لا مشروطة إلّا في حالات نادرة.
إذن، ناشط هي الميدان الأول بإشاراتها العديدة. «ناشط»، أول مجاري الاتصال. ثم، «النورس» الثقافي. ما قام على مفهوم الوحدة الضيقة، أضحى ذا وظائف تتقن توسيع المخارج كإقامة مهرجان سنوي غير مقيد بأشكال المهرجانات الدارجة. مهرجان يتمثل في جهد اختبار المقدار من أصل النص الثقافي لسهرة «النورس» الثقافي. مهرجان يصوغ حضوره في الإطباق على الأشكال الثقافية ذات القيم، بعيداً من التفخيم. تعبير عمّا أُنجز من مقترحات ومجالات ومقامات وتواريخ علم وثقافة. أخذ إلى النضارة، نضارة أخرى، لا اليباس. كم مرّت من أزمنة، حتى انسكب الحلم بالواقع، على مركب يقود نفسه على الوقت لا على الماء. هذا أول الغيث لا آخر الغيث.
حققت «ناشط» أهدافها، بعض أهدافها. واحد من الأهداف، مهمة فرضتها على نفسها. مطبخ سيدات فلسطين من الأولويات لا من المرجحات. لا لقطات باردة هنا. لا أسئلة مربكة تتزامن والسلوك الاستيطاني، السلطوي، المعاصر، للإسرائيليين. من يبحثون عن وجود لهم بكل الطرق. واحدة من الطرق هذه، لا بل إنّ أول الطرق الدخول في بواكير السرديات أي، ما يثبت أحكام الوجود الأولى في فلسطين من خلال الاستيلاء على كل دم متدفق في التاريخ الفلسطيني. الطعام الفلسطيني ناب من أنياب سعى الاحتلال إلى مصادرة تفرده بمصادرته، من خلال الادعاء بأنه يعود إليه، بشهواته واشتهاءاته. لمَّا أن الأمر ضرب من المستحيل لأنه جزء من الوعي المتوارث، التعاليم المتوارثة. لا يريد الإسرائيليون حتى الإقلال بالحوار حول الموضوع. لا يريدون فتح حوار البتة. إذ يريدون للفلسطيني أن يقتات على لحم البشر، بفقدانه لميني الطعام الخاص به، بحيث يظهر كزومبي، نصف حي نصف ميت، لا يطأ الأرض لأنه يعيش في القبور. الطعام جزء من الذاكرة، شريطها المسجل، كرسي، ورد أحمر، بالصراع على الهوية، لأنّ لعب الإسرائيلي لعب على الهويات، تذويبها، ثم، تغييبها نهائياً. الكلام على الفلافل والفول والحمّص، جزء من تنظيم حضور الشخصية في العالم لأن تجريد الفلسطيني من مطبخه تجريده من لسان، من ألسنته ذات الأصوات المكتنزة بالمشاهد. وحين تتوالى اللقطات، على هذا الصعيد، سوف يتحول العنف السطحي إلى عنف عال، يتحول معه الفلسطينيون إلى دمى مكسورة، تجول بالإطارات الداخلية بين البحر والمدينة بأجساد آلية لا تملك لا غرف طعامها ولا غرف نومها ولا غرف جلوسها. يعي العاملون في «ناشط» هذه اللعبة، يمتلكون مفتاحها وهم يؤكدون أنهم مدركون حبكتها الأصلية. أن ما يحدث واحدة من الألعاب الخبيثة، ألعاب لم تتطلب حتى القليل من الوقت لكشف أدوارها، إذ تريد أن تحول الفلسطيني إلى تائه. إنها لعبة دفع الفلسطيني إلى صفره وهو لا يستطيع أن يعاين سيل الخسائر. ذلك أن التعاليم المتوارثة عنوان المنزل، عنوان الألفة، بعيداً من المشاهد الغرائبية. تقفي الأساليب والأمزجة، تقفي القدرات الأخّاذة للأحداث الأولى، لوضع الفلسطيني في قفص لا ترشحه دولة ولا سلطة ولا منظمة ولا هيئة للفوز بحياته، حين يفتقد كل تفاصيل وأدوات الحياة، من المطبخ إلى الملبس ومدارات وكادرات الحياة الموازية لا صراع على باخ وشوبرت وفيفالدي، لأن لهم رباً يحميهم. تحدٍ ينال فيه الاسرائيلي من الفلسطيني وهو يغوص في روحه ومزاجه وأساليبه وتجاربه وأعماله السابقة. المطبخ أم. لن يفقد الفلسطيني أمه. ذلك أن فقدانه يعرّي المنزل، ولا يسمح بتركيب الجمل على ما هي عليه بفقدان حدود التمييز بين منشىء الجملة ومن يحاول إعادة تركيبها على مقاسه. استبدال التعريفات تحكيم لوظائف الأشياء. ثمة عقل يدير الأوضاع الدلالية، بالتركيز على جانب من جوانب العلاقة بالحياة ووضعها بالعناية المركزة، لكي يقبض على طبائع العالم. عموم القضايا، بمحمولاتها السياسية والاجتماعية والثقافية/ الفكرية. يقع الأمر في نظرية التكرار، تكرار يصادر الجوهر بالقبض على القواعد. يعي ظافر الخطيب الأمر، عن طريق التضمين التركيبي الممارس من الإسرائيليين، كما يعيه من يربطون نحوياً بين الحياة وتركيباتها الأعمق الموجودة بذاتها، بعض الأشخاص المعنيين بالصراع بعيداً من الخلط المؤدي إلى الوقوع في الخطأ. إنّها حرب الأخلاق بالاستيلاء على الأشكال الناضجة، الكاملة. لا مستوى مرتفعاً في الفكر الأخلاقي للإسرائيليين. هكذا تجد «ناشط» أن مطبخ نساء فلسطين جزء من التوازن الهيكلي الكبير في ظاهرة الثقافة الأخلاقية، ليخوضوا المعركة في مستوى مرتفع من التمدين والفكر الأخلاقي في المقام الأول. ما تتولّد منه القيم الروحية، حيث لا يتوقف السلوك والأخلاق الحميدة والأوضاع السامية على ماهية وجهة النظر وحدها، بل على دعمها بالنظر من خلالها إلى «الآخر»، باعتبارها واحداً من معايير القيم المستخدمة بالتقييم.
لن تحقّق الدعاية الإسرائيلية، جرّاء الأمر، من وضع المطبخ في نظام ترتيب قيمها النموذجية ونظام درجاتها الاجتماعية. نساء المطبخ اسم نساء حزانى. إنهن في قلب الصراع على الهوية. كما تفعل «ناشط» و«النورس»، لكي لا يبقى الحزام على الشجرة. ذلك أن الشجرة شجرة فلسطين. هبّت الحياة في «ناشط»، إذاك جاءت سهرة «النورس» الثقافية لرؤيتها، وحين لم تجدها زائدة بقيت فيها. ثم، ربت في مكان سكنها مطبخ سيدات فلسطين وخيم الزراعة والكشاف وكل ما يدور على الرحم في الساعات. العجلة تدور ، بعد الاستجابة للصدمات بالخروج منها وإظهار الجلد تحت وابل الأحداث إثر النجاة من الطوفانات. وبشكل عام، حين لم يتوقع أحد ذلك. العجلة تدور، لأن من وضع الفلسطيني على طاولة العمليات لم يعد يجد القنبلة وحدها بمكان القلب.