غزة | غزّة بقعة غريبة عجيبة! تمكث دوماً على حافة الموت، لكنّها تتمسّك بالحياة أحلى ما يكون. يطلق مغنّوها حناجرهم، مولّدين فسحةً وفيرة للجذل وسط عتمة الحصار. غزّة التي أهدى العالم صوته لها، ها هي هذه المرة تشدو له رغم تزاحم الحروب عليها. هكذا، مدت فرقة «صناع الثورة» الغزيّة جسراً للتواصل مع بيروت، فمزجت صوتها بصوت مسكون بالشجن وعذابات اللاجئين الفلسطينيين كصوت الفنان اللبناني أحمد قعبور. فرقة الراب التي أبصرت النور عام 2009، قدّمت أخيراً نسخة جديدة من «بدّي غنّي للناس» لقعبور. بالارتكاز إلى هذه الأغنية، أنتجت خليطاً غنائياً متناسقاً، جمع بين «ريتمين» متناقضين.
بسلاسة وانسيابيّة، تنتقل الأغنية (ريميكس) من صوت قعبور الهادئ الشجي إلى صوت الفرقة الذي يعتمد الوتيرة السريعة واللهجة المحكيّة بالنمط المقفّى. عبر هذه الأغنية، يشخّص عضوا الفرقة الشقيقان محمد وأسامة السوسي حالة المجتمع العربي، وخصوصاً الفلسطيني الذي يقاوم من أجل الحياة، لكنه يصطدم بمناخٍ انهزامي عام: «بعيش تحت الأرض مش لاقي غير موتي/ مورد لحياة ناس ما الها ناس بوطني/ بعيش فدا الأرض شايفها ارتوت بس ما حصدت حصادها لإبن بلدي».
يسلّط الشقيقان الضوء على المشهد السوداوي العام الذي يختزل الخراب حولنا، ويبوحان بأنانية الحكّام المتفرّدين بقرارات تحدّد مصائر شعوبهم.
وسط كلّ هذه الصور القاتمة، تبرز عبارة «بدّي غنّي» كطريقة الخلاص الأسمى من هذه العبثيّة التي يحياها الوطن العربي. يحاول الشقيقان في «بدي غنّي للناس» تخليص الشعوب العربية من أحزانها، وتفجير الأمل بغدٍ أكثر إنصافاً: «بدي غنّي عن اللي كان سلطان زمان وكانلو مكان وراح/ شوفوا هداك الي كان سلطان زمان/ سبحان مغير الأحوال كيف كان وكيف صار وفي أي مقام».
تجد «صناع الثورة» مساحة لمقاربة هموم الغزيين اليومية في أعمالها، فيما تبتعد عن النوستالجيا والأغاني المناسباتية المرتبطة بالحوادث المفصلية للفلسطينيين، محاولةً كسر الأنماط المألوفة في التعبير عن عدالة القضية الفلسطينية.

قدّمت فرقة الراب
الغزية أخيراً نسخة جديدة من «بدّي غنّي للناس» لأحمد قعبور

صاحبة أغنيات «حفظنا كتير حروف»، و«إيش النظام»، و«فش وقت»، و«يوم عن يوم»، و«قعدة شارع» لا تعود بشريط ذكرياتها إلى الوراء بقدر ما تحرّض الفلسطينيين على صنع حاضرهم ومستقبلهم. في أغنية «ضجّة» مثلاً، تحاكي الفرقة عالم غزّة بتفاصيله الدقيقة بدءاً من الحرمان ونقص الحاجات الحياتيّة الأساسيّة وقلّة الخيارات. استوحت الفرقة عنوان الأغنية من التلوث الضوضائي الذي تعيشه غزّة بفعل حديث أهلها السائد عن انقطاع التيار الكهربائي ومولّداته ومعبر رفح الذي يعتبر الشريان الوحيد المغذّي للقطاع. تعقد «صناع الثورة» مقارنةً بين شعبها والسلطتين الحاكمتين له في الضفة والقطاع في أغنية «لساتني بحارب». تركّز الفرقة على الهوّة بين الشعب والسلطتين، وكيف حازت السلطتان الغنائم والمكتسبات من وراء الشعب الذي يعيش الحرمان المزمن. وفي أغنية «واسطة شيك»، تترجم نبذها لظاهرة الواسطة. وفي «قيادة شغب»، تتحدّث عن شلال الدم في الوطن العربي بفعل أطراف دأبت على التناحر على السلطة، وأتقنت البصق على المسحوقين والمستضعفين، داعيةً الشعب إلى استعادة ثورته المخطوفة. وتحجز القضايا الاجتماعية الإشكاليّة مكاناً لها في أغنيات «صناع الثورة»، فتطرح الفرقة مثلاً قضية تسليع المرأة في أحد أعمالها. بعد أكثر من 13 أغنية قدّمتها، متى تحظى هذه الفرقة بمكان يليق بفنّها؟ يجيب محمد السوسي لـ «الأخبار»: «يتمثل العائق الرئيس في عدم تقبل الغزيين للراب. هو بنظرهم لا يعدو كونه فنّاً غريباً دخيلاً لا يتوافق مع قيم المجتمعات المحافظة. إن كانت المشكلة تنبع من طبيعة لباس مؤدّي الراب، فأنا مستعدّ لارتداء الجلّابية والغناء. غزّة لا تقدّر الفن عموماً، ووزارة الثقافة تملك طابعاً معينّاً يختلف عن أهوائنا وميولنا».
وماذا عن تجربتك مع الفنان أحمد قعبور؟ يضيف: «لم نتوقّع أن يتجاوب معنا. لكن حالما تواصلنا معه، وافق من دون تردد على إفساح المجال لنا بإضفاء التغييرات الموسيقية على «بدي غنّي للناس». وفور تسجيلنا الأغنية، أرسلنا له نسخةً عنها قبل هندستها ومعالجتها تقنيّاً، أذهلنا بتحفيزه لنا بهدف المضيّ قدماً في المجال الغنائي». هذه الفرقة التي يُعدّ الأخوان السوسي عمادها، تضعنا أمام فنانين شاملين يمسكان بزمام الأمور في التأليف والتلحين والتوزيع والمعالجة الفنيّة لأغنياتهم. غير أن بيئة غزّة ليست حاضنة لهما، فيضطران لنشر أغنياتهما على اليوتيوب، نظراً إلى منعهما من إحياء حفلات موسيقية في القطاع.




المحبوب والمونديال

يسجّل المغني الفلسطيني محمد عساف الأسبوع المقبل الأغنية الخاصة بافتتاح «كونغرس الـ فيفا 64»، التابع لـ «الاتحاد الدولي لكرة القدم» (FIFA) في مدينة ساو باولو البرازيلية في 10 حزيران (يونيو). الأغنية التي يضع «محبوب العرب» صوته عليها في دبي (الامارات)، تحت إشراف المنتج رودني جيركينز، تشهد تعاون المؤلّفين الموسيقيين ميشال فاضل ووليد الفايض، والشاعر نزار فرنسيس. ويلفت تيمور مرمرشي مدير شركة «بلاتينوم ريكوردز» المنتجة للأغنية، إلى أنه انطلق الإعداد لها قبل ثلاثة أشهر مع تخصيص قناة «أم. بي. سي» موقعها الالكتروني لمتابعة مجريات التسجيل مباشرة، وإشراك الجمهور في كتابة كلمات الأغنية.